«مجرد وجهة نظر» كان ينبغي أن يشارك الشعب الكردي في الاستفتاء على تعديل الدستور التركي !!

بشار أمين

كل المعلومات تفيد أن إقبال الشعب الكردي في تركيا على الاستفتاء كان ضعيفا جدا ونسبة المشاركة الكردية لم تتجاوز الـ 10 % من مجموع أبناء الشعب الكردي ، ذلك استجابة لدعوة حزب العمال الكردستاني وحزب السلام والديمقراطية وهذا الأخير هو الحزب الكردي الوحيد الذي يحظى بالترخيص في تركيا ، جاءت هذه الدعوة من الحزبين المذكورين لسببين أساسيين – كما قيل – : الأول : عدم ورود أي اعتراف  أو أية إشارة حتى للشعب الكردي وحقوقه القومية من ثقافية ولغوية وسياسية ..الخ ، والثاني : إثبات كسر شعبية حزب التنمية والعدالة الحاكم في المناطق الكردية ، وإثبات أن الحركة السياسية الكردية لها ثقلها في المناطق الكردية ، وعلى الحزب الحاكم أن يقر هذه الحقيقة وأن يتعامل مع القضية الكردية بما ينسجم مع سمات هذه المرحلة وأن يكون جديا في فض الصراع الدائر وإنهاء الاقتتال وإيجاد الحل الديمقراطي لهذه القضية بشكل جدي ، والسببين المذكورين من حقهما ..
يقال : ” أن أهل مكة أدرى بشعابها ” والشعب الكردي في تركيا هو أدرى بمصالحه وله كل الحق في اتخاذ قراره كما يراه هو وليس سواه ، بمعنى أننا هنا لا نبغي مصادرة قراره أو التفكير بدلا عنه ، بل مجرد إبداء وجهة نظرنا من قبيل ممارسة حق التعبير عن الرأي ، والمشاركة في مناقشة موقف قد يكون صحيحا ، وربما يحمل في طياته بعض الالتباس ، خاصة وأن التعديلات التي أُدخلت على الدستور التركي تلك التي بسببها جاء الاستفتاء العام قد شملت 26 مادة ، أبرزها الحد من صلاحيات القضاء العسكري وتعديل بنية هيئتين قضائيتين لصالح السلطة ، حيث حصر سلطات المحاكم العسكرية في محاكمة العسكريين فقط وإعادة تشكيل المحكمة الدستورية وإضافة عضوين لها من مرشحي البرلمان والسماح للطعون الشخصية بقرارات المحكمة الدستورية ، وفي حال المطالبة بحظر حزب سياسي يجب تحقيق نصاب قانوني بموافقة 2 / 3 من أعضاء المحكمة الدستورية ، ورفع الأحكام القانونية لمنع التظاهر والاعتصام حتى لو كانت لأسباب سياسية ، ورفع منع السفر إلى الخارج إلا في حالات التحقيقات المبدئية ..الخ وهي ( التعديلات ) في جميع الأحوال لا تفي بإشاعة الديمقراطية الحقيقية بالشكل المطلوب ، خاصة في هذه المرحلة التي لا تزال الدولة التركية تعيش حقيقتها القومية بكل المعاني ، إلا أن ما جاء فيه من التعديل أفضل من عدمه – برأينا – ذلك ما لا يختلف عليه اثنان ، و يبقى التعديل خطوة ولو أولية باتجاه التحول الإيجابي ، وهذا ما أكد عليه الاتحاد الأوربي حيث رحب بالتعديلات تلك واعتبرها خطوة متقدمة في هذه المرحلة ..


من جهة أخرى ، ألا يلتقي موقف مقاطعة الاستفتاء مع الجانب العسكري الذي رفض من الوهلة الأولى أية تعديلات على دستور البلاد ؟ ثم ألا يلتقي هذا الموقف مع المتزمتين من القوميين الترك الذين كانت مشاركتهم أيضا لهذا الاستفتاء ضعيفة ؟ ألا تعد المقاطعة إضعاف لموقف ودور المتعاطفين مع القضية الكردية في جانب الوطنيين الترك ؟ وهل كان يمكن اعتبار المشاركة الكردية بنعم على الاستفتاء نهاية للمطاف أو قطعا لسبل مواصلة المطالبة بالمزيد من التعديل على هذا الدستور في السنوات القادمة ؟ خاصة وأن الكثير من مواد التعديل تدخل في مصلحة كل المكونات القائمة بما فيها الشعب الكردي ، والسؤال الأخير هو : ماذا كان لو لم يحظ الاستفتاء لصالح التعديل بسبب المقاطعة الكردية ؟ أما كانت خطوة إلى الوراء لصالح الجانب الطوراني ؟؟

من هنا ، فإن المشاركة – برأيي – في عملية الاستفتاء على تلك التعديلات كانت ضرورية مرحليا وسياسيا خاصة وأن القضية الكردية في تركيا قيد التداول بين الحكومة والقوى التركية الأخرى ، وربما شكلت هذه المشاركة عامل المزيد من التعاطف مع القضية الكردية وعامل استقطاب وترغيب أكبر قدر ممكن من القوى السياسية التركية للتعاون والتعاضد في وجه العقلية الطورانية التركية والحد من دور جنرالات الجيش ودورهم في لجم الاتجاه المدني الديمقراطي المتنامي باضطراد في البلاد عموما ..

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…