في ميلاد الحزب الديمقراطي الكردستاني وثورة أيلول المجيدة

في الذكرى الرابعة والستين لميلاد الحزب الديمقراطي الكردستاني – الشقيق في العراق, يقف المرء بإعجاب أمام التحديات الكبرى التي اجتازها هذا الكائن الفريد, خلال نصف قرن وعقد ونيف من السنين .

وهو يشق دربه العصي وسط الأعاصير والأهوال والمحن العصيبة و الثورة الكوردستانية الشاملة, ممن احتنكوا وتمرسوا وخاضوا غمرات الموت و فتكه وجبروته بأنيابه الملطخة بالدماء, وبراثنه التي مزقت الأشلاء ..!! ليقف صناديد الرجال من حملة الراية ومن آثروا الكرامة وشرف الانتماء إلى القيم النضالية الرفيعة على رغد العيش, وبحبوحة الحياة , وسلامة الرياش والدعة والأمن , فكانوا صناع ملحمة النصر على الذات ورغائبها وجنوحها إلى إيثار السلامة أولا, والانتصار المبين على ملذات الحياة ورفاهيتها , وما بذل لهم من مال ومتاع وجاه ورئاسة ثانيا ..
 مؤثرين خوض صراع شرس وغير متكافئ , متحملين المرارة والنكد وشظف العيش والغربة والتشرد والتحليق في قمم الجبال الشم , يحملون البندقية بيد, وزوادة الخبز والتبغ بيد أخرى دفاعا عن شرف قضية نبيلة ومبدأ يعز عليهم التنازل عنه قيد أنملة ..

ليوصلوا صوت أمتهم إلى منابر العالم المتمدن وأروقة الأمم المتحدة , ومحافل دولية , يقودهم قادة ومؤسسون يحيطون بمرشدهم وملهم ثورتها البارزاني الخالد إحاطة السوار بالمعصم , في حصن منيع وحصانة عالية..

وشغف به منقطع النظير , وإيمان وثقة بالنصر لاحدود لهما .

واليوم نؤكد على مقولة ثابتة شكلت ولادة حقيقية ومتجددة لتنظيم كوردستاني رائد تمثل في الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الذي كان له الفضل الأكبر في لم شمل الكورد, وتعبئة طاقاتهم, وزجهم في معترك المواجهة, وحشد مؤيدي وأنصار الفكر القومي في رؤية إنسانية عالية ومرتقية, في التنظيمات القائمة حينئذ على الساحة   ومن أبرزها ” هيوا وشورش , ورواد الفكر التحرري وقتها ” ليختاروا جميعا – وبملء إرادتهم – القيادة الفذة والتاريخية للبارزاني الخالد ,بعد خروجه من تجربة مهاباد , وتسلمه المبكر لأمانة نضال شاق ومرير من البيشوا ” القاضي محمد ” , ليشق دربا عصيا في أدق مرحلة تاريخية من نضال أمته الكوردية العريقة , وهي تواجه امتحان البقاء والوجود – في عمق جغرافية نازفة وممزقة الأوصال – , لينهض بها وسط عرامة التحدي , وعظمة المواجهة, وهو يدرك تماما أبعاد هذا العبء الهائل والثقيل , كما يدرك بجلاء ما كان يحيط به من ظروف مذهلة وقاهرة  تجر إلى اليأس والغصص وظلمة الأيام المقبلة وسنيها العجاف.

وما كان يملكه الأعداء من حوله من قدرات وإمكانات , وشراسة وشراهة في الإحاطة والاتفاق والتطويق وضرب البنية التحتية والقمع المتناهي في الفظاظة والبشاعة , ولكنه قبل التحدي..

وخاض غمار النشأة العسيرة والمخاض العنيف بصبر العباقرة, فكان قائدا ورائدا وعبقريا ملهما , فجر ثورة أيلول , وخاض –  من خلالها – ”  ملاحم كبرى في هندرين وزوزك وبيطاس وهلكرد وكلالة وكليي علي بك ..!! ” , وكان المقاتل الصابر والعنيد , والقائد العسكري الفذ , والمحاور والسياسي البارع , والمطاع في مقاتليه وأنصاره وكوادر حزبه, حتى استطاع أن ينجز أهم انعطافة دستورية في تاريخ العراق..

باستنزال الاعتراف بوجود الشعب الكوردي الشرعي في العراق, وشراكته التاريخية للعرب وحفاظه على اللحمة الوطنية بينهم وبين الكورد, وسائر مكونات العراق العرقية والمذهبية وذلك في الاتفاقية التاريخية في الحادي عشر من آذار لعام/1970  , في توازن دقيق بين الحق الناصع والرؤية السياسية الواضحة , وأهداف القتال الشريف, ليخرج بقرارات تاريخية – مع قيادته الفذة – بما تعجز عنها كبريات المؤتمرات كما يقول الرحالة والباحث الأمريكي ” دانا شمدث “.

ليأتي بعد ذلك التنصل الكامل في مؤامرة الجزائر الخيانية وآثارها الكارثية في آذار من عام/1975 من قبل نظام لم يحترم مواثيقه و عهوده, وبعد قتال مرير, لكن الثورة تتجدد بأبطالها وثوابتها ونهجها الوطني والقومي , في صلابة مبدئية , وقوة إحكام , وإصرار على متابعة الخط النضالي الذي سرعان ما تجدد وترمم وانطلق بقوة واقتدار في ثورة كولان التحررية في السادس والعشرين من أيار عام /1976, والتي كانت تحمل بشائر عهد جديد ورؤية متجددة ومتجذرة , لتبرز القيادة المؤقتة وتشمر الثورة عن سواعد فتية, وتدخل أتون معركة ضارية مع أعتى الأنظمة دكتاتورية ووحشية , فكانت الإبادة الجماعية ومحاولاتها , في الأنفال , وكان الحصاد الكيمياوي المروع في ” حلبجة وخورمال وبهدينان وكرميان ..” وكان ” السيانيد والسارين والخردل..

” يحصد آلاف الأبرياء , وتتوالى الأحداث متسارعة , وتلعب عقارب القدر دورها , ويتمادى النظام في صلف وعنجهية وغرور ليدخل بوابة الشر  من أوسعها في حروب مغامرة وضارية , لتعلن الحرب العراقية الإيرانية , ويسدل عليها الستار عن ملايين المشردين والضاربين في الآفاق, والجرحى والشهداء والمهجرين , ويغامر النظام – دون حساب للمجتمع الدولي – , فيدخل الكويت غازيا ناهبا سالبا, وتعلن عليه حرب الخليج الأولى , لتنطلق شرارة الانتفاضة الأولى, ويبرز الدور الريادي للبارتي حزبا طليعيا يقود – مع الأحزاب الكوردستانية وجماهيرها المتعطشة – في الانتفاضة الربيعية الكبرى من عام/1990 , والتي قمعت بالحديد والنار – رغم إنهاك الجيش المترنح تحت ضربات التحالف الدولي الذي ألحق به هزيمة منكرة في إخراجه من الكويت – ليصب جام غضبه – في انتقام همجي – على الشعب وقواه العزلاء..

وتتداعى الدول لدحر النظام, وتوفير الملاذ الآمن للشعب الكوردي, واضطرار النظام في سحب إداراته ومؤسساته من الإقليم, لتبرز مرحلة متجددة في البناء و الإعمار وهندسة الحياة السياسية الجديدة ومتطلباتها وبرامجها ورؤاها , ليساهم الحزب في الريادة والإدارة والتجربة الديمقراطية الجديدة, متكيفا بقدرة فائقة مع آفاق المرحلة وضروراتها, والعمل السياسي والبناء الحضاري , رغم افتقاره إلى خبرة الدولة الحديثة , ونمط الإدارة المستجدة , ليخوض تجربة عملية سياسية وليدة, مع قهر النظام الدموي ووأده, وإسقاطه في اللحظة الحاسمة في التاسع من نيسان من عام/2003 , بعد واحد وعشرين يوما من المقاومة الهشة, رغم توفره على آلة حرب مدمرة, وقدرة عسكرية هائلة , وقيام جيشه على جماجم ملايين المستعبدين والمقهورين ومن سيقوا إلى حتوفهم عميا صما وركاما من الآهات والأنات والمغامرات الضالة مع الذئاب الرمادية الضارية , والتي قادته إلى التيه في مفازات ومهالك ودروب معتمة..

فتأتي التجربة الجديدة مع طرح قيادة الحزب برنامجه في التلاقي والتحاور والتصالح..

مع أبناء العراق بكل مكوناته وملوناته وأطيافه توطئة لفعل سياسي متحرك وواقعي عياني, وفي ظل دستور جديد مستفتى عليه , وإن جاءت التحديات هذه المرة بأسلوب أقرب إلى لغة العصر , حيث تجدد القيادة الكوردستانية نفسها , وتحاول لجم التطاول على الدستور- في الآونة الأخيرة –  والالتفاف عليه والحنين إلى ماضي التحكم , ومحاولة العودة – مجددا – إلى الوراء, ومركزية الدولة والتفرد والانفراد في القرار, ومحاولة إرضاء النزعات والتوجهات المتطرفة, وما خلقته هذه الأجواء من توتر بين المركز والإقليم , والمحاولات الجادة لمعالجة الوضع , وبخاصة من الجانب الأمريكي , وسعي رئيس مجلس الوزراء لتدارك ما يمكن تداركه , بعد عمليات التصعيد الأمني الخطير , وخطر اندلاع مواجهات جديدة, ومحاولة البعض الواهم لي المكاسب الوطنية والقومية الكبرى وتأخير تشكيل الحكومة بعد الانتخابات الأخيرة في آذار2010, رغم النجاح الذي حققه الإقليم في انتخابات الرئاسة والبرلمان , نموذجا ديمقراطيا فريدا في المنطقة , بما يضاهي الانتخابات في البلدان الديمقراطية العريقة..

ويبرز حزب البارزاني الخالد قوة ثورية واضحة  ومتجددة – في أدق مرحلة تاريخية – وبقيادة الرئيس المناضل مسعود البارزاني,ليقف من جميع الكتل البرلمانية الناجحة على قدم المساواة و على مسافة واحدة, في ثوبه النضالي الجديد , مع إشراقة الأمل الواعد وتباشير ميلاد ممتلئ حداثة وجدة وأملا واعدا وامتدادا كوردستانيا ووطنيا عظيما و عمقا تاريخيا و قوميا واضحا .

 

المكتب السياسي للبارتي الديمقراطي الكوردي ـ سوريا  
  11/9/2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…