جان كورد (*)
31.08.2006
الحركة الوطنية الكوردية في غرب كوردستان حركة سياسية منظمة على شكل أحزاب ومنظمات ذات مناهج وبرامج محددة الأهداف والمطالب، وتناضل منذ نصف قرن أو أكثر من أجل تحقيق هذه الأهداف بأساليب نضالية في حدود الممكن العملي، لا تحيد عنها ولا تخرج عن نطاقها المثبت في تلك البرامج والمناهج.
وعلى الرغم من الاختلاف في بعض الجوانب بين هذه الأحزاب والمنظمات المنشقة في غالبيتها عن بعضها بعضا لأسباب تنظيمية وشخصية وفكرية إلى حد ما، إلا أن هناك سمات مشتركة لهذه التشكيلات العديدة نستطيع لمسها وتحديدها في نقاط معينة، بحيث يمكن القول بعد ذلك بأن للحركة الوطنية الكوردية – السورية سمات خاصة تتميز بها عن فصائل حركة التحرر الوطني الكوردستاني في الأجزاء الأخرى من كوردستان المجزأة.
من هذه السمات:
– أنها حركة سياسية بكل معنى الكلمة، فهي ليست مبنية على أساس الطائفة أو المذهب أو العقيدة أو الآيديولوجيا الفكرية، وانما على أساس النضال السياسي من أجل احقاق الحق القومي العادل للشعب الكوردي الذي يشكل قومية أساسية ضمن إطار دولة سورية ديموقراطية وموحدة.
وحقيقة فإن منتسبي هذه الحركة كانوا في الماضي ولا يزالون في الحاضر من مختلف الطوائف والمذاهب والعقائد والأفكار، إلا أن الأحزاب الكوردية كانت تؤكد وتركز دائما على الانتماء القومي الكوردي، ولكن هذا لم يمنع انتساب بعض غير الأكراد إليها، وبخاصة من الساكنين بين الكورد، أو الذين أمهاتهم من غير الكورد.
ولايخفى أنه لم يتم التحديد حتى يومنا هذا: من هو الكوردي؟ وقد تطرقت إلى هذا الموضوع من قبل، ولامجال لخوض هذا البحر هنا.
– أنها حركة ديموقراطية من حيث التوجه والمبادىء النظرية، وتؤمن بالتعددية، على الرغم من اعتمادها حتى الآن على مبدأ “الديموقراطية- المركزية” الشيوعي في أعمالها.
إلا أنها بسبب الأجواء غير الديموقراطية التي تعيشها البلاد في ظل البعث الحاكم منذ ستينات القرن الماضي لا تمارس الديموقراطية بثوابتها المعروفة في المجتمعات العريقة في الديموقراطية، وتلعب شخصية “الزعيم” دورا هاما في هذه الحركة، حيث أنه “رئيس الحزب” أو “الأمين العام” الذي قد يبقى في منصبه طوال حياته أو لعدة عقود من الزمن، إذا سنحت له الفرصة، ولنا أمثلة رائعة في هذا المجال لا تقل مأساة عن مثال الزعيم الشيوعي السوري خالد بكداش، وفي مقدمتها مثال الأستاذ عبد الحميد حاج درويش – أمد الله في عمره – … وقد يكون الزعيم من خارج كوردستان سوريا، ومثالنا على ذلك ما تلعبه شخصية الزعيم العمالي عبد الله أوجلان في حياة بعض التنظيمات الكوردية “السورية!”.
ومع ذلك لا يمكن وصف الحركة الكوردية رغم العديد من الممارسات اللاديموقراطية لقياداتها بأنها “معادية للديموقراطية” أو “إرهابية” أو”دكتاتورية… فكل هذه الصفات ليست من سمات الحركة القومية الكوردية في سوريا ولا تنطبق عليها البتة.
بل نرى بعض فصائلها – وللحقيقة – أكثر انفتاحا وديموقراطية من بعض المواقع الالكترونية في أوروبا، تلك التي تتباهى بأنها تدافع عن الحرية والديموقراطية بين الشعب الكوردي…
– أنها حركة سلمية ترفض العنف والإرهاب والقسر والإكراه.
وهذا ما منحها القوة في الاستمرارية في مجتمع قائم على استبداد القوي بالضعيف استبدادا شرسا وفي دولة قائمة على استخدام شتى أنواع القمع ضد الشعب، وتنعدم فيها الحريات وفرص تطوير الذات.
وهذا الاتجاه السلمي أنقذ الحركة من ورطتين كبيرتين ومأزقين خطيرين، الحرب الشرسة بين النظام البعثي الحاكم والتيار الإسلامي في بداية الثمانينات من القرن الماضي، وتفادي اصطدامها بحزب العمال الكوردستاني بعد ذلك بعقد من الزمن، على الرغم من أن الحركة قد وجهت مرارا تهم اغتيال كوادرها ومؤيديها إلى هذا الحزب الذي كان يتمتع بدعم النظام الحاكم وكان يتصرف في كوردستان سوريا وكأنه رب البيت الذي لايقبل أي اعتراض على سيادته المطلقة.
إلا أن هذا التفكير السلمي البحت قد خلق شرخا بين قيادات الحركة وبين الجماهير الكوردية أثناء وبعد انتفاضة آذار المباركة عام 2004، حيث رفضت هذه القيادات تسلم دورها اللائق بها في تلك الانتفاضة الشعبية ولم تقم بتوجيه الجماهير، بل طبقت مقولة “إذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون!” ، وعلى العكس من ذلك فإنها سارعت في التعامل مع أجهزة النظام المختلفة عن “حسن نية!” وتأكيدا لوطنيتها السورية لاخماد ما أسمته ب”الفتنة!”… وأثر هذا فيما بعد سلبا في مصداقية العديد من القيادات الكوردية ومدى قدرتها على إدارة الأزمات وعمق توغل تنظيماتها بين الجماهير حقيقة.
– أنها حركة وطنية على الرغم من أن تيارين قويين يعصفان بها، تيار قومي كوردستاني يبرر توجهاته على أساس أن لكل قومية الحق التام شرعيا ودوليا في الحرية والوحدة والتواصل والتعاون بين أبناء القوم الواحد في كل المجالات … وتيار وطني سوري يحاول اقناع الآخرين بأن الواقعية السياسية والحياة اليومية تفرضان على الكوردي السوري التنازل عن طموحه القومي المشروع لصالح تعايش مختلف مكونات الشعب السوري الاثنية والدينية والاجتماعية.
وعلى الرغم من اشتداد الصراع بين التيارين حتى ضمن التنظيم الواحد، بل القيادة الواحدة، وتنعكس آثاره على مجمل العلاقات والمؤتمرات والممارسات لهذا الحزب أو ذاك، إلا أن هناك محاولات مستمرة للتوفيق بين التيارين وتفادي التصادم بينهما.
وسيساهم قيام “مرجعية سياسية” كوردية في تقريب وجهات النظر بالتأكيد…
إن انخراط آلاف الشباب الكورد السوريين على مرأى ومسمع الأجهزة الأمنية السورية في صفوف حزب العمال الكوردستاني أثناء حربه مع الحكومة التركية، والعلاقات القوية بين العديد من الأحزاب الكوردية “السورية” بقيادات الحركة الكوردستانية في كوردستان العراق، تظهران بجلاء مدى تأثير الاتجاه الكوردستاني في الحركة القومية الكوردية السورية…
والغريب أن بعض الأحزاب التي تركز بقوة على “سورية” الحركة الكوردية، هي التي لها تتباهى أكثر بعلاقاتها الحميمة بالمحيط الكوردستاني، والأحزاب التي تصر على “كوردستانية” الحركة الكوردية السورية تركز بشدة على “استقلالية” الحركة وضرورة قيام “تحالف ديموقراطي سوري” قوي بين الحركة والمعارضة الديموقراطية السورية… وحقيقة فإن تهم الانفصالية والانعزالية والتقوقع المحلي أو القومي الموجهة من بعض المغرضين وعملاء النظام إلى صدر الحركة الوطنية الكوردية باطلة، فكلا التيارين المتصارعين في الحركة الكوردية يؤكدان على وحدة التراب السوري والدولة الموحدة والمجتمع السوري المتماسك….
الحركة الوطنية الكوردية، رغم انشقاقاتها وتفرعاتها وقلة حيلتها أمام بطش النظام وسياسة التعريب المتخلفة عن ركب الحضارة الإنسانية وسياسة “العصا والجزرة” التي يمارسها البعث معها، تشكل بمجملها لبنة أساسية من البناء الديموقراطي السوري الكبير الذي يزداد قوة ومتانة في وجه النظام الاستبدادي البعثي الذي اقتنع المجتمعان الدولي والعربي اليوم بأنه لم يعد للابقاء عليه في حكم البلاد السورية أي مبرر، إضافة إلى انحيازه التام إلى معسكر اثارة القلاقل والمشاكل التي لاتتخدم قضية الحرية والديموقراطية والسلام في المنطقة.
——————————
(*) عضو بارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا وعضو نادي القلم