إلى من يهمه الرد: أحزابنا الكردية لا بديل عنها – مظاهرة أمنستي في الميزان-

أمين عمر

منذ ستينات القرن الماضي وحتى وقتٍ قريب لم أسمع يوماً بأي  تجمع ٍ غير حزبي ، أو  بأي شخص ٍ أسمه ، مستقل ، قد تجرأ ورفع رأسه في سوريا بعمل نضالي ذو نكهة كردية في مواجهة السلطة – باستثناء الشهيد الخزنوي – ولنقل مثلاً قيامهم بأضعف النضال ، كالاحتفال بعيد النوروز أو إقامة ندوة ما ، لاستذكار قائدٍ كردي أو أحياء مناسبة كردية ما ، لقطع الطريق أمام الأحزاب الكردية ، تلك الأحزاب التي يدّعي الغير أن قادتها ثـــُلة فاسدة ويجب إقامة الحد عليهم ، لشرشحتهم أمام الشعب الكردي ورفع صفة النضال والوطنية عنهم ، تلك الأحزاب الهشة والمعطوبة كما يتكرر في كتابات البعض، حتى بدت كمقدمة ثابتة لما يخطونه و أصبحت رمز مقدس كالنشيد القومي لافتتاحيات مقالاتهم
 هذا الذي يشبه الهراء اليومي أصبح كالعواصف الصوتية التي تتزامن مع نشراتهم الجوية دون أن تمطر سوى النحيب الناتج عن الخيبة التي جنوها جراء أحلامهم التحررية منذ عقود الثلاث، الماضية ، ومن ثم الدعوة للعودة إلى ما قبل نقطة البداية ، والحق يقال أن تلك الكلمات التي تتلى بشكل مكرر وتباعا كـ – الدجل، العطب، الفساد، الانحطاط – لا تناسب شيء سوى هامات مقالاتهم ، والتي تأتي بالنهاية في خانة ضد أي عمل نضالي كردي تقوم به تلك الأحزاب وخاصة عندما تكون مجتمعة ، ومادام السؤال واضح وجوابه النفي – إلا إذا أزاح احدهم الستار عن مفاجأة مرصودة ليومنا هذا وتقدم بدليل ما ، فيذكرنا بتاريخ مظاهرة كردية في الوطن ، قام بها مجموعة من الأشاوس المستقلين في القامشلي أو غيرها ، عندها سنلوي أعناقنا احتراماً للنضالات القادمة، لهؤلاء المغاوير، الذين يتهجمون على الحركة الكردية ، غداة وعشية ، وسنمجد تاريخ مظاهراتهم الغير مرئية التي ربما حدثت برفقة – أليس في وطن العجائب – دون أن نسمع بها ، وحتى يثبت العكس فان الجواب هو النفي وهذا يثبت من دون تعليق أن المعطوبين والفاسدين من داخل الأحزاب على حد أناشيد طيّبو الذكر ” المسقفين ” والسين هنا لتحفظنا الشديد على حرف الثاء في موضعها السابق في كلمة المثقفين ، لذا فهؤلاء المتحزبين المعطوبين هم الأبطال الذين تأبطوا شر النضال ، والآخرين ، المستقلين ، الغيارى ، الخيارى والنشامى فليعينهم الله على بطولاتهم الناشئة في أوروبا ، وأستطيع الجزم لو لا أن الأحزاب الكردية كسرت حاجز الخوف في بداية الثمانينات واحتفلت بعيد النوروز بشكل علني لكان هؤلاء المستقلين الآن في جدال ، هل عيد نوروز في آذار أم في نيسان ،

لذا فليس مستغربا ما يقال ، أن قسماً كبيراً من المستقلين عندما يتعرض للاعتقال ، فأول ما يتمسك هؤلاء الميامين ، الأبطال هي ترديد أناشيد البراءة من الأحزاب الكردية ويغلظون القسم على ذلك، ولا نعرف لماذا ؟ ألأنّ تلك الأحزاب هشة ، قزمة ولا تليق بقاماتهم النضالية وتشعرهم بالخجل المزمن أمام المحققين – هذا إن جاز التعبير باستخدام كلمة المحقق على طارحي الأسئلة تلك – أم أنها أحزاب رديفة للسلطة فيفضلون الموت على النضال تحت لوائها ، أم إنهم يا ترى يدركون الحقيقة الحاضرة المُغيّبة وهي أن تلك الأحزاب رغم نواقصها هي التي تحسب لها السلطة بعض الحساب لا لغيرها ، والبراءة منها يعني سرتفيكا الخلاص من المعتقل.
في أوربا ومع انقراض آفة الخوف من الاعتقال والتعذيب ومع الجلوس على كرسي السوسيال دون الخوف من الجوع أو الحرمان من الوظيفة ، فالكل يرى نفسه قائدا ويجب عليه اتخاذ الموقف والقرار الحاسم ، لإنقاذ الأمة ، وطالما الخسائر و الأضرار لا تزيد في أسوء الحالات  عن تذكرة قطار ، لذا فمع اقتراب أي حدث تراهم يسارعون الخطى وحتى قبل وصول المناسبة المسكينة بأيام، ترى المناضلين قد قاموا بالواجب وأكرموها أيما إكرام فترى المناسبة مستوية و قيد التحضير والانجاز، احتفالاً كانت أم مظاهرة، فلا يصيبك العجب أن رأيت عشرات المترصدين بالانتظار ، طالما اغلب الحاضرين والقائمين بالواجب في حالة اضطرار أكثر منها للنضال ،الشيء الوحيد الذي لم يفعلوه أو لم يتجرؤوا فعله هو الاحتفال بميلاد الأحزاب عوضاً عن الأحزاب.
قبل قدوم يوم ، ما يسمى بعيد الجلاء بفترة دعت منظمة العفو الدولية مشكورة  لتظاهرات في ذاك اليوم تضامنا مع المعتقلين السوريين وتحديدا مع القديرين المالح والبني ، وما أن أذيع الخبر حتى انتشر كأنتشار النار في الهشيم و سارع المستقلين أو تجاوزاً بعض الحقوقيين والمعارضين كعادتهم لقطع الطريق أمام الأحزاب الكردية وكأن صراعهم مع الأحزاب الكردية لا مع السلطة ، وكأن تلك الأحزاب ستمانع هكذا مظاهرات ، وزين لهم الانترنيت بأن الجاليات الكردية لا تتنفس إلا بأوامرهم ، حيث توجهوا بسرعة قل نظيرها نضاليا للحصول على التراخيص وكأنها أوامر إخلاء سبيل المعتقلين ، وما أن احكموا قبضتهم على قدر و سير المظاهرات وتيقنوا بان الخيوط أصبحت في أيديهم وسيمشون المناسبة على هواهم ، أول ما طلبوه عدم رفع الأعلام الكردية أو أية رموز كردية ودعوا لعدم حضور الأحزاب الكردية كأحزاب باسمها بل طلب منهم الحضور فرادى و متفرقين وكأن الكرد دمى و بيادق بين أيديهم ، والحق أنهم نجحوا أيما نجاح بإبعاد الأحزاب الكردية والنقطة التي تسجل لهم أنهم سمحوا برفع صور بعض المعتقلين الكرد مع السماح للتكلم باللغة الكردية أثناء المظاهرة.
ومع أن السوريين المنفيين والمغتربين يزيدون عن سكان دمشق بأكملها إلا أن أعداد الذين خرجوا ليكسروا الصمت في ذاك اليوم لم يتعدى قاطني شارع فرعي في حي – زورافا – وكان صوتهم مبحوحاً ولم يستطيعوا كسر حاجز الصمت الذي خرجوا من أجله.
وهكذا ضُيّعت الفرصة ، وما كان الضير لو تم التعامل بمسؤولية مع الأحزاب الكردية وما الضير لو استظلت الأعلام الكردية والأشورية بالعلم السوري أثناء المظاهرة ، أوليس العلم الكردي يرمز إلى مكون لا بأس به من النسيج السوري ، ولكن يتم تجاهله فيضطرالكرد  لإثبات الذات برفع الأعلام والشعارات أو أي شيء يبعث فيه الشعور ليعبر عن ذاته وخصوصيته ، وهل كل من يحمل علماً ينادي بالاستقلال ، وهل عندما نحمل أعلام البرازيل عند فوزها في مباراة كرة قدم يعني إننا نطالب باقتطاع بلدنا لضمه للبرازيل.
المناسبة أثبتت أن المعارضة السورية وأبطال البالتك والمستقلين ومن يرقص على أنغامهم ، لا شيء من دون الأحزاب الكردية وأعداد الحضور كانت كافية لتبرهن هذا القول رغم مشاركة خجولة من بعض منظمات الحزبية التي تهوى مشاركة برنامج الاتجاه المعاكس حتى من دون دعوة.
السؤال مادام القائمين على المظاهرات كانوا على دراية بقوتهم ويدركون أنهم بالكاد ” يمنون ” على عائلاتهم ، فلماذا قاموا بعمل اكبر من طاقتهم بأضعاف مضاعفة وأضاعوا الفرصة ، وان كان قصدهم النجاح ، فلماذا لم يطلبوا مشورة الأحزاب ولم يتوددوا إليهم، فلنقل إكراماً للمعتقلين ، ولكن العكس ما حصل ، من استفزاز الأحزاب والكرد بشكل عام.

فهل ستتعلم المعارضة من درس مظاهرة منظمة العفو ، لتعرف حجمها الحقيقي من دون الأحزاب الكردية ، ألا يزيدنا هذا الحدث تيقناً ، بان لا بديل عن أحزابنا الكردية ، أليس على الأخوة المستقلين والحقوقيين الكرد أن يكونوا دعما وسندا لهذه الأحزاب والسعي للمساعدة ، لتقاربٍ أكثر بينهم ، لا أن يضيفوا أنفسهم طرفاً إضافياً للمعضلات القائمة.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لقطات من المسافة صفر: يقف عند باب منزله في الشيخ مقصود، ذات صباح أسود، وهو يحدق في الجدران التي شهدت تفاصيل حياته. على هذا الحائط علّق صورة عائلته الصغيرة، وعلى ذاك الركن كانت أول خطوات طفله. كل شيء هنا يروي حكاية وجوده، لكن اللحظة الآن تعني الفقد. جمع بضع” حاجيات” في حقيبة مهترئة، نظراته ممتلئة بالحزن، وكأنها تقول…

عبدالرحمن كلو يبدو أن منطقة الشرق الأوسط أمام معادلة توازنية جديدة وخارطة علاقات أساسها أنقاض المشروع الشيعي العقائدي المهزوم. ويمكن تسمية المرحلة على أنها مرحلة ما بعد هزيمة دولة ولاية الفقيه. فحرب غزة التي أشعلتها إيران نيرانها أشعلت المنطقة برمتها، ولم تنتهِ بصفقة أو صفقات كما توقع البعض، إذ خابت كل التوقعات والمراهنات بما في ذلك مراهنات البيت…

قهرمان مرعان آغا تقع موصل على خط العرض 36.35 على إمتداد إحداثيات موقع حلب 36.20 بالنسبة للحدود السياسية التركية جنوباً ، والنظر إلى الخريطة تفيد إنها تقع على خط نظري واحد و تعتبر تركيا هذه المساحات مجالها الحيوي منذ تشكلها كدولة إشكالية سواء من حيث الجغرافيا أو السكان وتتذرع بحماية بأمنها القومي و ضرورة رسم منطقة آمنة لها ، لكنها…

إبراهيم اليوسف إلى أين نحن ذاهبون؟ في الحرب الغامضة! ها نحن نقف على حافة التحول المباغت أو داخل لجته، في عالم يغمره الغموض والخداع، في مواجهة أحداث تُحاك خيوطها في غرف مغلقة لا يدخلها إلا قلة قليلة. هذا الزمن، بملامحه الغامضة، رغم توافر أسباب وضوح حبة الرمل في قيعان البحار، ما يجعلنا شهودًا على مأساة متكررة…