الأنفال سورة حزن الكردي الكبرى

كرم يوسف

 

التشريع الصدامي  باختيار سورة الأنفال اسماً على وشم  أكثر من 182 ألف كردي  بوشم الموت لهو تشريع بوقف دورة  الدم الكردي، وبإذنٍ إلهي أجاز  صدام  لنفسه الحصول عليه مادام كان يعتقد أنَّه هو من يدير عنفات الكواكب ، وأنَّه  باق إلى الأبد..!.
هذا الاختيار الأكثر حزناً،  إن لم يقع على سورة الأنفال، فإنَّه كان سيقع بالتأكيد على واحدة من المئة وأربع عشرة سورة قرآنية ، ولا استغراب في أنَّ صدام كان يود أن تكون كل سورُ القرآن أنفالاً بحق الكرد، هذا إن دام عزه، و ساد حكمه ، ليكون كاليري  الدفن الكردي، ولتكون مائدة الجسد الكردي رقماً جديداً، لواحد من أعتى الدكتاتوريات ، في إراقة دم شعبه، ضمن موسوعة الكراهية، حيث كلٌ يعلم أنَّ الدكتاتور،أ والسفاح ،على وهم، بأنَّهما لن يكونا جديرين باسميهما ، إلا إذا عجزا عن إحصاء ضحاياهما..!
في أيام محاكمة صدام ،على واحدة من كبريات جرائمه، وبعد مرور 18 عاماً على رحلة المؤنفلين الأبدية إلى الموت ،أجزم ، أنَّ  مجرّد التعاطف مع صدام ليعد إرهاباً.
إنَّ طاغية بحجم صدام ،وكل ما تعنيه كلمة” صدام” من قبح و قتل ،  ليس بالهين أن يبكي أمام شاشات التلفزة التي تنقل وقائع محاكمته،و إنَّ تفوه  صدام بتلك الكلمات التسويغية البائسة ، التي دافع بها عن نفسه ،هو آخر ما يستطيع أن يقنع بها ممن أقنعهم سابقاً بانتصاراته ، وأمجاده الخلبية، ونياشينه الرخيصة، التي حصل عليها بأوامره الشخصية،و إنّ الذي يتهرطق به صدام حسين هو استكمال للجرائم الفظيعة التي ارتكبها، فهو حين يدافع عن نفسه بقتل 164 شخصاً من أهالي الدجيل ، و182 ألفاً من الكرد، أنَّما يؤكد شرعية مافعل، وعدم توانيه عن تكرار ما فعل، في ما لو عاد ، وهيهات له ولأمثاله ذلك…….!
ترى هل يصدق،  بأنَّ وليداً في أشهره الأولى، أو  طفلاً لا يزال في أحشاء أمه ، يمكن أن يصنف بأنه عميل للنظام الإيراني، حتى يتم قتله على عمالته، هذا إذا افترضنا أنَّ الشيوخ والرجال والنساء بأكملهم عملاء للنظام الإيراني ، الذي لم يقل عنه انتهاكاً لحقوق الكرد .
أستغرب كثيراً الصمت العالمي إزاء  كل ماحدث في العراق، دون الالتفات إلا إلى أسلحة الدمار الشامل التي كانت بحوزة النظام المخلوع ، هل أنَّ دماء العراقيين  ، عرباً وكردا ً وسواهم ، لم تكن لتستحق وقفة إدانة ، أم أنَّه حين بدأ  صدام يشكل خطراً على مصالح دولهم، ومواطنيهم بامتلاكه أسلحة الدمار الشامل، آنئذ بدأ بالتدخل في العراق، لنزع أسلحته التي منحه إياها بنفسه ،.

وليس تقرير هيومن ووتش رايتس عام 1994 إلا أكبر دليل على التواطؤ الدولي ،حينما رفعت المنظمة تقريرها إلى محكمة العدل الدولية بلاهاي لتحاكم صدام كمجرم حرب بعد ارتكابه جرائم حرب في قضية الأنفال إلا أنَّ قرار هيومن ووتش رايتس مرَّ دون أي اهتمام دولي، علاوةً على نداءات أخرى أطلقتها المنظمة عينها!
التصفيق لصدام، وهو وراء قضبانه الأبدية، يعني  تسفير سماء، وشمس وقمر  مخردلة، من جديد  إلى العراقيين ، يعني أن يعود الموت إلى عهده السابق، وأن يلد الموت أطفالاً بحجم الحقد، وأن لا تتوقف نافورة الدم العراقي، إلى  مالا نهاية.!
أرى أنَّ أنفال صدام حسين، هي واحدة من أنفالٍ كثيرة حلّت سابقاً بالكرد ، ولا تزال تحلّ بهم  إلى الآن ، ولكن، قد لاتحتاج دوماً إلى حجم ضحايا أنفال صدام، لكي لا يكون نصيبنا نحن الكرد من تحاصص الحزن كبيراً!….
حتى الآن، لا ادري السبب الذي يمنع المثقف العربي، من الإدلاء بشهادته، ورأيه إزاء واحدة من كبريات الجرائم التي تعرّض لها أخوتهم الكرد، جغرافياً، ودينياً، ترى هل السبب هو أنَّهم سيضطرون إلى إدانة صدام ومرتزقته، أم أنَّ الهم الكردي لا يستحقّ الوقوف عنده، والمثقف العربي هو الأكثر درايةً بتعاطف المثقف الكردي مع الهم العربي ،سواء أكان ذلك بأقلامهم، أم بتضحياتهم المباشرة ، أليست ذكرى محاكمة صدام حسين فرصة جديدة للمثقف العربي ، كي يعيد الدين لشعب رسم قدره في قوس قزح مشترك مع العرب؟ ، وعلينا هنا ألا ننسى أقلاماً عربية، شهمة، قليلة، ظلّت دوماً وإلى الآن وفية للكرد أمثال : زهير كاظم عبود، أحمد أبو مطر، د.

منذر الفضل، عبد الحسين شعبان….وسواهم .
ترى هل سيحاكم صدام وأعوانه أيضاً على ذكريات وأحلام كانت في عدوها إلى الحياة لأولئك القرويين الكرد المؤنفلين؟.
ترى هل سيحاسب صدام على الحجارة، الأشجار، البيوت، السماء، الأرض،و الحرية  التي أُنفلت؟.
أو هل سيحاسب صدام وأعوانه على الحزن ذي القامة العالية لذوي المؤنفلين، وعلى دموعهم، وعلى التعانق المسموم بالخردل والدفن حياً ….!؟
وهل أنَّ إعداماً واحداً لصدام سيعيد الفرحة إلى قلوب ذوي المؤنفلين…

* كاتب كردي سوري

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد بعد أن كرَّر الوالدُ تلاوة قصة الخريطة المرسومة على الجريدة لأولاده، شارحاً لهم كيف أعادَ الطفلُ بكل سهولة تشكيل الصورة الممزقة، وبما أن مشاهِدَ القصف والتدمير والتدخلات الدولية واستقدام المرتزقة من دول العالم ومجيء الجيوش الأجنبية والاقليمية كانت كفيلة بتعريف أولاده وكل أبناء وبنات البلد بالمناطق النائية والمنسية من بلدهم وكأنَّهم في درسٍ دائمٍ لمادة الجغرافيا، وبما…

صلاح بدرالدين لاتحتاج الحالة الكردية السورية الراهنة الى إضفاء المزيد من التعقيدات اليها ، ولاتتحمل هذا الكم الهائل من الاخذ والرد اللذان لايستندان الى القراءة العلمية الموضوعية ، بل يعتمد بعضها نوعا من السخرية الهزلية وكأن الموضوع لايتعلق بمصير شعب بكامله ، وبقدسية قضية مشروعة ، فالخيارات واضحة وضوح الشمس ، ولن تمر بعد اليوم وبعبارة أوضح بعد سقوط الاستبداد…

المهندس باسل قس نصر الله أتكلم عن سورية .. عن مزهرية جميلة تضمُّ أنواعاً من الزهور فياسمين السنّة، ونرجس المسيحية، وليلكة الدروز، وأقحوان الإسماعيلية، وحبَق العلوية، ووردة اليزيدية، وفلّ الزرادشتية، وغيرها مزهرية تضم أطيافاً من الأكراد والآشوريين والعرب والأرمن والمكوِّنات الأخرى مزهرية كانت تضم الكثير من الحب اليوم تغيّر المشهد والمخرج والممثلون .. وبقي المسرح والمشاهدون. أصبح للوزراء لِحى…

د. آمال موسى أغلب الظن أن التاريخ لن يتمكن من طي هذه السنة بسهولة. هي سنة ستكون مرتبطة بالسنوات القادمة، الأمر الذي يجعل استحضارها مستمراً. في هذه السنة التي نستعد لتوديعها خلال بضعة أيام لأن كان هناك ازدحام من الأحداث المصيرية المؤدية لتحول عميق في المنطقة العربية والإسلامية. بالتأكيد لم تكن سنة عادية ولن يمر عليها التاريخ والمؤرخون مرور الكرام،…