لذا فليس مستغربا ما يقال ، أن قسماً كبيراً من المستقلين عندما يتعرض للاعتقال ، فأول ما يتمسك هؤلاء الميامين ، الأبطال هي ترديد أناشيد البراءة من الأحزاب الكردية ويغلظون القسم على ذلك، ولا نعرف لماذا ؟ ألأنّ تلك الأحزاب هشة ، قزمة ولا تليق بقاماتهم النضالية وتشعرهم بالخجل المزمن أمام المحققين – هذا إن جاز التعبير باستخدام كلمة المحقق على طارحي الأسئلة تلك – أم أنها أحزاب رديفة للسلطة فيفضلون الموت على النضال تحت لوائها ، أم إنهم يا ترى يدركون الحقيقة الحاضرة المُغيّبة وهي أن تلك الأحزاب رغم نواقصها هي التي تحسب لها السلطة بعض الحساب لا لغيرها ، والبراءة منها يعني سرتفيكا الخلاص من المعتقل.
في أوربا ومع انقراض آفة الخوف من الاعتقال والتعذيب ومع الجلوس على كرسي السوسيال دون الخوف من الجوع أو الحرمان من الوظيفة ، فالكل يرى نفسه قائدا ويجب عليه اتخاذ الموقف والقرار الحاسم ، لإنقاذ الأمة ، وطالما الخسائر و الأضرار لا تزيد في أسوء الحالات عن تذكرة قطار ، لذا فمع اقتراب أي حدث تراهم يسارعون الخطى وحتى قبل وصول المناسبة المسكينة بأيام، ترى المناضلين قد قاموا بالواجب وأكرموها أيما إكرام فترى المناسبة مستوية و قيد التحضير والانجاز، احتفالاً كانت أم مظاهرة، فلا يصيبك العجب أن رأيت عشرات المترصدين بالانتظار ، طالما اغلب الحاضرين والقائمين بالواجب في حالة اضطرار أكثر منها للنضال ،الشيء الوحيد الذي لم يفعلوه أو لم يتجرؤوا فعله هو الاحتفال بميلاد الأحزاب عوضاً عن الأحزاب.
قبل قدوم يوم ، ما يسمى بعيد الجلاء بفترة دعت منظمة العفو الدولية مشكورة لتظاهرات في ذاك اليوم تضامنا مع المعتقلين السوريين وتحديدا مع القديرين المالح والبني ، وما أن أذيع الخبر حتى انتشر كأنتشار النار في الهشيم و سارع المستقلين أو تجاوزاً بعض الحقوقيين والمعارضين كعادتهم لقطع الطريق أمام الأحزاب الكردية وكأن صراعهم مع الأحزاب الكردية لا مع السلطة ، وكأن تلك الأحزاب ستمانع هكذا مظاهرات ، وزين لهم الانترنيت بأن الجاليات الكردية لا تتنفس إلا بأوامرهم ، حيث توجهوا بسرعة قل نظيرها نضاليا للحصول على التراخيص وكأنها أوامر إخلاء سبيل المعتقلين ، وما أن احكموا قبضتهم على قدر و سير المظاهرات وتيقنوا بان الخيوط أصبحت في أيديهم وسيمشون المناسبة على هواهم ، أول ما طلبوه عدم رفع الأعلام الكردية أو أية رموز كردية ودعوا لعدم حضور الأحزاب الكردية كأحزاب باسمها بل طلب منهم الحضور فرادى و متفرقين وكأن الكرد دمى و بيادق بين أيديهم ، والحق أنهم نجحوا أيما نجاح بإبعاد الأحزاب الكردية والنقطة التي تسجل لهم أنهم سمحوا برفع صور بعض المعتقلين الكرد مع السماح للتكلم باللغة الكردية أثناء المظاهرة.
ومع أن السوريين المنفيين والمغتربين يزيدون عن سكان دمشق بأكملها إلا أن أعداد الذين خرجوا ليكسروا الصمت في ذاك اليوم لم يتعدى قاطني شارع فرعي في حي – زورافا – وكان صوتهم مبحوحاً ولم يستطيعوا كسر حاجز الصمت الذي خرجوا من أجله.
وهكذا ضُيّعت الفرصة ، وما كان الضير لو تم التعامل بمسؤولية مع الأحزاب الكردية وما الضير لو استظلت الأعلام الكردية والأشورية بالعلم السوري أثناء المظاهرة ، أوليس العلم الكردي يرمز إلى مكون لا بأس به من النسيج السوري ، ولكن يتم تجاهله فيضطرالكرد لإثبات الذات برفع الأعلام والشعارات أو أي شيء يبعث فيه الشعور ليعبر عن ذاته وخصوصيته ، وهل كل من يحمل علماً ينادي بالاستقلال ، وهل عندما نحمل أعلام البرازيل عند فوزها في مباراة كرة قدم يعني إننا نطالب باقتطاع بلدنا لضمه للبرازيل.
المناسبة أثبتت أن المعارضة السورية وأبطال البالتك والمستقلين ومن يرقص على أنغامهم ، لا شيء من دون الأحزاب الكردية وأعداد الحضور كانت كافية لتبرهن هذا القول رغم مشاركة خجولة من بعض منظمات الحزبية التي تهوى مشاركة برنامج الاتجاه المعاكس حتى من دون دعوة.
السؤال مادام القائمين على المظاهرات كانوا على دراية بقوتهم ويدركون أنهم بالكاد ” يمنون ” على عائلاتهم ، فلماذا قاموا بعمل اكبر من طاقتهم بأضعاف مضاعفة وأضاعوا الفرصة ، وان كان قصدهم النجاح ، فلماذا لم يطلبوا مشورة الأحزاب ولم يتوددوا إليهم، فلنقل إكراماً للمعتقلين ، ولكن العكس ما حصل ، من استفزاز الأحزاب والكرد بشكل عام.