اللعب على عامل الزمن بين بغداد وأربيل

   عمر كوجري
 
    رغم كل المحاولات للظهور والتظاهر باستقرار الحالة بين الحكومة العراقية والقيادات الكردستانية، وإطلاق التصريحات التي تشي بالدبلوماسية واللباقة إلا أن واقع الأمر يقول عكس ذلك، فلا يبدو في الأفق أية انفراجة واضحة بين الحكومة العراقية والقيادات الكردستانية، وكل يوم تظهر تعقيدات جديدة  والأمر لا يتعدى موضوع اللعب على عامل الزمن، و إن تحلينا بالموضوعية وعدم الانجرار وراء العواطف – تسير الأوضاع من سيئ إلى أسوأ.
     هذا ما يتبدى للمتابع للشأن العراقي دون صعوبة في فك شيفرة ما يجري على أرض الواقع، والكثير من المواقف التي يتخذها الطرفان تسير باتجاه زعزعة الثقة بين الطرفين
فالحكومة العراقية غير مرتاحة – على ما يبدو – لاستقرار الأمور في كردستان العراق، ولها أجندات على الأغلب خارجية تريد أن تمررها على القيادات الكردستانية اليقظة والتي استفادت من عبر ودروس التاريخ، ومن العسير الوقوع في المطبات ذاتها، وتتهم الحكومة الكرد بأنهم قد تجاوزوا الخطوط الحمر عبر العديد من المواقف التي يراها الكرد  تدخل في صالح شعبهم، وكذلك في صالح العراق ككل بينما يراها الطرف الآخر تمادياً واستغلالاً لوضع العراق الحالي مثل الأزمة التي حدثت مع رئيس البرلمان العراقي السابق محمود المشهداني الذي صرح بعدم اعترافه بالعقود المبرمة بين حكومة كردستان العراق والشركات الأجنبية للتنقيب عن البترول.


 واليوم يدخل في امتحان العلاقة بين الحكومة المركزية في بغداد وحكومة كردستان شأن آخر قديم ومستجد، ويصب في إطار تصريح الحكومة الكردستانية بأحقيتها في التنقيب عن النفط وإبرام عقود التنقيب مع شركات أجنبية دون الرجوع للمركز، وبين حكومة بغداد التي ترى أن أي عقد لم يتم في مبنى وزارة النفط العراقية في بغداد يعتبر باطلاً جملة وتفصيلاًَ.
وازداد التصعيد الأخير من جهة تعميق الهوة والخلافات بعد أن وقعت حكومة إقليم كردستان عقداً مع شركة RWE الألمانية لنقل غاز الإقليم إلى أوروبا عبر أنبوب “نابوكو ”  رفضت وزارة النفط العراقية بشكل حازم الاتفاق، وأوضحت أنها الوزارة التابعة للحكومة المركزية في بغداد، وهي الجهة الوحيدة المخولة  بإجراء تعاقدات مماثلة مع شركات ودول.


وقال بيان الوزارة أن” لا قيمة لأي تعهدات تقدم من غير وزارة النفط لتصدير الغاز عبر خط أنابيب نابوكو” في تطور تصعيدي بملف التصرف بالثروات الطبيعية الذي يشكل نقطة خلافية بين كردستان وبغداد”
 وكانت شركة RWE الألمانية لخدمات الطاقة والغاز قد أعلنت الجمعة أنها وقعت اتفاقية مع حكومة إقليم كردستان العراق، تتضمن مساعدتها على تطوير وتصميم البنية التحتية الخاصة بنقل وتصدير الغاز، إلى جانب البحث في طرق تصدير الغاز من الإقليم إلى تركيا وأوروبا عبر أنبوب نابوكو.
وإذا تطور الأمر مما تبدى  يمكن أن يأخذ منحى آخر في هذا التوقيت بالذات حيث يلعب الكرد دوراً واضحاً في تقزيم الخلافات بين الكتل السياسية العراقية، وبدوره يستجيب أوباما لبرنامجه الانتخابي ووعوده مع منتخبيه بالانسحاب العراق في الوقت المحدد، وهذا ما يفعله حالياًـ وتعاظم الخوف من حدوث فراغ أمني عقب الانسحاب في ظل عدم تمكن التيارات السياسية العراقية إلى الآن من تشكيل حكومة رغم مضي ستة أشهر على إجراء الانتخابات بسبب تنافس قائمتي وعلاوي على أكل كعكة رئاسة الوزراء، ويستمر هذا التحارب والتجاذب في ظل تعاظم شأن القاعدة بعد أن تلقت ضربات قوية في السنة الأخيرة على يد القوات الحكومية وتنظيمات عسكرية محلية تابعة للعشائر العراقية هي عناصر الصحوة العراقية التي تم اتخاذ قرار سابق بتجميد نشاطاتها العسكرية واللوجستية وبالتالي وقف الإمداد المادي عنها من جهة الحكومة الأمريكية والحكومة العراقية، وبالتالي تعريض قياداتها للتصفية من عناصر القاعدة وغيرها وجعل ظهرها مكشوفاً” للأعداء”
 ومن جانب آخر هناك مخاوف لتدخلات إقليمية، وخاصة من جانب إيران غير المرتاحة من مشروع إياد علاوي، ولا من تنصيبه رئيساً للوزراء، ورغبتها في إعادة تنصيب المالكي رئيساً للوزراء لضمان الولاء الشيعي لها في الفترة المقبلة.

كل هذه الاستحقاقات يضع الكرد في دائرة الخطر إذا لم يقرؤوا واقع السياسة داخل العراق وفي جوارها بشكل هادئ وجيد، وجميع المكتسبات التي اكتسبوها تصبح مهددة إذا افتقدت الحكومة الكردستانية إلى بوصلة الحكمة والتعقل، وعليها – والحالة هذه- الاستفادة من أشباه الفرص في سبيل تأكيد أحقية الشعب الكردي في الخيرات التي تنبع من أرضه باعتباره شريكاً أساسياً وهاماً لحكومة المركز.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

بوتان زيباري   في خضم هذا العصر المضطرب، حيث تتداخل الخطوط بين السيادة والخضوع، وبين الاستقلال والتبعية، تطفو على السطح أسئلة وجودية تُقلب موازين السياسة وتكشف عن تناقضاتها. فهل يمكن لدولة أن تحافظ على قرارها السيادي بين فكي كماشة القوى العظمى؟ وهل تُصنع القرارات في العواصم الصاعدة أم تُفرض من مراكز النفوذ العالمية؟ هذه التساؤلات ليست مجرد تنظير فلسفي،…

د. محمود عباس   لا يزال بعض الكتّاب العنصريين، ولا سيما أولئك الذين يختبئون خلف أسماء مستعارة، يتسكّعون في فضاءات بعض المواقع العربية، لا ليُغنوا النقاش ولا ليُثروا الحوار، بل ليُفسدوه بسموم مأجورة، تعيد إنتاج خطابٍ مريض يستهدف الكورد، هويتهم، وقضيتهم، بلهجةٍ مشبعة بروح بعثية أو طورانية حينًا، وبخطابٍ ديني شوفيني متكلّس حينًا آخر. هؤلاء لا يهاجمون فكرًا ولا يناقشون…

علي شمدين مع سماعنا للتصريحات الإيجابية التي أدلت بها، بعد انتظار طويل، رئاسة المجلس الوطني الكردي في سوريا، بات الطريق مفتوحاً أمام انعقاد المؤتمر الكردي في سوريا، الذي سوف تشارك فيه أوسع قاعدة جماهيرية، وينبثق عنه موقف كردي موحد ووفد مشترك يمثل مختلف أطراف الحركة الكردية في سوريا. لا نريد العودة إلى أسباب هذا التأخير والتي كادت أن تفوت هذه…

.. المحامي عبدالرحمن محمد   إلى السيدة.. إلهام أحمد، مسؤول العلاقات الخارجية.. وإلى كل مسؤول وقيادي حزبي كوردي في المجلس الوطني الكوردي: يرجى عدم طرح وتداول المفاهيم والمصطلحات الخاطئة في الرؤية السياسية الكوردية المرتقبة، كونها لها نتائج سلبية كارثية وخطيرة على حق تقرير المصير للشعب الكوردي في المستقبل، وللأجيال القادمة. من الناحية القانونية والسياسية والحقوقية، حسب القانون الدولي وميثاق الأمم…