« داود أوغلو » يهزم « أتاتورك »

صلاح بدرالدين

    في مقابلته الصحفية بتاريخ الرابع من أيار – مايو – الجاري مع رئيس تحرير صحيفة – الحياة – اللندنية تطرق وزير خارجية تركيا أحمد داود أوغلو الى مختلف القضايا السياسية التي تشغل اهتمامات تركيا ومنطقة الشرق الأوسط وبينها القضية الفلسطينية والصراع الاسرائيلي العربي والأزمة الايرانية والعلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا والوضع في لبنان والعراق واذا كان وزير الخارجية التركية قد قام وبصورة مألوفة بتكرار توضيح موقف بلاده من معظم هذه المسائل وهو معروف لدى متابعي السياسات التركية التقليدية الا أن الجديد الأهم الذي يرقى الى مصاف الشؤون الاستراتيجية والذي قد يطرح للمرة الأولى في تاريخ الدبلوماسية التركية في العصر الحديث هو الموقف المستجد من المسألتين التاليتين اللتين تتعلقان بالكرد والقضية الكردية وهما :
 المسألة الأولى سياسية وهي تسليم وزير خارجية تركيا وبصفته الرسمية بكردستان العراق والاستخدام العلني لعبارة كردستان المحظورة في القاموس التركي الرسمي  وهذا يحصل حسب علمي للمرة الأولى في تاريخ تركيا وفي عهد حكومة – العدل والبناء – بزعامة أردوغان بعد تجاهل مقصود دام عقودا والاستمرار في اطلاق تسميات أخرى على اقليم كردستان العراق من قبيل شمال العراق أو الكيان القبلي أو المنطقة الخارجة على القانون أو وادي الذئاب حسب المسلسل التركي الذائع الصيت المعمول تحت أنظار الأجهزة الأمنية وذلك من خلال اجابته على سؤال حول شعوره عندما حطت طائرته في أربيل ومصافحته للسيد مسعود بارزاني رئيس الاقليم حيث قال بالحرف : ” كردستان العراق مكان خاص والناس في أربيل قريبون مني كأبناء منطقتي لأنهم أيضا أقرباء لنا بغض النظر عن أصولهم ”  .

 المسألة الثانية تاريخية وهي قبوله بوجود الكتلة الكردية في المنطقة الى جانب التكتلات العربية والتركية والايرانية وتعهده بحل مشاكلها وقد أفصح عن ذلك في أكثر من مناسبة ومكان عندما قال ” ندعو العراق ولبنان إلى عدم اعتماد سياسات مذهبية أو إثنية.

لا أحد يمكنه أن يغيّر عرقه.

الله خلقنا إما عرباً أو أتراكاً أو إيرانيين أو أكرادا.

.

لا يمكننا تغيير ذلك.

ولذلك فإن السياسة يمكن تغييرها لكن الإثنية لا يمكن تغييرها.

تركيا اليوم لا تريد الهيمنة على المنطقة ولن تسعى إلى ذلك مستقبلاً.

ذلك الماضي التاريخي يضعنا أمام مسؤوليات أكبر لحل مشاكل منطقتنا.

ونحن نحاول القيام بذلك إزاء جميع إخواننا سواء كانوا من العراب أو الأكراد أو الإيرانيين ” وهذه المراجعة التاريخية بقراءتها الواقعية للجيوبوليتيك والمكونات القومية لسكان المنطقة الأصليين وبينهم الكرد اختراق للمفهوم السائد لدى الأوساط الحاكمة ودعوة لاعادة النظر في كتابة تاريخ المنطقة وتبديل مناهج التربية والتعليم من مرحلة الحضانة انتهاء بالمعاهد والجامعات .


  الموقف المستجد للمسؤول التركي الذي يعبر عن وجهة نظر حكومته يعتبر بدون شك خطوة بالاتجاه الصحيح وبمثابة عودة عن خطأ تاريخي فظيع أقترفته الأنظمة والحكومات التركية منذ القدم وخصوصا بعد انبثاق الجمهورية التركية الحديثة على أنقاض السلطنة العثمانية ومحاولة لازالة آثار الآيديولوجية الكمالية – الطورانية – الرافضة لأي عنصر آخر ماعدا الترك وهو تراجع عن موقف تركيا المتجاهل والمعادي لوجود  وحقوق شعب كردستان العراق منذ معاهدات وأحلاف سعد أباد وبغداد مرورا باتفاقية آذار للحكم الذاتي لعام 1970 وفدرالية الاقليم منذ 1992 وحتى الآن وتجاوز لكل الاتفاقات الثنائية والثلاثية مع نظام صدام المقبور ومع نظامي سوريا وايران السرية منها والعلنية المبرمة بخصوص تصفية أو اجهاض تجربة وانجازات اقليم كردستان العراق الفدرالي ورغم أهمية الخطوة هذه الاأنها تبقى ناقصة ومبتورة مالم تستكمل بالاعتراف الرسمي والعلني بكردستان تركيا وحقوق شعبها وقد كان أولى بالمسؤول التركي أن يبدأ ببلاده أولا فقد آن الأوان أن يتم تصحيح الخطأ نفسه والذي أوقع البلاد في أتون الحرب والمواجهات وتسبب في اهراق دماء مئات الآلوف من الكرد والترك والقوميات الأخرى وضرب الوحدة الوطنية وحرمان ملايين الكرد من حقوقهم الانسانية والسياسية والقومية وتحويل كردستان تركيا الى حقل تجارب للفاشيين والعنصريين .
  ان أهمية الموقف المستجد حول كردستان العراق تكمن بالاضافة الى مضمونها السياسي في أنه أعلن للمرة الأولى في صحيفة عربية واسعة الانتشار وتزامن مع توقيت الزيارة المزمعة لرئيس اقليم كردستان العراق السيد مسعود بارزاني الى أنقرة قريبا بناء على دعوة رسمية وفي وقت يمر فيه العراق بظروف تكاد تقود الى أجواء الفراغ الدستوري وانتظار الجميع لنيل الاستحقاقات بما في ذلك تطبيق المادة 140 من الدستور المتعلقة بكركوك والمناطق الأخرى المستقطعة من اقليم كردستان من خلال تشكيل الحكومة الجديدة وبرنامجها المرتقب بعد انجاز الانتخابات التشريعية .
  ان تأكيد وزير الخارجية التركية على مسلمات وجود كيان فدرالي شرعي باسم كردستان العراق والاشادة بالرئيس بارزاني وقبول كرد المنطقة كمكون رئيسي لهم مشكلة تنتظر الحل يعتبر في نظر المحللين والمتابعين استكمالا لنهج الرئيس التركي الراحل توركوت أوزال وتعبيرا عن مواقف أوساط واسعة من المثقفين الأتراك والطبقات الاجتماعية المنتجة والتواقة الى السلم الأهلي والتعايش التركي – الكردي وفي الوقت ذاته يشكل ردا حاسما على محاولات أعداء السلام والمصالحة في تركيا ورسالة سياسية الى أكثر من جهة ان كانوا في صفوف الطغمة العسكرية أو التيارات الشوفينية في السلطة وخارجها أو المتضررين في الجانب الكردي الذين يرفضون العلاقة الطبيعية السياسية والاقتصادية بين تركيا واقليم كردستان والتي تعززت مؤخرا بزيارة السيد نيجيرفان بارزاني لتركيا ومباحثاته مع المسؤولين وفي مقدمتهم رئيس الحكومة ووزير الخارجية مقابل ذلك حصلت في الأيام القليلة الماضية أعمال عنف ومواجهات دامية بين مسلحي ب ك ك والجيش التركي فسرها المراقبون كموقف سياسي مناوىء لأي تقارب تركي – كردي عراقي وتشويش على الزيارة المرتقبة لرئيس الاقليم .
  من المعلوم أن اقليم كردستان العراق ترتبط بعلاقات اقتصادية مزدهرة مع تركيا حيث تصل الاستثمارات المشتركة الى حدود عشرة مليارات دولارتفوق بذلك حجم الشراكة الاقتصادية التركية مع كل دولة من دول الجوار على حدة ولاشك أن مصالح شعب الاقليم تتطلب الحفاظ على هذه الشراكة المنتجة والمجدية مع تركيا بحكم القرب الجغرافي والتداخل القومي – الثقافي وتطويرها بغية تحقيق استكمال أسس البنية التحتية للكيان الفدرالي وانجاز المشاريع خاصة في مجالات البناء والاعمار ونقل التكنولوجيا الحديثة واستخراج وتكرير وتسويق النفط  .

  سيشكل التحول السياسي الايجابي في الموقف الرسمي التركي عاملا آخر من عوامل نجاح زيارة السيد رئيس الاقليم بخصوص تعزيز العلاقات الثنائية من جهة وتحسين شروط تحقيق دعوة الأشقاء في قيادة الاقليم الى الحل السلمي للقضية الكردية في تركيا عبر الحوار بمعزل عن الحلول العسكرية والعنف المضاد والمطروحة منذ أعوام وهو أمر اذا تحقق سيكون لمصلحة جميع الأطراف وفي خدمة السلم والعيش المشترك .

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…