بعد ذلك يقتل هذا (الصحفي) في ظروف غامضة وتتعالى أصوات مشبوهة، تدعي البحث عن الحقيقة وتعلن رغبتها في الكشف عن قتلته، محاولة توجيه الإتهام إلى الحزب الديمقراطي الكوردستاني وعائلة البارزاني الكريمة التي لا تحتاج إلى من يدافع عنها ويحميها، فهي معروفة بخدماتها وتضحياتها من أجل الشعب الكردي في كردستان العراق وخارجه.
سيناريو أستخباراتي قديم و سخيف لمشهد يتكرر على مر العصور.
فشلت هذه الأنظمة في سياسات التدخل المباشر، وهي تسعى بطرق مخابراتية أخرى، فتجد أولادا يبحثون عن الشهرة والمال مثل التلميذ سردشت عثمان الذي يقوم في كتاباته بالتطاول على شخص الرئيس بارزاني وأهل بيته.
وتقوم نفس الأجهزة الإستخباراتية المعادية بتصفية هذه التلميذ بعد أن أدى مهمته لتوجه أصابع الإتهام إلى الرئيس ونجله مسرور، مسؤول جهاز الإستخبارات، وكأن أجهزة الإستخبارات الكرية التي يشهد لها إحقاق الأمن والإستقرار في ربوع كردستان العراق، غبية إلى هذه الدرجة لتغتال شخصا لا قيمة ولا أهمية معينة له، سوى كونه بشرا وروحا، وذلك مباشرة بعد نشره لكتابات يقل فيها أدبه بحق الرئيس بارزاني.
وهنا يطرح السؤال نفسه، هل يجوز أن يتصرف كردي تجاه الرئيس مسعود بارزاني بشكل غير لائق، كما يحصل في الدول الغربية مثلا، عندما يتم تصوير القادة بأشكال كاريكاتورية؟ بقناعتي إن ذلك غير جائز، لأن مقارنة بارزاني المقاتل المضحي الذي وضع روحه على كفه وعاش في الجبال مقاتلا من أجل حقوق الشعب الكردي لسنين طوال مع السياسيين الأوروبيين المعاصرين الذين يمارسون السياسة كمهنة لا أكثر، دون أي تاريخ يذكر في النضال من أجل الحرية، أمر غير صحيح.
لكل شعب مقدساته التي لا يجوز التطاول عليها مطلقا.
كذلك الأمر في أوروبا، فليس الأمر هناك بالفوضى المطلقة كما يتصور البعض ممن يتم اللعب بعقولهم وتخول لهم أنفسهم الباحثة عن الشهرة الرخيصة أن يتطاولوا على رموز كردية كبيرة مثل مسعود بارزاني أو الفنان الرمز شفان برور، الذي تعرض كذلك إلى حملة مسعورة غير شريفة في الآونة الأخيرة بقصد تشويه سمعته، إذ كيلت له إتهامات بأنه يحصل على أموال من مصادر كردية (ليس من العدو) ويصرفها لنفسه، وكأن حصول شفان برور الذي قضى عمره في مجال الكوردايتي ونهض بالشعور القومي الكردي في أحلك المراحل من تاريخ الكورد على مبالغ بسيطة يعيش منها جريمة.
مع العلم أنه لو قام الرجل بسرقة الألحان الكردية وغنائها بلغة أخرى مثلما فعل إبراهيم تاتليسس، لكان حصل على عشرات أضعاف هذه المبالغ وعاش في ترف ونعيم.
الظروف الحالية تطرح السؤال الملح التالي: هل يجوز لحكومة إقليم كردستان العراق وحكومته أن يطبقا نظاما كنظام مملكة السويد من حيث الحرية والإنفتاح؟ أليست البلاد في حالة حرب؟ أليست هناك أراض كردية محتلة في كركوك وخانقين وشنكال ومندلي إلخ؟ ألا تعقد الدول المجاورة إجتماعات دورية من أجل مواجهة التطورات في كردستان العراق.
ألم تحاول هذه القوى حتى الآن بكل الوسائل تقويض تجربة إقليم كردستان وحريته؟ هل نسينا المالكي الذي أرسل جيوشه إلى خانقين قبل حوالي عام؟ هل نسينا الجيوش التركية التي هاجمت كردستان قبل عامين؟ هل ننسى القصف المستمر لكورستان من قبل الطيران التركي والمدفعية الإيرانية؟ هل نسينا الهجمات الإرهابية على كرسدتان كما حدث في هه ولير وكركوك وقرى شنكال وغيرها؟ أليست هذه حالة حرب؟ ألا تفرض حالة الحرب شروطا معينة في التعامل السياسي؟ كيف يطالب البعض بديمقراطية وحرية على نمط السويد ونحن في حالة حرب؟ ألا تعلن كل الدول في مثل هذه الظروف حالة الطوارئ، التي يمكن من خلالها معاقبة المرتزقة الذين يبيعون أنفسهم ومعاقبتهم لأنهم يمثلون الطابور الخامس للعدو، والذي يسعى إلى التخريب من الداخل.
لقد عاش شعب كردستان العراق ظروفا صعبة في تاريخه جعلته يسلك سلوكا غريبا بعض الشيء.
فالإرتزاق واللهاث وراء المال هو الهم الشاغل للكثيرين.
وقد كان هذا جليا أيام حكم الدكتاتور صدام حسين، حيث أن عدد عناصر الجحوش المرتزقة التي تعمل لصالح نظام المقبور صدام تزيد بكثير عن عدد البيشمركة المسلحين من كل الأحزاب الكردية.
سرد لي صديق كردي عراقي من السليمانية تعرفت عليه في ألمانيا الطرفة التالية: كنا من بيشمركة الإتحاد الوطني الكردستاني الذي كان يتبع النهج الإشتراكي، وكنا نقول لمسؤولينا، إذا كان الأمر كما تقولون بأن على الأقلية أن تتبع الأغلبية، فإن عليناجميعا أن نلقي السلاح وننضم إلى الجحوش المرتزقة، لأن عددهم يتجاوز ال 170 ألف مقاتل وأما عددنا نحن البيشمركة فلا يتجاوز ال 40 ألف مقاتل.
فهل يعتقد أحد بأن عقلية الإرتزاق لدى الجحوش يمكنها أن تزول بسرعة؟ ولذا أتسائل هنا إن كان قرار العفو عنهم جميعا بدون قيد أو شرط صحيحا؟
لمست من أغلبية الناس الذين إلتقيتهم في كردستان العراق خلال زيارتي الأخيرة وكانت الأولى قبل شهرين، لامبالاة مؤلمة ومثيرة تجاه مصير الأجزاء الأخرى من كردستان وحتى تجاه كردستان العراق ذاته.
هذا الأمر ألاحظه هنا في أوروبا أيضا من خلال علاقاتي ومحادثاتي مع العديد من الكرد العراقيين الذين لا يودون العودة إلى الوطن ويفضلون البقاء والعيش هنا في البؤس والذل أمام أبواب دوائر المساعدة الإجتماعية، بالرغم من أن الأوضاع الإقتصادية في كردستان بألف خير والأحوال ميسورة وفرص العمل متوفرة ويتحجج هؤلاء بأن الأمور ما زالت غير مستقرة وأن البعثيين ربما يعودون قريبا، أي أنهم ينتظرون حتى تستقر الأمور نهائيا وأنهم غير راغبين أبدا بتقديم أدنى تضحية من أجل تثبيت هذا الإستقرار الذي وصل إليه حال إقليم كردستان.
وفي ظل هذه الظروف بالتحديد تشتد هذه الحملة المسعورة على شخص الرئيس الرمز مسعود بارزاني، الذي كان وما يزال صمام الأمان في وجه المخاطر التي تواجه الأمة الكردية من جميع الإتجاهات.
فهل سنعيد حساباتنا من جديد بخصوص المرتزقة؟
16.05.2010