الاغتيال السياسي جريمة لكن، استثمارها لغاياتٍ فئوية حزبوية هي جريمةٌ أكبر!!

ســردار بدرخان *

   بعد يومين من اختفائه، شوهدتْ جثة الطالب الجامعي المغدور سردشت عثمان-23 سنة ملقاة على قارعة الطريق في محافظة الموصل يوم الخميس06/05/2010م بعد أن تمّ اختطافه من باب كلية الآداب/قسم اللغة الإنكليزية بجامعة صلاح الدين في أربيل حيث كان يتابع دراسته فيها طالباً في السنة الرابعة.

   لا شكّ بأن عملية الاغتيال السياسي بشكلها العام هي عملية مدانة ومستهجنة مرفوضة بكل المقاييس والمعايير، لأنها تزهق أرواح بشرٍ دون وجه حق لقاء مواقفهم وآرائهم الحرة التي تختلف مع الآخرين، والتي ضمنتها لهم كافة المواثيق الدولية ولوائح حقوق الإنسان.
 ومن هذا المنطلق، فإن عملية الاغتيال الوحشية التي طالتْ حياة المغدور سردشت عثمان، والتي يعتقد البعضُ بأنها جاءت على خلفية كتابته ونشره ِلعدة مقالاتٍ في إحدى الصحف المحلية، تنتقد فيها الوضع السياسي القائم في الإقليم والفساد المستشري في دوائر الدولة والتهجم على العائلة البارزانية …إلخ، لهي عملية مستهجنة ومدانة ومرفوضة، ويجبُ على جميع الخيّرين والمدافعين عن المكاسب التي تحققت لأبناء الإقليم بعد سيلِ أنهارٍ من الدماء الذكية لخيرة المناضلين الكرد، الدعوة لكشف الجناة وإجراء تحقيق عادل، حيادي ونزيه معهم أياً كانت مراتبُهم ومسؤولياتهم في حكومة الإقليم لنيل جزائهم العادل حسب الدستور والقوانين المرعية.

   إلا أن المتتبعَ لهذه القضية التي باتت الشغلَ الشاغلَ للبعض الذي يعملُ ليل نهار على تضخيمها والتهويل لها، واتهام جهاتٍ بعينها دون أخرى بالتورط في اقتراف هذه الجريمة قبل ظهور نتائج التحقيق، وملء الشارع بالضجيج والقلق والتوتر والمشاحنات…، يُظهرُ أنّ هناك منْ وجدَ ضالّته لاستثمار هذه القضية الحساسة لإثارة القلاقل والفتنة في الإقليم بغية تصفية حسابات حزبوية صغيرة على حساب مصلحة الشعب الذي يكمن أولاً في الأمن والاستقرار وتوفير الخبز والحرية والكرامة للشعب.

إن أولئك الذين يمتطون موجة دم الشهيد الذي لا يُعرَفُ حتى اللحظة من هم الذين قتلوه، وما هي غايات ودوافع وأسباب اغتياله التي ربما تكون وراءها أيادٍ داخلية أو خارجية تبغي العبث بأمن واستقرار الإقليم وعودة أجواء المشاحنات والاحتراب الداخلي المشؤوم إلى ربوعه!!، أولئك، لا يبتغون من تحركاتهم ودموعهم وعويلهم معاقبةَ القتَلة الجناة، بقدر ما يريدونها ستاراً ومبرراً للعبث بأمن الإقليم من جهة، والنيلِ من وحدة موقف القوى والكتل السياسية الكردستانية في البرلمان العراقي من جهة أخرى، وهم بذلك، يقدمون خدمة مجانية لبعض القوى العراقية التي لا تريد الخير للكرد الذين ينعمون اليومَ بشيءٍ من الاستقرار وبعضٍ من الحقوق التي كانت محجوبة عنهم منذ عشرات السنين، وكذلك لبعض الدول الإقليمية التي ترى في استقرار العراق وتقدمهِ بصورة عامة، وكردستان العراق بصورة خاصة، تهديداً مباشراً لأمنها ومصالحها التي تقتضي -من وجهة نظرها- أن يظل الكرد أعداءً متحاربين ومنقسمين فيما بينهم إلى يوم الدين!!…
   إن الوفاء لدمِ الشهيد سردشت عثمان يقتضي من المتباكين على حقوق الإنسان أن يفكروا قبل كل شيء بمصالح الشعب والوطن، والعمل على حماية الأمن والمكاسب الكردية التي تحمل في طياتها دماء وأرواح مئات آلاف الشهداء، وعدم تعريض الوطن الذي تتربص به الكثير من القوى الداخلية والخارجية إلى مخاطر كبرى، ومطالبة الجهات المعنية بإعلان نتائج التحقيق بشفافية على الملأ بعد الانتهاء منها.


من جانب آخر، تقع مسؤولية متابعة البحث والتحقيق المكثف في ملابسات هذه الجريمة النكراء والوصول إلى الجناة وإخراجهم من مخابئهم، وتقديمهم إلى العدالة على عاتق حكومة الإقليم، التي يجب عليها السهر على حماية أمن الوطن والمواطن، كما يجب عليها من جانب آخر مهمة العمل ليل نهار في خدمة المواطن وتأمين متطلبات عيشه وكرامته الحرة، فذلك، هو الردُّ الصحيح والمنطقي على كل المتربصين بأمن الإقليم واستقراره.


—————————

*كاتب كردي من سوريا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…