حول تواطؤ الشيخ القرضاوي مع الحكومة التركية

  جان كورد‏، الثلاثاء‏، 13‏ تموز‏، 2010

لو أجرينا فحصنا لأسباب العناق الحار بين الشيخ القرضاوي الذي يتمتّع بسمعة عالية في العالم الإسلامي كرجل دين وعلم، وله دراسات عميقة في المجالات السياسية والفكرية وفي مجال الفتاوى الشرعية، وبين الحكومة التركية التي يترأسها السيد رجب طيّب أردوغان، الذي قال عنه شيخ الإسلاميين في تركيا،الأستاذ نجم الدين أربكان، بأنه بسياساته الحالية قد ابتعد عن الصراط المستقيم الذي كان يجمعهما، لوجدنا تلك الأسباب كامنة في:

– الفشل العربي الذريع في ايجاد قائد متفّق عليه، يملك طاقات سياسية هائلة وجرأة على اتخاذ المواقف وحركية دائبة، في الاتجاه الذي ترغب فيه الجماهير العربية، وبخاصة ذات الخلفية الدينية في نظراتها السياسية، وهي الغالبية العظمى في الشارع العربي المتأزم من مختلف النواحي، الاقتصادية والفكرية والسياسية والثقافية.
– الالتفات التركي الكبير صوب العالم العربي، وأسواقه الواسعة بشكل خاص، بتبنّي قضيته الأساسية “الفلسطينية”، بعد الفشل الذريع لحكومة أردوغان، رغم مسلسل إصلاحاته الدستورية، المطلوبة منه أوروبياً، في اقتحام بوابة الاتحاد الأوروبي “النادي المسيحي”، بتحريك حجرة شطرنج بذكاء، في محاولة ضغط غير مباشرعلى كل من اسرائيل والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، بهدف انتزاع الموافقة لدخولها هذا النادي الذي يعتبر ضرورياً للغاية من أجل انعاش وازدهار حقيقي للاقتصاد التركي…

– المواقف الدراماتيكة الشهيرة لحكومة السيد رجب طيب أردوغان حيال المسلمين في كوسوفو والبوسنة – هرسك، وتجاه الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003، من قبل، وبصدد قطاع غزّة الفلسطيني والحصار الذي فرضته عليه اسرائيل بهدف اضعاف نفوذ حركة “حماس” الإسلامية التي ترفض حتى الآن الاعتراف باسرائيل.


طبعاً، لايفرح الشيخ القرضاوي وحده لهذا الحراك التركي، في ظل زعامة وطنية جديدة، تزعم أنها تعمل على اعادة تركيا إلى مكانتها التي كانت عليها، أي إلى قيادة العالم الإسلامي، قبل قيام الجمهورية في عام 1923، فمعظم الإسلاميين الكبار لايقلّون فرحاً عن الشيخ القرضاوي، ولكن…
كتبنا مقالاً طويلاً من ثلاثة أجزاء قبل الآن حول “الدور التركي في الشرق الأوسط” وتم نشره في عدة مواقع انترنتية، ولايزال في موقعنا “بيام”، ولانريد العودة إلى ذلك الموضوع بالتفصيل ثانية، وللذين لهم رغبة في قراءتها أن يبحثوا عن الرابط التالي:
http://peyam.eu/Cankurd.html
ولذلك سنحاول فقط فضح الوهم الكبير للشيخ القرضاوي بطرح أسئلة تتعلّق بالموضوع، وابداء رأي في ما صرّح به مؤخراً في المؤتمر الثالث لاتحاد علماء المسلمين في اسطنبول بتاريخ في 25/6/2010، ونخص بالذكر من تصريحه ما يتعلّق بالشعب الكوردي، الذي جاء كتلميح بسيط من قبل الشيخ الجليل في جملة عابرة، حيث اعترف فقط بوجود “أكراد في تركيا” في مجال تذكيره بالزنكيين والأيوبيين، في حين أنه وقف بالتفصيل على قضية الشعب الفلسطيني، وهؤلاء “الأكراد!” يعانون من سياسات تركية أبشع بكثير من سياسات الاسرائيليين تجاه الشعب الفلسطيني، على حد قول العالم الاجتماعي التركي الشهير الدكتور اسماعيل بشكجي في مقابلة الاعلامي الكوردي (سيد خان كوريج) معه مؤخراً، والذي نشرنا ترجمتها الكوردية في موقعنا المذكور أعلاه.

فالكورد الذي يشكلّون ما يزيد عن 25 مليوناً من سكان تركيا لايعلون في نظر الشيخ إلى مستوى شعب ذي “حق تقرير مصير”، وانما هم مجرّد “أكراد” على وزن “أعراب”… وإنّ كان يعترف بوجودهم كقومية أو شعب، فالسؤال المحيّر هو: لماذا لايتحدّث الشيخ القرضاوي وأمثاله في هكذا مؤتمر عالمي عن هذا الشعب وقضيته التي اعترف الرئيس التركي “الإسلامي!” ذاته، السيد عبد الله غول، واعتبرها أهمّ مشكلة تعاني منها تركيا؟ في حين أن هذا الأنموذج من الإسلاميين لايتوقفون عن التأكيد على الآية الكريمة “إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم” (الحجرات – 10)، ولايتوقفون عن الدفاع عن قضايا شعوب مسلمة أخرى، وفي مقدمتها الشعب الفلسطيني؟ فهل الكورد خارج دائرة الأخوّة هذه الدينية هذه؟ أم أن ما تفعله بهم الحكومات الغاصبة لأرضهم “كوردستان” مطابق للشرع الرباني في العدل والانصاف؟ أم أن عدم التطرّق إلى هذه القضية الهامة في تركيا نابع عن عدم اهتمام إسلاميين كبار من طراز القرضاوي وغيره لكل ما هو كوردي، حتى أن منهم من سكت عن جريمة ابادة سكان مدينة حلبجة الكوردية في اقليم جنوب كوردستان بالغازات السامة على أيدي جيش البعث الصدامي في عام  1988 كما يسكت على الدوام عن جريمة الابادة الثقافية للشعب الكوردي في غرب كوردستان، وسياسة تشريده من موطنه الأصلي، وارهابه وتعريبه.


لايخفى أن هذا النمط من الاسلاميين الذين يعتبرون أنفسهم “معتدلين” و”عقلانيين” و”محبين للسلام” لم يقوموا، لا في الماضي ولا في الحاضر بأي خطوة من أجل اصلاح ما فسد بين الشعبين التركي والكوردي بسبب السياسات الطورانية العنصرية، وبذلك خالفوا الأمر الرباني الذي يدعوهم في صيغة الأمر “انما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم”، وانما على العكس فقد اتخذوا موقف التأييد للبطل الغازي رجب طيب أردوغان الذي لايختلف عن سابقيه من رؤساء الوزراء العلمانيين في اتهام الحركة الكوردية المسلّحة ب”الارهاب”… ويجدر بالذكر هنا أن الأخ العزيز الشيخ عمر غريب المختص بالشؤون الإٍسلامية والكوردستانية قد كتب ردّاً هاماً وجيداً، من وجهة نظر اسلامية، على تصريح الشيخ القرضاوي، بامكانكم العودة إليه في نشرتنا السياسية الدورية (بيام – العدد 93) باللغة العربية على هذا الرابط:
http://peyam.eu/Peyam/Peyam-93.pdf
الحكومة الأردوغانية لم تخرج أبداً عن نطاق الوجهة السياسية لحلف الناتو في كوسوفو والبوسنة – هرسك، وهذه الحكومة التي لاتزال تضع الزهور على قبر “عدو الإسلام رقم 1″، وأعني مصطفى كمال (أبو الأتراك)، لا تلغي أي مادة أساسية في دستور دولته العلمانية، وتعلن بين الحين والحين وفاءها للنظام الأتاتوركي بحرارة، ورغم أنها أعلنت عن موقف الرفض لعبور القوات الأمريكية أراضيها من خلال عرض الموضوع على البرلمان الذي يسيطر عليه حزب الثلاثي المرح (أردوغان – غول – داوود أغولو)، فهي الدولة الأكثر استفادة، من الغزو الأمريكي للعراق، من الناحية الاقتصادية، وهي التي فتحت الباب لشركاتها لانتزاع قطعة الحلوى الأكبر من العراق، فكيف تكون تركيا ضد الوجود الأمريكي في العراق، وهي التي تساعد هذا الوجود عبر نشاطاتها الاقتصادية الهائلة في هذا البلد، وبخاصة في شماله المعروف ب”كوردستان العراق”؟
أماّ بالنسبة إلى المواقف الدراماتيكية للسيد رجب طيب أردوغان تجاه “أهله في غزّة”، فلنسأل:
-هل ألغت تركيا اعترافها بالدولة الاسرائيلية في ظل حكومة الفاتح التركي الجديد أردوغان هذا؟
-هل خرجت تركيا بفضله من حلف الناتو الذي هو أكبر سند لبقاء اسرائيل على قيد الحياة؟
-هل ألغت تركيا الاتفاقات العسكرية والاقتصادية لها مع اسرائيل، وبخاصة تلك المتعلّقة بتدريب الطيارين الذين يقصفون “أهل أردوغان” في غزّة؟ كما يقصفون الشعب الكوردي في كوردستان…
يمكن الاجابة ب”كلا” واحدة على هذه الأسئلة، بل يجدر التذكير هنا بأن ذروة النظام الهجين (اسلامي – علماني) في تركيا تؤكّد باستمرار على “ضرورة!” الابقاء على علاقاتها العسكرية مستمرّة مع اسرائيل، التي يشتمها الشيخ القرضاوي وأمثاله في خطبهم النارية ويدعون عليها بالشر والزوال…
وبالنسبة للشعب الكوردي، فقد أعلن رفضه التام لتصريح الشيخ القرضاوي، على ألسنة مناضليه ومثقفيه وعلمائه الغيوريين والوطنيين، الذين لايستطيعون تقبّل مثل هذا الاهمال وهذه الاهانة لقضية شعبهم في مؤتمر هام كهذا، ولا يمكن لهم السكوت عن اتهام فصائل من حركتهم السياسية ب”الارهابيين” من قبل من يعتبرون أنفسهم أهل الذكر في العالم الإسلامي، ووقوفهم إلى جانب المعتدي الظالم التركي، الذي يستعين بخبرات أجنبية في قصف قرى وأرياف بلاده كوردستان…

ولذا أقول بأن مثل هذه التصريحات الارتجالية من عالم كبير مثل الشيخ القرضاوي، الذي كان الكورد يتوقّعون منه قول الحق دون وجل أو تملّق، وكان المفروض في هكذا مؤتمر أن يقول للظالم: “أنت ظالم!، حيث عقيدته التي يزعم أنه مجاهد في سبيلها تأمره بذلك، تسيء إلى سمعته كرجل علم ودين وتنزل به إلى الدرك الأسفل في نظر الشعب الكوردي، وتفرض عليه الاعتذار من هذا الشعب الذي وصفه العالم الإٍسلامي المصري الكبير الدكتور فهمي الشناوي بأنهم “حد الموسى” و “رأس الحربة” وأنهم لن يفنوا…وحقهم لن يضيع.

وهم لايتغلّبون ولا يصمدون من أجل شيء إلا الاسلام… (مجلة المختار الإسلامي المصرية، العدد 24، سنة 6، لعام1405/1985) وقال في رسالته الشهيرة إلى الشعب الكوردي بأن القضية الكوردية أمانة في عنق الأمة الإسلامية، وأنهم إن توحدوا تنطلق الحربة، ولا وحدة للأمة الإسلامية دون وحدتهم…والوحدة الكوردية هي حق وواجب ورسالة تاريخية… فأين الشيخ القرضاوي وأتباع وأشياع من هكذا رجل نطق بالحق وناصر المظلومين المستضعفين الكورد في أعز أيام الدكتاتورية الصدامية التي لم تكن تتوانى عن اغتيال المدافعين عن الشعب الكوردي أينما كانوا؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…