الكرد في سوريا بين تصريحات رئيس الجمهورية وممارسات الأجهزة الأمنية

  افتتاحية نشرة يكيتي *

الرئيس الأسد لوسائل إعلام تركية : الاثنين19 يوليو 2010 حول سبل حل المشكلة الكردية في تركيا، قال الرئيس الأسد “إن مكافحة الإرهاب لا تكون فقط بالوسائل العسكرية، إذ بدلا من الواحد، يخرج عشرة بل يخرج ألف، لذا لا بد من تناول الإرهاب كظاهرة اجتماعية، وقطع الطرق المؤدية إليه، واتخاذ تدابير سياسية واجتماعية أيضاً”.

وأضاف “إننا نرى مع تركيا أن [الأكراد] هم جزء من مجتمعاتنا.

هم ليسوا ضيوفاً مؤقتين ولا سائحين، لكن في الوقت ذاته لا نريد من الغرب أن يستخدم [الأكراد] ضدنا”.

وتابع “إن الأعمال الإرهابية في تركيا قد تضاعفت بعد الاعتداء (الإسرائيلي) على أسطول الحرية.

ومن تجربتنا مع [الأكراد] في سوريا نرى أنهم أناس وطنيون.

نحن لا ننظر إلى الجوانب السلبية بل الإيجابية.

وإذا طوّرنا علاقاتنا مع هؤلاء الناس الذين ساهموا في تأسيس بلداننا فيمكن حينها أن نحاصر الإرهاب”.

واعتبر الرئيس الأسد انه «في حال إلقاء حزب العمال الكردستاني السلاح وتحوّله إلى حزب سياسي فسيكون تطوراً إيجابياً.

وفي حال انتفاء السلاح والإرهاب فيمكن لكل بلدان المنطقة، بما فيها تركيا، أن تقيم حواراً معه.

وفي حال تركه السلاح فنحن مستعدون لاستقبال 1500 من عناصره من أصل سوري”.

وقال “إن [الأكراد] أصحاب خصوصية في هذه المنطقة.

هل ينفصلون عن العراق أم يساهمون في وحدته؟ البعض يتحدث عن الفيدرالية، وهناك نماذج كثيرة في العالم، لكننا نحن ضد الفيدرالية القائمة على أساس إتني.

هل يمكن تأسيس بنية فيدرالية في العراق تتجاوز الحدود الاتنية والمذهبية؟ أنا لا أرى مثل هذا الاحتمال”.

موقع عكس السير
 (إن الكرد من أقدم شعوب المنطقة، فهم أقدم من الآراميين والعرب، أما الأتراك فلم يمض على وجودهم أكثر من ثمانية قرون) – الباحث هادي العلوي- وعليه فان إقرار السيد رئيس الجمهورية بوجود الكرد التاريخي واعترافه بمساهمتهم في تأسيس (بلداننا) يعتبر انعطافة تاريخية مقارنة بالرؤى العنصرية التي طالما طالبت بإذابة الكرد في البوتقة العربية وعدم ذكر اسمهم نهائيا في وسائل الإعلام، ولكن في الوقت ذاته فان هذا الإقرار المتأخر يدل على بؤس السياسة السورية، حيث أن الواقع الجغرافي والتاريخي لا يقبل التأويل ولا يخضع للسياسة لدى الأنظمة التي تتجه لمواكبة العصر.
 إن هذا الاعتراف النظري جاء متأخرا جدا في سوريا, لأن السياسات والممارسات العنصرية والشوفينية المستمرة منذ عقود قد فعلت فعلها المدمر في توسيع التصدعات والجروح في جسد الوحدة الوطنية, ويعلم شارعها السياسي بأن إحصائيات الأجهزة الأمنية تشير إلى أن نسبة الكرد في سوريا تبلغ أكثر من ذلك بكثير من مجموع سكان البلاد، منها 15% يقيمون في المنطقة الكردية في البلاد ويتكلمون لغتهم الأم، أما الباقون فيقيمون في المنطقة العربية في سوريا وفقدوا لغتهم الأم, لكنهم ما زالوا يتمتعون بالشعور القومي الكردي.
إن إيجاد الحلول النظرية للقضايا الوطنية الهامة كالقضية الكردية في سوريا يجب إن يتم عبر الحوار مع أصحاب القضية, وإشراك جميع ممثلي الشعب السوري، وليس في إطار تقوية العلاقات الدبلوماسية والسياسية مع الدول أو الهيئات كما هي عليه في حالة العلاقات السورية التركية, والاعتراف بالقضايا الكبرى يجب أن يستند إلى الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الإنسان, إضافة إلى المصلحة الوطنية العليا, وليس إلى مستوى العلاقة بين الدول أو الزعماء.

وبناء على ما تقدم فإن الشعب الكردي في سوريا ينتظر من رئيس البلاد ليس فقط الاعتراف بوجوده التاريخي بل الاعتراف بقضيته كقضية وطنية بحاجة إلى حل عادل يزيل الاضطهاد عن كاهله ويوقف سياسة التمييز العنصري المطبقة بحقه ويعترف بحقوقه القومية.
إن قول السيد رئيس الجمهورية بأن على الغرب ألا يستخدم الكرد ضدنا هو إقرار ضمني بأن السلطة السورية تطبق بحق الكرد من التمييز العنصري ما قد يدفعهم للاستقواء بالخارج، مما يفيد بأنه لازال هناك تشكك في وطنية الكرد واعتبارهم رجال تحت الطلب أمام الغرب، ما لا ينسجم مع قوله بأن الكرد أناس وطنيون، وإلا فلماذا لا يخشى سيادته من أن يستميل الغرب العرب لجانبه وهنا يستشف من كلامه هذا بأن الكرد هم الأقرب إلى الارتباط بالخارج و”التآمر” على أمن البلاد بحكم ما يتعرضون له من اضطهاد، حيث لم يخصص في قوله فئة معينة من الكرد، فهو لم يقل على الغرب أن لا يستخدم ضعاف النفوس من الكرد إنما شمل في قوله كل الكرد، لأنه يعلم بأن الكرد كل الكرد يعانون من محاربتهم في لقمة عيشهم وحظر لغتهم وثقافتهم وأخيرا قوننة اضطهادهم والطعن في كرامتهم القومية على شكل قرارات استثنائية توحي إلى عدم إخلاصهم المزعوم للبلاد, ووجوب مراقبتهم من قبل النظام، وتسوّق هذه الاستثناءات العنصرية المقيتة على يد الدوائر الأمنية واستطالاتها في أوساط العامة من القوميات الأخرى لشحن النفوس بالكراهية والبغضاء في جميع محافظات البلاد، ذلك في سياق العمل الدؤوب لوضع العصي في عجلات قاطرة الوحدة الوطنية التي ستفضي إلى التغيير الديمقراطي جنة المضطهدين بفتح الهاء وجحيم المضطهدين بكسره.


إذا كان (الكرد أناس وطنيون) لماذا استمرار وتعميق كل هذه الإجراءات والتدابير العنصرية بحقهم وكيف للسيد الرئيس أن يطالب حزب العمال الكردستاني في تركيا بأن يتحول إلى حزب سياسي بدلا من العمل المسلح، ولا يسمح لكرده السوريين الذين قال عنهم : (ومن تجربتنا مع الكرد في سوريا نرى أنهم أناس وطنيون) لا يسمح لهم بالعمل السياسي، بل بين حين وآخر تستجوب الأجهزة الأمنية السورية قادة الكرد السوريين لتتلو عليهم قرارات حظر الأحزاب الكردية, وتعتقلهم بتهمة الانتماء إلى جمعيات سرية، وعليه لا نجد صلة لأقوال السيد الرئيس بأفعال السلطة السورية، ولا نعلم من هم الكرد الوطنيون الذين يتحدث عنهم سيادته، هل هم الملتزمون بلغتهم وثقافتهم القومية والملتفون حول أحزابهم الكردية التي تشكل جزءا هاما من الحركة الوطنية السورية، أم يقصد أولئك الكرد الذين يقولون نحن [أكراد العرب] ويتعاونون مع حزب البعث وجبهته الوطنية التقدمية وأجهزته الأمنية.

يبدو أنه ثمة من يطالبنا أن نكون روحانيين لا نأبه بالأشياء المحسوسة، فهل مطلوب منا الآن أن نكتفي بنشوة الأقوال دون أن نطالب باقترانها بالأفعال، أما بالنسبة للأقوال، فبعيد مجزرة قامشلي في آذار 2004، أدلى الرئيس بتصريحه التاريخي لفضائية الجزيرة عندما قال: (القومية الكردية جزء من النسيج الاجتماعي السوري ومن تاريخ سوريا)، وما أن أنهى سيادته تصريحه حتى بدأت السلطات بالتضييق على الكرد أكثر فأكثر، بدءاً بالمطالبة بحل حركتهم السياسية وانتهاء بالمرسوم 49 في عام 2008 القاضي بإيقاف الحياة الاقتصادية ثم السياسية للكرد، ورغم كل الإحباطات والخيبات التي ذقناها من الحكومات السورية على مدى عقود، فإننا نأمل أن تكون تصريحات السيد الرئيس للصحافة التركية فاتحة خير على شعبنا الكردي, وأن تجد طريقها إلى الممارسة، وتبدأ بإطلاق سراح قادة الأحزاب الكردية, وجميع المعتقلين السياسيين الكرد ووقف العمل بالمشاريع الاستثنائية وإلغائها, ودعوة الأحزاب الكردية إلى حوار جاد ومسؤول حول سبل حل القضية الكردية, لا أن تبقى حبيسة أرشيف الصحافة التركية، خاصة وإن وسائل الإعلام السورية الرسمية تكتمت على تصريحات رئيس البلاد، في الوقت الذي تنشر كل شيء متعلق بنشاط سيادته, مما يشير إلى وجود ازدواجية في الموقف الرسمي, وأن الممارسات والسياسات الرسمية تجاه الشعب الكردي وقضيته القومية على الأرض تسير بعكس هذه التصريحات, فهل مطلوب من وسائل الإعلام هذه هي الأخرى أن تمارس الاستثناء فيما يتعلق ما يتعلق بوضع الشعب الكردي.

 

* نشرة شهرية تصدرها اللجنة المركزية لحزب يكيتي الكردي في سوريا – العدد 183 تموز 2010 م  / 2622 K Tîrmeh

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…