مع مرور نحو ثماني سنوات على تجربة حزب العدالة والتنمية في تركيا, راكمت التجربة العديد من الإنجازات على أصعدة عدة، خصوصاً في المجالين الاقتصادي والسياسي.
ورغم ما بدا من تعاطف تركي مع المآسي التي يتعرض لها مدنيون فلسطينيون من ممارسات تحت الاحتلال الإسرائيلي, إلا أن الواقع يؤكد أن صفحة تركيا ليست بيضاء تماماً في مجال حقوق الإنسان، وكيفية تعاملها مع الأقلية الكردية في البلاد والتي قد لا يعرف العالم العربي عنها الكثير.
وبحسب الخبر، فإن “عدداً من النسوة الكرديات هرعن لنجدة الأطفال عند سماع صراخهم.
ولكن قوات الجيش والشرطة التي وصلت المكان، منعتهن من الاقتراب، ورفضت نقل الجرحى إلى المشفى، قبل معاينة الموقع”.
وذكر شهود عيان أن الجنود عمدوا إلى تغطية جسد الطفل أكيورك، بحجة أنه فارق الحياة، بينما كان لا يزال يتحرك”.
وأضافوا أن الأطباء في مشفى منطقة قرقلي التابعة لـ”وان” أبلغوا المسؤولين أن الطفل “كان حياً لحظة معاينته، لكن الإهمال وتركه مدة نصف ساعة ينزف بغزارة أدى إلى وفاته”.
وجاء في الخبر أيضاً، أن أصدقاء الطفل أجوزجان اكيورك وضعوا باقة ورد على مقعده الدراسي بعد ذيوع خبر مقتله”.
سجل تركيا في مجال انتهاكات حقوق الإنسان قبل مجيء حزب العدالة والتنمية الإسلامي للحكم سنة 2002، غني عن البيان والتعريف به.
وفي الآونة الأخيرة، جرى ويجري حديث غزير وواسع النطاق حول الإنجازات التي حققها “حزب العدالة والتنمية” في تركيا خلال السنوات الثماني الماضية من حكمه، خصوصاً في ميادين القوانين، وتحسين أوضاع حقوق الإنسان، وإلغاء التعذيب، والاعتقال التعسّفي، بالإضافة إلى الحديث الكبير عن انفتاح أردوغان على الداخل التركي، كردياً وأرمنياً، وانفتاحه على المحيط، وحل المشاكل معه.
وإذا كان من مؤشرات السياسات الخارجية “الناجحة” لحكومة أردوغان، هو التسويق والترويج الذي يلقاه في الإعلام العربي والعالمي، والمردود الاقتصادي والسياسي والدبلوماسي العائد على تركيا جرّاء تلك السياسات، فبالتأكيد، إن معيار نجاح سياسات حكومته داخلياً، سيكون ميدان حقوق الإنسان وتحسنها، وصولاً إلى وضع هذه السياسات تحت عدسة المراجعة والمدح أو النقد، إنصافاً للواقع والوقائع.
الأرقام تتحدث
قبل فترة، وفي مؤتمر صحافي، أصدرت جمعية حقوق الإنسان التركية İHD تقريرها السنوي الذي احتوى على الانتهاكات التي رصدتها هذه الجمعية خلال عام 2009.
وأرفق التقرير بإحصاءات للانتهاكات التي حصلت في تركيا خلال السنوات العشر الأخيرة، من 1999 إلى 2009.
وتم رصد حصيلة هذه الانتهاكات الحاصلة خلال فترة حكم “العدالة والتنمية” فقط، من 2002 ولغاية 2009.
ويشير التقرير بشكل واضح إلى انخفاض في جرائم القتل التي قيدت ضد مجهول، وعدد الضحايا الذين قتلوا على أيدي ميليشيات كردية تعمل مرتزقة لدى الجيش التركي، وجرائم التعذيب أثناء الاعتقال والتحقيق، وعدد من قتلوا خلال اشتباكات بين الجيش التركي ومقاتلين أكراد.
لكن الجمعية ترى أنه رغم الانخفاض لا توجد ضمانات تحول دون تصاعدها، وأن الشرطة لا تزال تمارس التعذيب، وتتعاطى بشكل وحشي مع المتظاهرين والناشطين السياسيين الأكراد.
وبحسب التقرير السالف أيضاً، من سنة 2002 ولغاية 2009، تم رفع دعاوى حظر بحق 232 جمعية ورابطة ثقافية وحزب سياسي.
وفي سنة 2008، تمّت مداهمة 103 جمعيات اجتماعية وحقوقية وسياسية وثقافية واعلامية.
وسنة 2009، تمت مداهمة 227 جمعية ومكتباً ومركزاً، منها 143 تعود لأحزاب، و51 جمعية، و14 نقاية، وسبعة وسائط وحافلات تابعة للأحزاب، وخمسة مراكز ثقافية.
وثلاثة مبانٍ تعود لبدليات.
وفي سنة 2008، تم جمع أعداد 100 مطبوعة من الأسواق، وحظر توزيعها، منها 13 صحيفة، و11 مجلة، و7 ملصقات، و4 كتب.
وفي نفس السنة، أصدرت قرارات بمعاقبة 38 صحيفة، و7 مجلات من الصدور، لمدد معينة، مع عقوبات مالية كبيرة، ووقف بث قناة تلفزيونية، وتغريمها ماليّاً.
بالإضافة إلى حظر 3 ملصقات، و3 لافتات، و3 كتب، وأغنيتين، ونشرة واحدة، ومجلة، وألبوم غنائي، تم منعها وحظرها نهائياً.
وبحسب التقرير أيضاً، في سنة 2009، تم سحب عشر صحف من الأسواق 27 مرة، وسحب 7 مجلات 15 مرة.
وتم وقف بث قناة تلفزيونية مرتين، وسحب 11 كتاباً، و6 أفيش و5 لافتات.
وتأسست جمعية حقوق الإنسان التركية المعروفة اختصاراً باسم IHD عام 1986, حين اجتمع نحو 98 شخصاً من محامين وحقوقيين وكتاب وصحافيين وفنانين ونشطاء من عائلات سجناء سياسيين.
وهذه الجمعية هي الأنشط والأشهر بين جمعيات حقوق الإنسان في تركيا.
ومكتبها الرئيسي في أنقرة، ولديها 28 مكتباً في المحافظات التركية، و4 ممثلين في محافظات أخرى.
ويرأس الجمعية حالياً المحامي أوزتورك تورك دوغان.
وتعرض 14 شخصاً من أعضائها للخطف والاغتيال، وقيدت دعاويهم ضد “فاعل مجهول”!.
كما تعرض المئات من أعضائها للاعتقال والسجن.
والآن، لديها خمسة أعضاء رهن الاعتقال في تركيا.
ونتيجة الصراع بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي، كانت ولا زالت جمعية İHD تلاقي صعوبات هائلة في ممارسة عملها.
وصل نشاطها للذروة، بحيث صار عدد منتسبيها يتراوح بين 16 ألف إلى 17 ألف عضو.
تراجع العدد إلى 11 ألف عضو.
والآن، لديها 1938عضواً.
ويقول إحسان كتشار، المصور الفوتوغرافي في مكتب الجمعية في إسطنبول، إن “العائق الأكبر، هو أن الدولة لا تنظر إلينا بعين شرعية.
وأنه من حقك أن تدافع عن حقوق الإنسان في تركيا.
في الآونة الاخيرة، طرأ نوع من المرونة، لكن هذا لا يعني أننا مرتاحون.
لا زالت الدولة لا تدعنا نمارس عملنا.
ولا زالوا يضيّقون علينا.
تارة يتهموننا بدعم الأكراد، وتارة أخرى بدعم الحركات اليسارية.
ولا زالنا عرضة للاعتقال.
والفارق بين الأمس والغد، أننا كنا نتعرض للخطف والاغتيال.
يعني، ارتقى الوضع بنا من السيء إلى الأسوأ، لا غير”.
وأضاف كتشار: “تعرض منزلي للمداهمة، وبقيت أربعة أيام رهن الاعتقال.
كان التحقيق يركز على: لماذا اهتم بالأكراد؟ لماذا اتباعهم، ليس في المجال الحقوقي، بل حتى في مجال عملي الفني؟!.
أخذوا الكاميرا والكمبيوتر الشخصي خاصتي.
ولم يعيدوهما لي إلا بعد 6 أشهر، بعد أن أتلفوا الكمبيوتر.
ومسحوا ما كان فيه من الصور والوثائق الخاصة بي”.
حياة بلا ضمانات
وحول تراجع احتمالات الخطف والاغتيال المجهول الذي كان متفشياً في تركيا منذ مطلع التسعينات، وشهد تراجعاً بحسب تقرير جمعية حقوق الإنسان، يقول كتشار: “صحيح أن جرائم الخطف والاغتيال تراجعت، لكن لا ضمانات تحول دون تصاعدها.
في الشهر المنصرم، خطف واغتيل الصحافي الكردي متين أتالاش في دياربكر.
دون أن ننسى، أن الشرطة لا زالت تمارس التعذيب، وتتعاطى بشكل وحشي مع المتظاهرين والناشطين السياسيين الأكراد.
وعليه، حين ينشط المرء في مجال حقوق الإنسان في تركيا، يجب أن يتوقع كل شيء.
هذه تركيا، ولا توجد فيها ضمانات.
الضمانة الوحيدة، هي دستور مدني، يضمن العدالة والمساوة والحريّة لجميع أبناء الوطن”.
واستطرد كتشار في كلامه: “هنالك عدالة لحفنة من المستفيدين من هذه الدولة ودستورها الذي وضعه انقلابيو 1980.
والحزب الحاكم، يطالب بتعديل الدستور فقط في المواد التي تخوله الاستحواذ على المزيد من الدولة، ليس ليقدمها للشعب.
أقصد، الحزب الحاكم، لا يريد أخذ الدولة من الجيش كي يقدمها للشعب والمجتمع، بل لكي يمنحها لحفنة من أصحاب المصالح والامتيازات الذين يختلفون عن أيديولوجية العسكر، وينسجمون مع أيديولوجية الحزب الحاكم”.
ويشير كتشار إلى تراجع عدد القتلى في تركيا، قياساً بالتسعينات، إلى أن العمال الكردستاني أعلن مراراً عن وقف إطلاق النار من جانب واحد.
ويضيف: “للأسف، لا زالت الدولة تصر على منطق الحرب والحسم العسكري.
ولذا، فهي الأكثر تحملاً للمسؤولية”.
وأضاف أن “الدولة تنظر إلينا باعتبارنا خونة وارهابيين، وهذه ذهنية راسخة ضمن الدولة، وتفرز المثقفين والجميعات والأحزاب والهيئات والأشخاص، وفق ولائهم لسياسات الدولة.
فكثيراً ما تصدر الدولة أو القوى النافذة فيها، لوائح تضم أسماء مثل: هذا مع الدولة، وطني ومخلص، وهذا مناهض لسياساتها وممارساتها، فهو خائن وإرهابي.
تتعاطى مع كل من يرصد انتهاكات الدولة، على أنه خائن”.
قالها إحسان، بمرارة وأسف.
عن العربية.
نت