علي صالح ميراني
حظي جورج وليم فردريك هيغل (1770 ـ 1831) على الدوام، بمكانة رفيعة في المجتمع الالماني والدولة البروسية، و بمنزلة لاتضاهى عالميا لاحقا، ولا غرابة في ذلك لان اعماله الفلسفية التي بشر بها اصبحت جزءا مهما من التراث الفلسفي العالمي والاكثر قابلية للنقاش والتفسير، وبخاصة ما يتصل منها بمنظوره الفلسفي الى “الدولة” ومكانتها في التاريخ، وهي الافكار نفسها التي كان قد عرضها في محاضراته التي القاها على طلابه في جامعة برلين خلال المدة (1822 ـ 1830) والمنشورة بعد وفاته في كتابه الذائع الصيت ” محاضرات في فلسفة التاريخ”.
لقد استفادت معظم دول العالم، افرادا ومجتمعات من الافكار التي جاء بها الفيلسوف هيغل، ومن طريقة تفكيره وآرائه المبدعة وكثرة اهتماماته وتنوع المجالات التي خاض فيها، ومع كل هذا قد تكون امة الكورد، لاسيما مثقفوها وساستها، الاقل اهتماما بما جاء به هذا الفيلسوف الاصيل ، مع العلم ان ما تحدث به عن اهمية بناء “الدولة” الواحدة القوية المرهوبة الجانب، هي الاكثر التصاقا بهمومنا الحالية، والدواء الذي يشفي كل عللنا، فلو كانت لنا كشعب مغبون “دولة” كوردية قائمة بحد ذاتها، بالتأكيد لما كان حالنا مزريا بائسا هكذا، يقتنص الاخرون ارواحنا واحلامنا وملكاتنا الابداعية بهذا الشكل السافر العدائي.
واكاد اجزم ان اي كوردي محب لقضيته، لو اقبل على دراسة هيغل وغيره من الفلاسفة، الى جانب التراث النضالي الكوردي بامعان، خصوصا في فترة شبابه وجعل التزود من زادها المعرفي جزءا لا يتجزء من مطالعاته اليومية، لادرك بعمق اي واقع مأساوي يعيشه بسبب حرمانه من اقامة دولته الخاصة، حتى ولو توفرت له بعض المزايا الخاصة هنا وهناك، وفهم بصورة صحيحة ودقيقة اسباب التخلف الذي يعيشه مجتمعه الكوردي بامراضه المختلفة، وعلم ان عدم عيشه في “دولة” كوردية تضمه الى جانب اخوانه بصورة مستقلة، السبب الرئيسي والابرز في تكرار نكباته المتلاحقة، وفهم مغزى ايغال البعض في الحاق الاذى به، لانه من المعلوم ان هيغل كان قد اولى اهمية بالغة “للدولة ” وجعلها الغاية التي تنتهي عندها “صراع الاضداد” في منطقه “الدياكتيكي”، واعتبرها المؤسسة التي تتحقق فيها “الحرية الاخلاقية” نتيجة لاتحاد وترابط الدوافع والنزوات والرغبات الجزئية للافراد، مع الغاية العامة والاساسية “للدولة”، لذا فانه يعترف ان “الدولة” هي كيان عضوي موحد يعلو على تكويناتها الحزيئة من الافراد والنظم، وكرس حياته للتاكيد على ان “الدولة” هي وحدها مركز الاخلاق والعلم والدين والفن والقانون.
ولوكنا نعي حقيقة وجودنا، وآمنا بكوننا امة قائمة مثل غيرنا من الامم، لتركنا كل الايديولوجيات العقيمة خلفنا، وتمسكنا بحقنا الطبيعي في اقامة “دولتنا”، ورددنا مع هيغل قوله ” الدولة هي الفكرة الالهية التي توجد على الارض” .