حزب العمال الكردستاني يمنح الحل السلمي فرصة جديدة

زيور العمر

الإعلان الجديد من طرف واحد عن وقف إطلاق النار من قبل حزب العمال الكردستاني لم يكن مفاجئا للمراقبين بعد أن سجل الحزب في العامين المنصرين نقاطا مهمة في مواجهاته السياسية و العسكرية مع الدولة التركية التي ما تزال مراكزها الرسمية في الحكومة و الجيش تصر على النهج العسكري التصفوي في التعامل مع الشعب الكردي و حركته التحررية .

فالإنتكاسات و الإنكسارات المتتالية لم توفر أرضية الحل السلمي لدى الجانب التركي, رغم حالة الإستياء المتزايد في أوساط الرأي العام و النخب الثقافية و الإجتماعية في تركيا , من إستمرار المواجهات العسكرية و نتائجها الباهطة على السلم الإجتماعي الوطني و على إستقرار و نمو الإقتصاد في البلاد.
تجربة العامين المنصرمين عززت القناعة في ان إنتصارات العمال الكردستاني دفعته الى إتخاذ قرارات و مواقف مهمة وصائبة في صراعه مع الدولة التركية , منها ان اتخاذ خطوة من موقع القوة في إتجاه الدولة التركية من أجل منح الحل السلمي للقضية الكردية فرصة حقيقية , أسلم و أصلح من إتخاذ نفس الخطوة من موقع الضعف , و أن إصرار الدولة التركية و لا سيما حكومة العدالة و التنمية على الحسم العسكري و النهج التصفوي بحق الشعب الكردي و حركته التحررية القومية الديمقراطية لا يبرره إلا حالة الضعف و عدم الإتزان , خاصة بعد العمليات العسكرية النوعية من قبل المقاتلين الكرد ضد الأهداف العسكرية التركية و في مواقع إعتبرتها الأوساط الخبيرة تطورا نوعيا و خطيرا في الصراع الدائر و المستمر منذ أكثر من ثلاث عقود بين الجانبين.
و رغم تركيز وسائل الإعلام على الجانب الوقتي الزمني لقرار إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد من قبل حزب العمال الكردستاني و إحتمال ممارسة ضغوط من قبل جهات معينة على الحزب لإتخاذ قراره الأخير, إلا أن مصدر مقرب من مراكز القرار في الحزب أشار الى مناقشات و حوارات مهمة في الأيام الماضية في قيادة الحزب, و كانت نتيجة تلك النقاشات ضرورة القيام بمبادرة سلمية تتزامن مع إحتفالات الحزب بالذكرى السنوية لانطلاق الكفاح المسلح في 15 آب 1984 , و حلول شهر رمضان الكريم بما يحمله من معاني الخير و الأمن و السلام.

المبادرة السلمية مع ذلك و بالرغم من كل ما سبق مرتبط بتطور المشهد الداخلي التركي , إثر قيام الجماعات المحسوبة على الحركة القومية العنصرية في تركيا المواطنين الكرد و ممتلكاتهم و مراكز أنشطتهم السياسية و الإجتماعية و الثقافية , ردا على الدعوات المتزايدة من قبل الساسة و الشخصيات المؤثرة في الجمهور الكردي بالدعوة الى منح الشعب الكردي في تركيا حق الإدارة الديمقراطية الموسعة الذي يضمن للشعب الكردي حقه في إدارة شؤونه الثقافية والإجتماعية و المدنية و الخدمية بنفسه في إطار دولة يتشارك فيه جميع عناصر و مفردات مجتمعه بشكل متساوي في الحقوق و الواجبات.
لذلك يمكن إعتبار الإعلان الأخير لوقف إطلاق النار أحادي الجانب من قبل الحزب العمال الكردستاني على أنه يأتي في إطار و سياق النهج السلمي الذي يرى فيه الكرد السبيل الوحيد لحل القضية الكردية رغم تعنت الحكومة و الجيش وإصرارهما على إنتهاج الإسلوب العسكري.

و ما العمليات العسكرية الناجحة والضربات القوية و الخاطفة , إلا إحدى الوسائل السياسية و النفسية التي يحرص الحزب على ممارستها من أجل تقوية الموقف الكردي من جهة , والتاثير على الرأي العام التركي الغاضب و المستاء من سياسات الحكومة التركية من جهة أخرى , من منطلق أن الحرب ليست إلا السياسة بوسائل أخرى.
لا شك أن مبادرة الحزب من أجل منح السلام فرصة جديدة في تركيا ستلقى أرتياحا واسعا في أوساط الرأي العام و لدى النخب السياسية و الثقافية الداعية للسلام و التآخي بين الشعبين , التي سترى فيها فرصة جديدة أمام الحكومة التركية للإستفادة منها و بناء موقف إيجابي عليه , و هي إن دلت على شئ , فإنما تدل على نفاد الصبر من كل المحاولات و المساعي الداعية في تركيا لتصعيد الموقف و تحميل إرث العلاقة بين الشعبين الكردي و التركي بمزيد من المآسي و المواجع .

14/08/2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

خالد بهلوي تحت شعار “وقف العنف والتهجير – العيش المشترك بسلام”، وبمبادرة من مجموعة نشطاء من الشابات والشباب الغيورين، شهدت مدينة إيسين الألمانية يوم 21 ديسمبر 2024 وقفة احتجاجية بارزة للتعبير عن رفض الاحتلال التركي والتهديدات والانتهاكات التي يتعرض لها الشعب الكردي المسالم. الحضور والمشاركة: حضر الفعالية أكثر من مائه شخصً من الأخوات والإخوة الكرد والألمان، إلى…

د. محمود عباس ستكثّف الولايات المتحدة وجودها العسكري في سوريا وستواصل دعمها لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) والإدارة الذاتية. تدرك تركيا هذه المعادلة جيدًا، وتعلم أن أي إدارة أمريكية قادمة، حتى وإن كانت بقيادة دونالد ترامب، لن تتخلى عن الكورد، لذلك، جاء تصريح أردوغان بعد عودته من مصر، ووزير خارجيته من دمشق اليوم كجزء من مناورة سياسية تهدف إلى تضليل الرأي…

شادي حاجي المرء لا يذهب إلى طاولة المفاوضات وهو خالي الوفاض وإنما يذهب وهو متمكن وقادر والمفاوض يكشف أوراقه تدريجياً تبعاً لسير العملية التفاوضية فعند كل منعطف صعب وشاق يقدم المفاوض بطريقة أو بأخرى معلومة ولو صغيرة حول قدراته على إيقاع الأذى بالطرف الآخر من أجل أن يكون مقنعاً فعليه أن يسأل عن مقومات الندية والتي تتركز على مسألة القوة…

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…