اني ادعو الاخ الكوردي الشيوعي، الى ان تكون مناقشتنا عمادها الفكر بالفكر، والحجة بالحجة، وان لا ندخل متاهة الاتهامات الشخصية الزائفة التي لافائدة ترجى منها، كما فعل من قبل، واتمنى منه ان يصحح لي خطأي ان كنت مخطئا، و ان يسمح لي بتصحيح خطـئه، او فليكف والى الابد عن مهاجمة جريدة كوردية رصينة، هي في النهاية صوت مهم لشريحة واسعة من ابناء القومية الثانية في البلاد.
وتأسيسا على ماسبق، ارجو ان يعلم من رمى “دنكى كورد” بحجارته السمجة، اني اعرف عن تاريخ وابرز محطات تطور الحزب الشيوعي ومواقف قادته آزاء القضية الكوردية اكثر من ان يتوقع، وهذا ليس للتباهي ابدا، حيث كانت نتيجة معرفية طبيعية حصلت عليها، بجمعي للعشرات من الكتب عن الموضوع، واولها مذكرات المؤسسين، الى جانب الوثائق الحزبية واغلبية خطابات خالد بكداش، وقراءة مؤلفات مناصري الحزب ومناؤيه على حد سواء، ولو شاء فانا على استعداد ـ وليعلم الكل ـ لان انتاقش معه حول الموضوع لسنوات ـ بالرغم من ضيق وقتي ـ فما عندي من الدلائل والمبررات فيما اذهب اليه من الآراءـ يتعدى المئات من الصفحات المثبتة علميا ومنهجيا، ويسعدني ان يستجير برفاقه في الجزيرة وغيرهم وحتى تكوين لجنة علياـ للرد علي اذا اغلقت الابواب في وجهه .
وبناء عليه، فان معلوماتي عن تاريخ الحزب تمتد الى يوم قيام “اسكندر الرياشي” باصدار جريدة “الصحفي التائه” في 28 ايلول 1922واعلانه انها جريدة “العمال والبؤساء”، وهي التي عدت خطوة بارزة على طريق ترسخ الافكار الشيوعية في المنطقة، الافكار التقدمية التي كانت بالاصل صدى لتأثيرات ثورة اكتوبر البلشفية ونشاطات موفدي الكومنترن “اختصار روسي لتعبير الاممية الشيوعية، اسسه ستالين سنة 1919″، وعلى رأسهم كل من، جوزيف برغر، الياهو تيبر، ونخمان ليتفنسكي ، الى جانب عوامل اخرى لايسع الوقت لشرحها جميعا.
وكانت البداية الحقيقية لظهور الحزب ـ حسب معلوماتي ـ هو اللقاء الذي جمع كل من فؤاد الشمالي(1894ــ 1939) ويوسف ابراهيم يزبك ، بعد عودة الأول الى لبنان، اثر ابعاده من مصر واستقراره في بلدة بكيفا، و عمله في احدى معامل التبغ، ومساهمته في تكوين نواة من الاشتراكيين حوله، تحولت فيما بعد الى حزب، وبتدخل من الحزب الشيوعي الفلسطيني، وان الاجتماع التاسيسي الأول للحزب، تم عقده في 24 تشرين الاول 1924 ، في حين يذكر الشيوعيون السوريون ان موعد الاجتماع التاسيسي الاول كان في 28 تشرين الاول 1924، لاستقرار رأي خالد بكداش حوله.
واشتد عود الحزب، عندما قرر احد قادة منظمة “سبارتوكس” الارمنية، هو ارتين مادويان، بعد إن قرأ في 29 نيسان 1925 في صحيفة “لاسيري” الفرنسية، دعوة من الحزب الشعب اللبناني للمشاركة في احتفال اول أيار، الانضمام الى الحزب مع رفاقه، كما عقد في بيروت بنيسان 1930 اجتماعه الموسع الثاني وحضره نحو 36 مندوبا، من سوريا شارك كل من ستراك هيكازون عن حلب، وناصر حدة عن “دمشق” ومندوبان عن النبك ويبرود، وانتخبت لجنة مركزية من فؤاد الشمالي امينا عاما، وارتين مادويان ونخمان ليتفنسكي وناصر حدة، نظمي الرفاعي، هيكازون بوياجيان، هاكوب ديريدروسيان، وتشكيل سكرتاريا للحزب كانت بمثابة المكتب السياسي من الشمالي، نخمان، ومادويان، و اول وثيقة برنامجية حزبية شيوعية صدرت في 7 تموز 1930 وكانت تحت عنوان ” لماذا يناضل الحزب الشيوعي السوري؟ غايته القصوى وشيء من بروغرامه”.
بعد تلك المقدمة الضرورية، يجب توضيح حقيقة ان بعض الشباب الكورد، هم الذين شكلوا اللبنة الاولى لمدرسة الحزب الشيوعي في سوريا، بالاستناد الى مصادر الحزب الرسمية، وعلى رأسها شهادات خالد بكداش نفسه، فمن المعروف ان الاخير و رفيقه فوزي الزعيم كانا كوردين على الأقل، اذا لم يكن من شبه المؤكد ان الاخرين الذين اشار اليهما بكداش على انه لايتذكر اسمهما في احدى المناسبات كانا كوردين ايضا، بدليل انهما كانا من الحي الكوردي وقريبين من بكداش، و كان احدهما عاملا كورديا، ومما يقوي هذا الطرح ، قول بكداش في مكان اخر ” وعندما اعتقلنا اعتقلوا تقريبا كل الحزب في دمشق، كان الحزب صغيرا دخلنا إلى السجن وكان الشيوعيون في الشام خمسة اشخاص، وفي سنة 1931 اصدرنا الوثيقة البرنامجية الأولى … وقمنا بتوزيع المناشير بيدي، وزعناها إنا وفوزي الزعيم والعامل احمد خضركي في الشام، وقمنا بتعليق الاعلام الحمراء في اماكن التجمعات”.
ومما يساند الرأي السابق، ما يورده عبدالله حنا احد مؤرخي الحزب الشيوعي، في اعتراف صريح بدور الكورد في الحزب بقوله” شاءت المصادفة ان يكون لعصبية حي الاكراد دور ايجابي في شد ازر الحزب الشيوعي المستضعف، ورفده باعداد من شباب الحي الاشداء ” ويذكر بخصوص اسماء هؤلاء الشباب كل من” خالد بكداش، رشاد عيسى، احمد زازا”، و من المهم الاشارة كذلك ، الى ان خالد بكداش ذكر في احدى صفحات مذكراته هذه الحقيقة واشار الى الدور ذلك الشاب الكوردي بالقول” كان لي صديق… سائق من اوائل الشيوعين في دمشق، أنا وهو وزعنا أول منشور اسمه احمد ظاظا من الحي الذي نسكن فيه”.
وفي دلالة واضحة من ابرز شخصيات الحزب التاريخيين، يشير بكداش الى حقيقة تحول “الحي الكوردي” الى بؤرة للافكار الشيوعية في العاصمة دمشق هو قوله ” بعد أول اعتقال لي سنة 1931، توسع الحزب و جاءنا مثقفون وعمال خصوصا من حي الأكراد”، وعلى حد تعبير الشيوعي القديم مصطفى امين ، فان الحي الكوردي بدمشق كان قد اصبح البؤرة التي تشع منه المبادىء الشيوعية في عموم سوريا من خلال قوله:” كنت ارغب في حضور محاضرة في حي الاكراد، بعد وصولنا بقليل امتلأت الكراسي بالحضور، بعدها تفاجأنا بشخص طويل ونحيل اسمر يطل علينا… اخبرت ان الخطيب اسمه خالد بكداش، وانه اصبح الامين العام الجديد للحزب الشيوعي، وقد جاء حديثا من موسكو”.
وبعد اعتناق مجموعة مميزة من الشباب الكوردي للمبادىء الماركسية في “الحي الكوردي” بدمشق، يمكننا القول ان منطقة عفرين اصبحت الموطن الثاني الذي استقرت فيها الافكار الشيوعية بين سكانها الكورد، بالنسبة الى الشعب الكوردي، ويبدو انه كانت للناحية المعيشية الحياتية دور بارز في انتشار الافكار الشيوعية هناك، خصوصا ان الحزب عرف كيفية استغلال الافكار القومية لصالحه بدليل قول احد الشيوعيين القدامى “كان من اللافت إن الافكار القومية والافكار الماركسية اختلطت في نفوس االمناضلين الاوائل في جبل الأكراد، وكان الطموح للتحرر القومي والتحرر الاجتماعي ممتزجان معا في التنظيمات الأولى للمنظمات الشيوعية والمنظمات القومية الكردية”.
بعد ذاك التاريخي الموجز، يصطدم المتتبع بحقيقة قاسية، وهي انه مقابل كل ذلك الدعم الكوردي اللامحدود للحزب، نجد توجها عاما على انكار فضلهم، مقابل اظهار المحاباة للعناصر الشيوعية العربية والارمنية، وهذا واضح وضوح الشمس في رابعة الضحى، ولايمكن لاي شيوعي ومهما كان سليم النية والطوية اغفالها، فعلى سبيل المثال ذكر بكداش في إحدى المناسبات “إن في بلادنا مثلا اخواننا الأرمن، فينبغي العمل لتوطيد اواصر الاخاء والتضامن الوطني بينهم وبين العرب، يجب إن يشعروا بانهم مواطنون متساوون مع اخوانهم العرب في جميع الحقوق، وعلينا إن نقول هنا بان حزبنا الشيوعي مثل دورا هاما في إقامة صلات التعاون والإخاء بين العرب والارمن، فقد تعرف رفاقنا الأرمن بواسطة حزبنا على الوجه الحقيقي للشعب العربي الذي حاولت دائما الدعايات الاستعمارية والمغرضة إن تشوهه امام الأرمن في سوريا ولبنان”.
و يغالي بكداش في اظهار حرصه على الاخوة الارمنية – العربية متناسيا إن الكورد كانوا اولى بمثل هذه الدعوات باعتبار كونه كورديا وان الحزب تألف في بداياته من الاعضاء الكورد بشكل لافت، حيث يقول “ونحن من جهتنا تعرفنا بواسطة رفاقنا الأرمن على تاريخ الشعب الارمني ونضاله الوطني التحريري الباسل طول عصور، وعلى ادبه وثقافته، فكان جو تفاهم صداقة عاد بالخير العميم على حركتنا الوطنية العامة … ومن واجبنا هنا إن نقول لكل الرأي العام العربي ” (للتفاصيل ينظر: الحزب الشيوعي السوري، خالد بكداش في مؤتمرات الحزب…، ص 36 ).
ومقابل كيل المديح المجاني والثناء غير المحدود على المشاركة الارمنية والعربية في تأسيس الحزب، يبدو إن قيادة الحزب لم تهتم بموضوع الكورد البته، ولم ترد عنهم في وثائقه إلا اشارات نادرة ، بل على العكس من ذلك نجد إن الحزب كان يتمسك بالطروحات العروبية اكثر من غيره من التنظيمات السورية السياسية المعروفة، ومما يستدل عليه في هذا الجانب، ما ورد في إحدى المؤتمرات الحزبية الأولى، ففي مؤتمر زحلة المنعقد في 1934 والذي دعا إليه الشيوعي اللبناني سليم خياطة، يجد المرء ان طروحات الحزب الشيوعي فاقت شعارات حزب البعث لاحقا عنصرية وعنجهية، حيث ورد : “وطننا العربي هو البلاد العربية ضمن الحدود التالية: جبال طوروس والبحر الأبيض المتوسط في الشمال، والمحيط العربي وجبال الحبشة وصعيد السودان والصحراء الكبرى في الجنوب، والمحيط الأطلسي والبحر الأبيض المتوسط عند سواحل الشام من الغرب، وجبال إيران وخليج البصرة من الشرق، هدف القضية العربية إيقاظ أمتنا وتنظيم عناصرها في دولة مستقلة متحدة متحضرة، كل عصبية إقليمية أو جنسية أو طائفية تنشأ في وطننا العربي هي قوى هدامة يجب القضاء عليها أو إذابتها في العصبية القومية الجامعة، لا يفصلنا عن إخواننا العرب دين أو مذهب، بل تتحد عقائدنا في خدمة قضيتنا ( ينظر: مجلة النهج، الماركسية في المشرق العربي، ربيع 2002، ص 73).
بالله فليقل لي احدهم، اذا كان الشيوعيون ينادون بمثل هذه الاهداف وهم لايزالون في طور الضعف والتأسيس، فعلما كنا نلوم ميشيل عفلق والبيطار ومن قبلهما الارسوزي، على افكارهم العنصرية المقيتة وهم الذين كانوا في يدهم السلطة ودائما كان حزبهم حزبا عروبيا بامتياز.
ولماذا قد يظن الشيوعي االكوردي ان حزبه يولي اهمية لمسألة الدفاع عن الاقليات.
ويمكن كذلك ملاحظة الرغبة الاكيدة في اظهار وجه الحزب المستند على الموروث العروبي وحده ، وتغليب الصبغة القومية على الفكر الشيوعي الاممي من خلال قراءة ما جاء في وثيقة الحزب الأولى، حيث يظهر سعي كتاب الوثيقة وهدفهم اظهار القومية الكوردية على انها من نسج الدوائر الاستعمارية الغربية حيث جاء فيها “والثورات الكردية في العراق، انها نتيجة مساعي عمال الاستعمار الانكليزي والافرنسي”، ويبدو الرغبة في تهميش والتقليل من الحجم العددي والدور الريادي للكورد في مناطقهم التاريخية من خلال وضع اسمهم في ذيل قائمة المكونات السورية بشكل لا لبس فيه، من تلك المكونات التي لا تقارن لا حجما ولا دورا واهمية بالكورد، حيث جاء في الوثيقة ” فللقضاء على الاستعمار يجب إن يسود الاخاء والتضامن بين جميع الشعوب المظلومة وايجاد جبهة متحدة بينها للنضال ضد الاستعمار، وان تتحد طبقة العمال العالمية التي هي العدو الأكبر للاستعمار ، وذلك للقضاء على الاستعمار وسحقه سحقا نهائيا، وللغاية المتقدمة يعمل الحزب الشيوعي: تحرير الجموع السورية العاملة بدون فرق بين الجنسيات والأديان ، من مسلمين ومسيحيين ودروز وعلويين وأرمن وتركمان وشركس وأكراد..” (ينظر: الحزب الشيوعي، للماذا يناضل، المصدر السابق، ص64ـ 65).
ويبدو توجه الحزب واضحا في تقمص منظومة الافكار القومية العروبية والاسترشاد بهديها، والادعاء بعد ذلك للبسطاء والمغرر بهم، ان الحزب هو حزب ماركسي طبقي، اممي لايهمه ان يتوجه لمكون وحيد بعينه، في الوقت الذي يلاحظ فيه تمجيده وتسبيحه بحمد العروبة، مقابل التشكيك بدور المكونات السورية الاخرى والايحاء انها من صنع الاستعمار الغربي، وكان من اللافت ما كتبه خالد بكداش في سنة 1935 بتوقيع رمزي في مجلة “ريفو ليوتسيوني فوستوك” السوفيتية، تحت عنوان “في سبيل صحافة عربية ثورية جماهيرية”، ومما جاء فيها ” من الضروري مقاومة سياسة الامبريالية التي تستخدم الاقليات القومية لاهدافها الخاصة ضد حركة العرب الوطنية التحررية والزراعية، بسياسة ثورية ينبغي ان تجذب جماهير الشغيلة لهذه الاقليات القومية الى معسكر الثورة” (ينظر: خالد بكداش، في سبيل صحافة عربية ثورية جماهيرية، مجلة دراسات اشتراكية، العدد (9)، السنة السابعة (36)، ص 181).
وهذا لايعني اني امقت العرب، لان من الطبيعي ان يدافع اي شخص في العالم عن آرئه وافكاره ومصالح ابناء شعبه، وبالتأكيد ينطبق هذا الامر على الاخوة العرب، غير انه من العجب العجاب امر بعض النخب الكوردية التي تخلت عن اصلها، وجاهرت بمعادة ابناء جلدتها، وعلى رأس هؤلاء عدد كبير من الكورد المستعربين، فما ان يخدع احدهم نفسه ويوهمها بفكرة الانتساب الى الاصل العربي المزيف، حتى تراه اشد الناس غيرة وحماسة وحتى اكثر من العرب انفسهم في التنظير لمبدأ الاصالة العربية، فها هو بكداش يصرح في الحفلة التكريمية التي أقيمت له في 22 تموز دمشق 1943 بما قلناه “ان عروبة الغد لن تكون كعروبة الأمس، هي الروح التي تعلم أن عروبة الغد لن تكون مستعمرة ولا ديكتاتورية ولا جاهلة، ولا بائسة، بل عروبة حرة مستقلة ديمقراطية، زاهرة باسمة، عمادها الشعب وروحها الشعب وكيانها الشعب، هو الوعي القومي الوطني الشعبي.
وليس من السهل إنكاره أو تجاهله أو السعي للوقوف في وجهه وطمسه وسحقه”.
ويظهر ان التنكر بكداش لاصله كانت مسألة منتهية بالنسبة اليه منذ البداية، بدليل قوله “عندما ذهبت إلى موسكو لاول مرة سنة 1934 وكان عمري 22 سنة سئولت : ما هي قوميتك فقلت إنا عربي إنا نشأت في وسط عربي تعلمت اللغة العربية ودرست في مكتب عنبر”.
واما بخصوص موقفه من آماني الشعب الكوردي، و إقامة دولة كوردية كاية امة حية، فموقف بكداش وكل قادة الحزب ليس باحسن من موقف اشد البعثيين تطرفا، وتنكرا لفضل الكورد على العرب في الكثير من المواقف، وكانوا يعللون بان الكورد يجب ان ينتظروا انتصار الاشتراكية في كل العالم حتى يحق لهم المطالبة بدولة مستقلة، وكأن القوميات الاخرى انتظرت الاشتراكية حتى انتصرت، ومن بعدها طالبت باستقلالها، ولماذا لم يقل هذا الكلام للدول العربية فلسطين او الجزائر مثلا، حيث يقول في إحدى المقابلات التي اجريت معه “لقد التقيت مع ممثلي القوميين الأكراد وقلت لهم الآن يجب الاكتفاء بالحكم الذاتي الحقيقي ضمن حدود الدولية وفي المستقبل حسب ما تتطور الأمور وعندما تنتصر الاشتراكية في المنطقة، يمكنكم إذا اتفقتم إن تؤلفوا في هذه المنطقة دولة كردستان (ينظر: عماد نداف، المصدر السابق، ص 89).
و اعتبر المقالة التي وردت في جريدة نضال الشعب، العدد(83) آواخر نيسان 1967، على الرغم من كل العيوب التي وردت فيها، احسن ما كتبه الحزب عن الكورد، والصادرة تحت عنوان ” قضيتا الإحصاء والحزام العربي في منطقة الجزيرة” ، حيث كانت مقالة خجولة و تدليسا وتشويها لبعض الوقائع ، فقد اوحت ضمن سياقها الى ان بعض الاخوة العرب والسريان قد نزعت عنهم جنسياتهم السورية ايضا، وذاك كلام عار عن الصحة، فقد جاء في مستهلها ” لقد اعيدت عملية إحصاء السكان في هذه المحافظة، وكانت النتيجة، احتفاظ الغالبية من العرب والاكراد بحقهم الطبيعي الموروث في مواطنية الجمهورية العربية السورية، بينما خسر الباقون هذا الحق، وجلهم من الأكراد والعرب والسريانيين، واصبحوا اجانب في وطنهم الام ويصل عددهم إلى حوالى 40 إلف مواطن”، و لم ينسى كاتب المقالة ان يضع اللوم فيما حصل على عاتق النشطاء الكورد والسلطة معا، اي ان الجلاد والضحية مذنبان على السوية نفسها، حيث اختتمت بـ ” إن الانطلاق الصحيح في معالجة قضية الإحصاء والحزام، هو الانطلاق الوطني أو الطبقي وليس التعصب القومي وهذا يفرض اتخاذ موقف العنف والتضيق ضد الرجعين والعملاء عربا واكرادا، والاعتماد على الفلاحين والعمال العرب والاكراد معا” .
و احسن وصف دقيق لموقف الحزب من مسألة القوميات ولموقف بكداش بالتحديد، هو ما ذكره القيادي الشيوعي “الكوردي الاصل” قدري جميل، من حيث لايدري، وفي ظنه انه كان بذلك يمدح الشيوعية، ولم يعلم انه اعتراف صريح له بان حزبه وقائده الكوردي ، انما هم محسوبون على الحركة العربية فقط، وانهم انسلخوا عن ابناء شعبهم، وبعبارة اخرى انهم كانوا قوميين عرب بامتياز ، ولكن بطرز مختلف عن البعثيين، الذين صرحوا دائما عن حقيقة مواقفهم العنصرية دون مواربة، بقوله: “لقد صاغ الحزب الشيوعي السوري مواقفه كجزء من حركة التحرر العربية على يد قائده التاريخي خالد بكداش الذي يعتبر بحق من اهم قادة ومنظري حركة التحرر الوطني العربية ” ينظر : د.
قدري جميل، مداخلة، مجلة الطليعة، السلسة الجديدة، (العدد35 – العدد الرابع)، (دمشق، 1999).
ص71).