دهام حسن
إن المعارضة السياسية كمصطلح يقترن بالأحزاب السياسية، وقد تتمثل المعارضة بحزب واحد، أو مجموعة أحزاب، وهي ترتدي أشكالا متنوعة من النضال، فقد يكون نضالها مشروعا بقانون تشرّعه مؤسسات الدولة المعنية، وهذا ما تعرف به الدول التي تعتمد النظام الديمقراطي في إدارة الدولة، ومثل هذه النظم ضمنا تؤسس لمبدأ تداول السلطة، بالمقابل ثمة أنظمة ديكتاتورية تحظر على المعارضة النشاط السياسي كما حال كثير من بلدان العالم بضمنها الأقطار العربية، والمعارضة تتنوع أشكال نشاطها، فمنها ما تمارس العمل السياسي السلمي، وأخرى قد تعتمد الكفاح المسلح، وقد تتطور الحالة سلبا أحيانا تنتهي بحرب أهلية لا سيما في البلدان المقسمة عرقيا أو دينيا أو طائفيا، وحالة لبنان مازالت ماثلة أمامنا لا تغيب عن البال وقد ارتدت الطابع الديني، واليوم الصراع الطائفي مازال مرشحا للانفجار، كما شهد العراق حالات مماثلة …
على العموم المعارضة السياسية تحمل عادة الطابع التنافسي، وتعني فيما تعنيه مخالفة الرأي السائد سلطويا، ومعارضة سياسة النظام، فلها هي أيضا رؤاها وتطلعاتها، وقد تطرح برنامجا سياسيا بديلا، ترسم فيه تصورها التنموي اجتماعيا واقتصاديا، فضلا عن تصورها لطبيعة وشكل الحكم وإدارة السلطة، وللحقيقة نقول: لا إصلاحات دون معارضة، ولا سياسة أصلا دون تعددية ومن التعددية تنبثق المعارضة والتنافس، فحيوية المجتمعات تعود من بعض الجوانب، إلى التعددية السياسية، وإلى المعارضة النشطة حيث تكون ندا للحكومة ومعارضا لها،وبديلا عنها..
إن محاولات عديدة اليوم تبذل للنيل من المعارضة والحط من شأنها ومكانتها ومن جدوى بقائها والإساءة إليها، وبأنها عاجزة عن فعل التغيير، فلا ضرورة لوجودها إذن، وبالتالي القبول منطقيا بما هو قائم مهما قسا وعتا الحاكمون، والحقيقة أن واقع المعارضة تختلف في النضال السياسي، بين الأنظمة التي تعيش الحياة الديمقراطية في الحكم من جانب، وبين الأنظمة الاستبدادية التي تتفرد بالسلطة من جانب آخر، فالقول بأن المعارضة ستبقى مشلولة وعاجزة عن صنع التغيير في الأنظمة الاستبدادية، وليست بقادرة أن تلعب دورها إلا إذا وجدت في النظم التي تتبع النظام الديمقراطي في إدارة الحكومة، حيث يكون تداول السلطة متوفرا ومحققا، مثل هذا الحكم ضار لا يمكن الأخذ به وهو مناف للواقع في ظل التقانة المعلوماتية الحديثة، مثل هذه الأحكام المحبطة وهذا اليأس في التغيير قاله غرامشي أيضا في فترة صعود الفاشية في كل من ألمانيا وايطاليا، وبأن التغيير لا يتم إلا من الخارج..
هذا الكلام رغم وجاهته لا يمكن أن يعتد به ويؤخذ كمقياس صارم وأكيد، ففي النظم الديكتاتورية قد تأخذ المعارضة -جراء القمع- النشاط السري، وكثيرا ما تكون مشلولة، وقد تكون على شاكلة خلايا نائمة، لكن علينا أبد أن لا نستهين بها كأداة للتغيير، مهما عاشت من ظروف قاسية، فهي لها التأثير الأكيد، وإن السلطة، أية سلطة كانت، ستبقى متوجسة منها خيفة، وإلا فلماذا هذه الملاحقة والقمع القاسي، إذا لم تكن المعارضة ذات أثر وجدوى..!؟ بيد أن اليوم بفضل تكنولوجيا المعلومات، أصبحت عورة النظم مكشوفة أمام أنظار شعوبها والعالم قاطبة، لا تستطيع السلطة إغماض العين عن ذلك، فهي متابعة كما نلمس بهدف بيان شكل المواجهة عن قليل، وفي ضوء ما ينشره الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة..
إن ثورة يونيو1952 التي قادها الضباط الأحرار في مصر، حقيقة قضت على القوى الليبرالية، القوى السياسية الوحيدة آنذاك، التي اقترن اسمها بالتنمية والإصلاحات والحريات، فشلّت إثر ذلك الحركة السياسية في مصر، ولم يعد لها نشاط يذكر، وتراجعت أيضا التيارات العلمانية، حيث شمل القمع الجميع، وكان على الشعب المصري الولاء للنظام الراديكالي الجديد، حيث انحصر كل شيء فيه، وبالتالي إسكات أي صوت مخالف، لكن (حزب الإخوان المسلمون) رغم ما تعرض له من بطش وتنكيل، استطاع بحكم كونه حزبا ذا تاريخ وتغلغله في خلايا الشعب المصري، وبسبب ما تعرضت له القوى الليبرالية وأيضا العلمانية واليسار عموما من ضرب وإقصاء، استطاع الإخوان المسلمون مستغلا ما تتيح لهم دور العبادة من نشاط، استطاع أن يلملم صفوفه من جديد ليصبح أقوى حركة سياسية في مصر، وليفرض الحزب بالتالي نفسه كأقوى معارضة، فيدخل الإخوان البرلمان بحيث لا يمكن للنظام تجاهلهم أو القضاء عليهم مهما عتا وتجبر، والحالة المصرية يمكن اعتبارها شكلا من أشكال تكوّن المعارضات..
علينا أيضا أن نعي كثيرا من أن النظم الاستبدادية تحاول خداع الرأي العام من أنها تعيش حالة ديمقراطية، ويروج لها مختلف وسائل الإعلام بهذا الاتجاه، رغم الاعتقالات الكيفية والتعذيب الجسدي والتعدي على حقوق الإنسان كما هي الحال في تونس حيث يتم توجيه الإعلام المأجور في سوق وتزيين صورة النظام..
المعارضة السياسية عادة تحمل معنى المضمون التنافسي بين جماعات سياسية لها تصورها الخاص في كيفية سياسة المجتمع وإدارته للوصول إلى السلطة، وهي تعني بالأساس مخالفة الرأي السائد سلطويا، فلها أجندتها النضالية الخاصة بها، وهي تستغل التناقضات بين السلطة والشعب وحالة اللااستقرار والتذمر والاستياء، مما يحدو بالناس اتخاذ مواقف مناوئة للسلطة، ويكون المجتمع المدني والأحزاب السياسية خارج السلطة تنشط للعمل لمجيء بديل عنه يحلّ محل الفئة الحاكمة، والمعارضة في هذه الحال طالما تتكئ على الشعب فينبغي عليها أن تكون صادقة معه، لا تكون اللعبة فقط هي وسيلة للوصول إلى السلطة فحسب، وليس لتغيير النهج، ويغدو الفريق الحاكم كالفريق السابق أي (حكومة قيصرية برداء بلشفي) بتعبير بليخانوف في حالة روسيا..
فالمعارضة يمكن لها المطالبة بتسويات عديدة متفق حولها، وينبغي ألا تكون السلطة هي الهدف..أما الهدف الأساس فهو، التعددية السياسية، مبدأ تداول السلطة، حرية التعبير والإعلام، العمل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الشعب مصدر التشريعات، فصل السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) فمن يقبل بهذا يعني أنه ساوى نفسه بالآخرين، فلا يبقى حينئذ غير التنافس عبر صناديق الاقتراع، ليحدد من الحاكم ومن هو المحكوم، واللعبة الديمقراطية هذه لا بد أن تستمر..
علينا أن نتنبه أن التغيير قد يحصل بطرائق مختلفة، ربما يكون بسبب التدخل الخارجي ، وقد تكون نتيجة تحولات في الساحة الدولية، وفي حالات لا يتنبأ بها لا الحاكمون ولا المعارضون، وهذا ما جرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأيضا بعد انفضاض الحرب العالية الثانية، وما حصل من تغييرات كبيرة، حيث كان اختفاء نظم ولّى عهدها، وانبثاق نظم جديدة حلت مكانها..
هنا أريد أن أثير نقطتين تتعلقان بالموضوع ذاته، فمثلا أحدهم يقول أنه يتطير من لفظة المعارضة، وهو يطالب أن يحسّن النظام الحاكم أي نظام كان من أدائه، لكنه يرفض أن يقال عنه، (معارض)وكأن المعارضة جرم، فالمعارضة تعني في حقيقة الأمر المخالفة في الرأي وهذه ليست عارا ولا سبّة، ونقول لمثل هؤلاء هل أنكم ترفضون أن يكون لكم تمثيل في إدارة شؤون الدولة على مستوى قدراتكم..؟ في الوقت الذي تتبجحون أنكم تمثلون شريحة من المجتمع..
النقطة الثانية هي التي تقول من أي جهة تكتسب المعارضة شرعيتها، ليست هنا برأيي مسألة الشرعية أو اللاشرعية فالديمقراطيات هي التي تكسب أية قوى كانت الشرعية، وذلك من خلال صناديق الاقتراع وبيان بالتالي مدى قوتها وتمثيلها، ولاشك أن المعارضة تتكئ على شرائح اجتماعية، وقد تعبر عن نفوذ طبقية..وحرية الاقتراع سوف تبين مدى قوتها ونفوذها، بالمقابل على المعارضة أن لا تستهين بمن تدعي تمثيلهم، وألا تتجاوزهم لأنهم سيخذلونه حتما في الجولات القادمة..كما أن المعارضة من طبيعتها أن تجدد نفسها، وتحسّن من آليتها، فتتنبه لنقاط ضعفها لتجاوزها، لكي تكون بالتالي منسجمة إلى حد كبير مع تطلعات وأماني من تمثلهم..
إن محاولات عديدة اليوم تبذل للنيل من المعارضة والحط من شأنها ومكانتها ومن جدوى بقائها والإساءة إليها، وبأنها عاجزة عن فعل التغيير، فلا ضرورة لوجودها إذن، وبالتالي القبول منطقيا بما هو قائم مهما قسا وعتا الحاكمون، والحقيقة أن واقع المعارضة تختلف في النضال السياسي، بين الأنظمة التي تعيش الحياة الديمقراطية في الحكم من جانب، وبين الأنظمة الاستبدادية التي تتفرد بالسلطة من جانب آخر، فالقول بأن المعارضة ستبقى مشلولة وعاجزة عن صنع التغيير في الأنظمة الاستبدادية، وليست بقادرة أن تلعب دورها إلا إذا وجدت في النظم التي تتبع النظام الديمقراطي في إدارة الحكومة، حيث يكون تداول السلطة متوفرا ومحققا، مثل هذا الحكم ضار لا يمكن الأخذ به وهو مناف للواقع في ظل التقانة المعلوماتية الحديثة، مثل هذه الأحكام المحبطة وهذا اليأس في التغيير قاله غرامشي أيضا في فترة صعود الفاشية في كل من ألمانيا وايطاليا، وبأن التغيير لا يتم إلا من الخارج..
هذا الكلام رغم وجاهته لا يمكن أن يعتد به ويؤخذ كمقياس صارم وأكيد، ففي النظم الديكتاتورية قد تأخذ المعارضة -جراء القمع- النشاط السري، وكثيرا ما تكون مشلولة، وقد تكون على شاكلة خلايا نائمة، لكن علينا أبد أن لا نستهين بها كأداة للتغيير، مهما عاشت من ظروف قاسية، فهي لها التأثير الأكيد، وإن السلطة، أية سلطة كانت، ستبقى متوجسة منها خيفة، وإلا فلماذا هذه الملاحقة والقمع القاسي، إذا لم تكن المعارضة ذات أثر وجدوى..!؟ بيد أن اليوم بفضل تكنولوجيا المعلومات، أصبحت عورة النظم مكشوفة أمام أنظار شعوبها والعالم قاطبة، لا تستطيع السلطة إغماض العين عن ذلك، فهي متابعة كما نلمس بهدف بيان شكل المواجهة عن قليل، وفي ضوء ما ينشره الناس من خلال وسائل الإعلام المختلفة..
إن ثورة يونيو1952 التي قادها الضباط الأحرار في مصر، حقيقة قضت على القوى الليبرالية، القوى السياسية الوحيدة آنذاك، التي اقترن اسمها بالتنمية والإصلاحات والحريات، فشلّت إثر ذلك الحركة السياسية في مصر، ولم يعد لها نشاط يذكر، وتراجعت أيضا التيارات العلمانية، حيث شمل القمع الجميع، وكان على الشعب المصري الولاء للنظام الراديكالي الجديد، حيث انحصر كل شيء فيه، وبالتالي إسكات أي صوت مخالف، لكن (حزب الإخوان المسلمون) رغم ما تعرض له من بطش وتنكيل، استطاع بحكم كونه حزبا ذا تاريخ وتغلغله في خلايا الشعب المصري، وبسبب ما تعرضت له القوى الليبرالية وأيضا العلمانية واليسار عموما من ضرب وإقصاء، استطاع الإخوان المسلمون مستغلا ما تتيح لهم دور العبادة من نشاط، استطاع أن يلملم صفوفه من جديد ليصبح أقوى حركة سياسية في مصر، وليفرض الحزب بالتالي نفسه كأقوى معارضة، فيدخل الإخوان البرلمان بحيث لا يمكن للنظام تجاهلهم أو القضاء عليهم مهما عتا وتجبر، والحالة المصرية يمكن اعتبارها شكلا من أشكال تكوّن المعارضات..
علينا أيضا أن نعي كثيرا من أن النظم الاستبدادية تحاول خداع الرأي العام من أنها تعيش حالة ديمقراطية، ويروج لها مختلف وسائل الإعلام بهذا الاتجاه، رغم الاعتقالات الكيفية والتعذيب الجسدي والتعدي على حقوق الإنسان كما هي الحال في تونس حيث يتم توجيه الإعلام المأجور في سوق وتزيين صورة النظام..
المعارضة السياسية عادة تحمل معنى المضمون التنافسي بين جماعات سياسية لها تصورها الخاص في كيفية سياسة المجتمع وإدارته للوصول إلى السلطة، وهي تعني بالأساس مخالفة الرأي السائد سلطويا، فلها أجندتها النضالية الخاصة بها، وهي تستغل التناقضات بين السلطة والشعب وحالة اللااستقرار والتذمر والاستياء، مما يحدو بالناس اتخاذ مواقف مناوئة للسلطة، ويكون المجتمع المدني والأحزاب السياسية خارج السلطة تنشط للعمل لمجيء بديل عنه يحلّ محل الفئة الحاكمة، والمعارضة في هذه الحال طالما تتكئ على الشعب فينبغي عليها أن تكون صادقة معه، لا تكون اللعبة فقط هي وسيلة للوصول إلى السلطة فحسب، وليس لتغيير النهج، ويغدو الفريق الحاكم كالفريق السابق أي (حكومة قيصرية برداء بلشفي) بتعبير بليخانوف في حالة روسيا..
فالمعارضة يمكن لها المطالبة بتسويات عديدة متفق حولها، وينبغي ألا تكون السلطة هي الهدف..أما الهدف الأساس فهو، التعددية السياسية، مبدأ تداول السلطة، حرية التعبير والإعلام، العمل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية، الشعب مصدر التشريعات، فصل السلطات (التنفيذية، التشريعية، القضائية) فمن يقبل بهذا يعني أنه ساوى نفسه بالآخرين، فلا يبقى حينئذ غير التنافس عبر صناديق الاقتراع، ليحدد من الحاكم ومن هو المحكوم، واللعبة الديمقراطية هذه لا بد أن تستمر..
علينا أن نتنبه أن التغيير قد يحصل بطرائق مختلفة، ربما يكون بسبب التدخل الخارجي ، وقد تكون نتيجة تحولات في الساحة الدولية، وفي حالات لا يتنبأ بها لا الحاكمون ولا المعارضون، وهذا ما جرى في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وأيضا بعد انفضاض الحرب العالية الثانية، وما حصل من تغييرات كبيرة، حيث كان اختفاء نظم ولّى عهدها، وانبثاق نظم جديدة حلت مكانها..
هنا أريد أن أثير نقطتين تتعلقان بالموضوع ذاته، فمثلا أحدهم يقول أنه يتطير من لفظة المعارضة، وهو يطالب أن يحسّن النظام الحاكم أي نظام كان من أدائه، لكنه يرفض أن يقال عنه، (معارض)وكأن المعارضة جرم، فالمعارضة تعني في حقيقة الأمر المخالفة في الرأي وهذه ليست عارا ولا سبّة، ونقول لمثل هؤلاء هل أنكم ترفضون أن يكون لكم تمثيل في إدارة شؤون الدولة على مستوى قدراتكم..؟ في الوقت الذي تتبجحون أنكم تمثلون شريحة من المجتمع..
النقطة الثانية هي التي تقول من أي جهة تكتسب المعارضة شرعيتها، ليست هنا برأيي مسألة الشرعية أو اللاشرعية فالديمقراطيات هي التي تكسب أية قوى كانت الشرعية، وذلك من خلال صناديق الاقتراع وبيان بالتالي مدى قوتها وتمثيلها، ولاشك أن المعارضة تتكئ على شرائح اجتماعية، وقد تعبر عن نفوذ طبقية..وحرية الاقتراع سوف تبين مدى قوتها ونفوذها، بالمقابل على المعارضة أن لا تستهين بمن تدعي تمثيلهم، وألا تتجاوزهم لأنهم سيخذلونه حتما في الجولات القادمة..كما أن المعارضة من طبيعتها أن تجدد نفسها، وتحسّن من آليتها، فتتنبه لنقاط ضعفها لتجاوزها، لكي تكون بالتالي منسجمة إلى حد كبير مع تطلعات وأماني من تمثلهم..