أين يكمن الحل العادل للقضية الكردية ؟

  افتتاحية جريدة آزادي *
بقلم: رئيس التحرير

لقد ارتبط الشعب الكردي في سوريا بعموم مكونات المجتمع السوري القومية والدينية والسياسية ، وساهم بإخلاص في تعزيز حالة التعايش والتفاعل معها منذ أوائل القرن الماضي ومازال ، وتحديدا بعد رسم الحدود الدولية في المنطقة عبر اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 ، ونتج عن هذا التفاعل مزج حضاري عبر مراحل الكفاح المصيري سواء في عهد الاستقلال أوفي معارك الذود عن حماية الوطن ، وقد كان للمهام الوطنية المشتركة وللمحن والمآسي التي عانى منها الجميع دورها في إضفاء مسح من التآخي على العلاقات في مختلف القضايا الاجتماعية والسياسية والمعرفية
 وبقيت هذه المكونات السورية من عرب وكرد وسريان ..الخ متماسكة ، ونتج عنها “موزاييك ” متكامل يعبر عن وحدة وطنية في أرقى أشكالها ، وبقي الشعب الكردي وفياً لهذا التاريخ المشترك، ساهم في كل مرة ومن غير وجل على تجديد تلك الروابط والعلاقات وتصقلها عبر الزمن .

والحركة الكردية في سوريا ، امتازت ومنذ تأسيسها عام 1957 بالمنطلقات الوطنية والديمقراطية، النابعة من الأرضية السورية والتآخي والتآلف بين جميع تلك المكونات ، وربطت مصيرها بواقع  تطور البلاد ، وبقيت متميزة بأطروحاتها الموضوعية وأسلوب نضالها السلمي الديمقراطي ومرونة برامجها السياسية واتزانها ، وتجنبت الوقوع في شرك المنزلقات  المسيئة إلى الواقع والتاريخ والمصير المشترك ، رغم محاولات الأوساط الشوفينية ومساعيها المحمومة في الإيقاع بينها أو المساس بهذه العلاقات النبيلة ، واستطاعت حركتنا السياسية على الدوام ان تحافظ على نهجها واعتدالها وان تأخذ سبيلها  في التوفيق الدقيق بين أسلوب النضال السياسي المشروع من أجل الديمقراطية والمساواة وبين تحقيق الأماني القومية على أساس من تعزيز الروابط الوطنية والحفاظ على جوهر القضية الكردية في إطارها المادي التاريخي.

لكن ورغم كل ذلك بقي شعبنا الكردي في سورية محكوم عليه بالنـزعات الشوفينية الضيقة والسياسات التمييزية للأنظمة والحكومات المتعاقبة على دست السلطة في البلاد منذ عهد الاستقلال وحتى الآن ، ولم تكن تولي أي اهتمام بواقع الشعب الكردي ومعاناته، ولم تبادر إلى طرح مشاريع للحلول أو المعالجات حتى في حدها الأدنى لهذه القضية الهامة والحساسة في البلاد ، بل مارست بحقه سياسة التجاهل لواقع وجوده تارة ، وأخرى بالعمل ما في وسعها على ترجمة القوانين الاستثنائية والمشاريع العنصرية التي ورثتها من عهد الانفصال إلى التطبيق العملي ، كالإحصاء الاستثنائي الجائر لعام 1962 الذي تم بموجبه تجريد مالا يقل عن 120 ألف مواطن كردي من الجنسية السورية ليصبح عددهم اليوم أكثر من ثلاثمائة وخمسين ألفا ، وتطبيق مشروع الحزام العربي ، إضافة إلى الممارسات الشوفينية الأخرى التي لا تخدم سوى أعداء المجتمع السوري بأسره.

وما يؤسف له استمرار تلك السياسة ، مضيفا إليها الجديد مما تبتكره العقول الشوفينية في هذا الصدد من التعريب والتجويع بسد منافذ العمل في وجهه ، وتشريده ليكون عرضة للجهل والفقر المدقع ، وكذلك المرسوم رقم 49 لعام 2008 الذي شل الحركة الاقتصادية في المناطق المعنية ومنها المناطق الكردية ، والقرارات الظالمة بحرمان الفلاحين الكرد من مناطق ديرك (المالكية) في محافظة الحسكة ، وممارسة أسلوب القتل المتعمد والتنكيل به منذ آذار 1986 وحتى آذار 2004 وصولا إلى آذار 2008 ، فضلا عن سياسة فرض قبضة الأجهزة الأمنية على مقدرات البلاد وملاحقة السياسيين الوطنيين بمن فيهم سياسي شعبنا وحزبنا والزج بهم في السجون والمعتقلات وفرض الأحكام الجائرة عليهم ولسنين عديدة تلك الصادرة من محاكم استثنائية وبموجب قانون الطوارئ والأحكام العرفية ، كل ذلك إضافة إلى أقلام شوفينية جديدة ، بدأت تنشط باتجاه الإساءة إلى الواقع التاريخي للشعب الكردي واستبعاد وجود أية مشكلة كردية في سورية، والعمل ما في وسعها من أجل افتعال صراعات داخلية والحيلولة دون حصول وحدة وطنية شاملة تنشده الحركة الكردية والقوى الوطنية الأخرى.
هذا وبعد المتغيرات التي عصفت بالعالم ، وبعد حرب الخليج الثانية واختلال موازين القوى وتبدل العلاقات الدولية والإقليمية باتجاه التحولات الديمقراطية ومساندة حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، وكذلك مجمل العلاقات التي تكون في مجموعها بدايات لنظام عالمي جديد ، في هذا الوقت، نرى بل ينبغي أن يعمل الجميع  من أجل أن يواكب بلدنا ركب المرحلة ومتطلباتها وذلك بالانفتاح الديمقراطي على مجمل القوى والفعاليات السياسية والجماهيرية للاستفادة من طاقاتها وإمكاناتها الكامنة في خدمة تطور البلد وتقدمه ، والعمل من أجل حل قضاياها ومشاكلها ، تجاوزا بذلك كل العقليات والممارسات المتخلفة التي تحد من تفاعل مجتمعنا السوري وقواه السياسية مع المستجدات ومتطلبات المرحلة بكل عناوينها وسماتها ، بغية تحقيق نقلة نوعية تضع سوريا في مصاف الدول الديمقراطية والحضارية ..
وفي هذا السياق ، فقد غدا وجود الشعب الكردي في سوريا حقيقة واضحة لا يمكن تجاهلها ، واستطاع هذا الشعب متمثلا بحركته السياسية من تحقيق الهدف الأساسي بوجود قضية كردية لا يمكن تجاوزها بأي حال ، بل تقتضي حلا ديمقراطيا عادلا عبر حوار ديمقراطي بناء ومتكافئ مع قيادات حركته ، على أن تسبق هذا الحوار إجراءات ضرورية تؤكد جدية الأطراف المعنية في هذا الصدد وفي المقدمة منها : إطلاق الحريات الديمقراطية والإفراج عن المعتقلين السياسيين ، وإلغاء القوانين الاستثنائية عامة ، والمشاريع العنصرية بحق الشعب الكردي خاصة ، والاعتراف الدستوري بواقع وجوده كشعب شريك يعيش في الوطن إلى جانب أخيه الشعب العربي وكل المكونات القومية والدينية دون تمييز، ومن ثم البدء بحوار أخوي تكون المصلحة العليا لبلدنا عنوانه وأساسه المبدئي ..

* جـريدة صـادرة عـن مـكـتب الثقـافـة والإعـلام المـركـزي لحــزب آزادي الكــردي في ســوريا – العدد (423) تموز 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

اعتبر الزعيم الكوردي رئيس الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسعود بارزاني، يوم الجمعة، أن الارضية باتت مهيأة لإجراء عملية سلام شامل في منطقة الشرق الأوسط للقضية الكوردية. جاء ذلك في كلمة ألقاها خلال انطلاق أعمال منتدى (السلام والأمن في الشرق الأوسط – MEPS 2024) في الجامعة الأمريكية في دهوك. وقال بارزاني، في كلمته إنه “في اقليم كوردستان، جرت الانتخابات رغم التوقعات التي…

اكرم حسين في خطوة جديدة أثارت استياءً واسعاً في اوساط السكان ، تناقلت وسائل التواصل الاجتماعي قراراً منسوباً لهيئة الاقتصاد التابعة “للإدارة الذاتية” برفع سعر ربطة الخبز من 1500 ليرة سورية إلى 2000 ليرة سورية ، وقد جاء هذا القرار، في وقت يعاني فيه اهالي المنطقة من تهديدات تركية ، وضغوط اقتصادية ، وارتفاع غير مسبوق في تكاليف المعيشة….

عبدالله ىكدو مصطلح ” الخط الأحمر” غالبا ما كان – ولا يزال – يستخدم للتعبير عن الحدود المرسومة، من لدن الحكومات القمعية لتحذير مواطنيها السياسيين والحقوقيين والإعلاميين، وغيرهم من المعارضين السلميين، مما تراها تمادياً في التقريع ضد استبدادها، الحالة السورية مثالا. وهنا نجد كثيرين، من النخب وغيرهم، يتّجهون صوب المجالات غير التصّادمية مع السلطات القمعية المتسلطة، كمجال الأدب والفن أو…

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…