Dilruba-12@hotmail.com
عمليات الأنفال تلك السيئة الصيت التي ارتكبت فيها أبشع المجازر وحملات الإبادة الجماعية (الجينوسايد) بحق الأكراد العزل في جنوب كردستان.
وقد يكون تغيير الاسم من عمليات الأنفال الى مسالخ الأنفال أكثر عدلا وأكثر إيماءً, فقد كانت مسالخ بكل حق , لم تهدف الى سلخ روح الكردي عن جسده فحسب بل الى سلخه عن أرضه ووطنه وحضارته وتاريخه وقوميته.
وتعد عمليات الأنفال الى جانب كارثة هيروشيما ومحارق اليهود في ألمانيا النازية (الهولوكوست) وعمليات الإبادة لكل من الأرمن والروانديين وكذلك إبادة المسلمين في يوغسلافيا السابقة من أبشع ما اقترفه الإنسان تجاه أخيه الإنسان في العصور الحديثة.
تعريف عمليات الأنفال:
هي جرائم الإبادة الجماعية (الجينوسايد) ضد الشعب الكردي الأعزل في العراق ,وقد ارتكبها النظام البعثي المقبور بقيادة طاغوت عصره صدام حسين وغلامه السفاح علي الكيماوي ,وهي مؤلفة من ثماني مراحل بدأت في النصف الثاني من شهر شباط عام 1988م وانتهت في النصف الأول من شهر أيلول ذات العام.
معنى الأنفال :
الأنفال هي السورة الثامنة من القرآن الكريم ,وقد سمى صدام حسين العمليات بالأنفال للتأييد الشعبي ولكسب أصوات الشارع الإسلامي , والذي يبدو انه نجح في مسعاه حينذاك ,فالشارع الإسلامي لم يحرك ساكنا تجاه هذه المجازر.
والأنفال هي الكلمة التي وردت في الآية الأولى من سورة الأنفال,قال تعالى:
( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ فَاتَّقُواْ اللّهَ وَأَصْلِحُواْ ذَاتَ بِيْنِكُم ْوَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ )
والأنفال في الآية تعني الغنائم , حيث اختلف الجنود المسلمون فيما بينهم بشان توزيع الغنائم في غزوة بدر فنزلت الآية تبيانا ووقفا للخلاف.
أسباب عمليات الأنفال :
لم يكن هناك أسباب لعمليات الأنفال بل كان هناك سببا واحدا لا غيره, وهو انه يجب إبادة الأكراد وتطهيرهم وإذابتهم في بوتقة المجتمع العراقي العربي ,وكانوا قد تحججوا بأسباب واهية وهي أن الأكراد موالون للإيرانيين في الحرب العراقية الإيرانية (حرب الخليج الأولى) .
عمليات الأنفال :
لقد مهد صدام حسين لعمليات الأنفال بتسليمه علي حسين المجيد منصب أمين سر مكتب تنظيم الشمال لحزب البعث في 29 آذار 1987م ,وبذلك منحه الصلاحيات المطلقة في شمال العراق وبدأ علي الكيماوي سياساته في شمال العراق بالإعدامات الجماعية للكرد وتدمير قراهم وتهجيرهم ونهب ممتلكاتهم وحجز الآلاف من النساء والأطفال والشيوخ لفترات طويلة ,وتدمير البنية التحتية لكردستان , ووصلت سياساته العنصرية الشوفينية لذروتها بعمليات الأنفال بمراحلها الثمان حيث شملت العمليات ست مناطق جغرافية وكان يسبق كل عملية قصفا مدفعيا وجويا مكثفا مع استخدام الأسلحة الكيميائية كغاز الخردل والسيانيد , وكانت المراحل الثماني كالتالي:
1- الأنفال الأولى بدأت بهجوم كبير صبيحة يوم 23 شباط 1988 على مقرات الاتحاد الوطني الكردستاني في سركلو و بركلو.
واستغرقت ثلاثة أسابيع بسبب المقاومة الشديدة التي أبدتها قوات البيشمركة.
ويدخل قصف حلبجة رغم انه لم يشكل جزءا من الأنفال في إطار الأنفال الأولى.
2- الأنفال الثانية في منطقة قرداغ و بدأت في 22 آذار أي بعد يوم واحد من عيد النوروز و استمرت حتى نهاية هذا الشهر.
3- الأنفال الثالثة و التي شملت منطقة كرميان بمحافظة كركوك و بدأت في 7 نيسان و استمرت حتى 20 من نفس الشهر.
و كانت أوسع و أقسى صفحات الأنفال و أكثرها تدميرا سواء من حيث مساحة المناطق التي شملتها أو عدد المؤنفلين.
وكان الهدف هو تدمير كل الريف الكردي في هذه المحافظة و التخلص من اكبر عدد ممكن من الكرد لاستكمال عمليات التعريب التي بدأ البعث بتنفيذها منذ عام 1963 عندما وصل الى السلطة لأول مرة ليعود إلى تبنيها كإستراتيجية منذ السبعينات و لتصل الى مرحلة التطهير العرقي في الثمانينات و التسعينات.
و يعتقد بأن أكثر من 150 ألفا من مجموع 182 ألف من المؤنفلين أخذوا من ساحة عمليات الأنفال الثالثة فقط.
4- الأنفال الرابعة و شملت حوض الزاب الصغير في 7 و 8 أيار.
5- شملت الأنفال الرابعة و الخامسة و السادسة المناطق الجبلية بهولير.
وبدأت في 15 أيار و استمرت حتى 7 تموز و اضطر النظام أمام المقاومة الشديدة التي أبدتها البيشمركة لوقف العملية بأمر صادر من مكتب الديكتاتور (و يثبت هذا الأمر الدور المباشر لصدام حسين شخصيا في مسلخة الأنفال).
وتجددت الهجمات في الأنفال السادسة و السابعة في تموز و آب لتعلن القيادة العامة للقوات المسلحة عن تطهير المنطقة ممن سموا بالمخربين.
6- الأنفال الثامنة أو خاتمة الأنفال و بدأت بعد قبول إيران لوقف إطلاق النار في 8 / 8 / 1988 إذ تفرغت القوات العراقية لخاتمة مسالخ الأنفال و التي شملت منطقة بهدينان بشمال كردستان العراق و بدأت في 25 آب و استمرت حتى 6 أيلول من نفس العام لتعلن الحكومة عن النصر و العفو العام لصيد البقية الباقية من سكان المناطق المشمولة بالأنفالات .
كانت الخطة المتبعة في عمليات الأنفال هي نفسها تقريبا ، إذ يجري البدء بالقصف المدفعي و الجوي المكثف لعدة أيام مع استخدام الأسلحة الكيماوية ليبدأ بعد ذلك الهجوم البري بعد أن يكون قد جرى استكمال تطويق المنطقة المستهدفة من كل الجهات من قبل قوات الجيش الشعبي و ما كانت تسمى بأفواج الدفاع الوطني و سد جميع الطرق و الممرات لمنع هروب أي شخص الى خارج منطقة العمليات.
وأدت هذه العمليات الى مقتل عشرات الآلاف من السكان المدنيين و إلقاء القبض على كل من بقي على قيد الحياة و نهب جميع ممتلكاتهم و حيواناتهم و إضرام النار في البيوت و المزارع ، لتأتي بعد ذلك فرق الهندسة العسكرية لتقوم بتدمير القرى و تسويتها بالأرض.
وكانت الشاحنات العسكرية تقف على أهبة الاستعداد لنقل القرويين الى مراكز و معسكرات الاعتقال حيث يجري فصل النساء و الأطفال و كبار السن عن الرجال الذين ينقلون الى حيث لقوا مصيرهم المجهول.
وتقوم قوات المرتزقة الكرد بعد ذلك بتمشيط المنطقة و سفوح الجبال لإلقاء القبض على كل من تمكن من الإفلات ، بينما تقوم قوات الشرطة و الأمن و الجيش الشعبي بتمشيط القصبات و المجمعات السكنية لإلقاء القبض على كل تمكنوا من الإفلات من قبضة الجيش.
و انخدع الكثيرون بقرار العفو و سلموا أنفسهم ليلقوا نفس المصير.
و كان مهمة القوات النظامية تنتهي عند هذا الحد لتستلم قوات أخرى يعتقد بأنها قوات الأمن و المخابرات و المهمات الخاصة مهمة نقل و إخفاء أثر القرويين الكرد و عوائلهم الذين بلغ عددهم أكثر من 182 ألفا.
و هناك تقارير كثيرة تشير الى دفن عشرات الآلاف منهم في الصحراء الغربية على الحدود السعودية و الأردنية.وحدد بعض الناجين من مسالخ الأنفال مواقع عدد من المقابر الجماعية بالقرب من الرمادي و قرب مدينة حضر التاريخية جنوب الموصل و في صحراء السماوة.
كما يعتقد بوجود مقبرتين جماعيتين في جبل همرين إحداهما بين كركوك و تكريت و الأخرى الى الغرب من طوز خورماتو.
وهناك شواهد عديدة على إخضاع آلاف أخرى من هؤلاء التعساء للتجارب لمعرفة مفعول الأسلحة الكيماوية و البيولوجية العراقية.و جرى نقل أكثر من 8 آلاف شخص من كبار السن الى سجن نقرة السلمان حيث مات الكثيرون بسبب الحر و الجوع و العطش و الأمراض و أكلت الكلاب جثثهم.
نتائج عمليات الأنفال :
شهدت هذه العمليات المشئومة نتائج كارثية منها:
– قتل أكثر من 182 إلف مواطن كردي .
– تشريد أكثر من مليوني كردي.
– تدمير حوالي 4500 قرية وقصبة كردية ومسح أكثرها بالأرض.
– تجريف البساتين وقتل حتى الحيوانات.
المحاكمة:
إن الاتفاقية الدولية الخاصة بمنع جريمة الإبادة الجماعية (الجينو سايد) والمعاقبة عليها الصادرة من الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 2670 والمؤرخة في 9 كانون الأول 1948، والنافذة بتاريخ 12 كانون الثاني 1951، والتي صادقت عليها جميع الأطراف بما فيها العراق، حيث تشكل جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكب عن نية لإبادة كل أو جزء من مجموعة بشرية وطنية اثنيه عرقية أو دينية، سواء ما أرتكب منها في زمن السلم أو الحرب من جرائم القانون الدولي، وتشكل الجرائم المستمرة التي سميت (مجازر الأنفال)، صورة مطابقة لفقرات هذا القرار الدولي، كما ألحق القرار الدولي بقرار أخر برقم 2391 في 26 تشرين الثاني 1968 وأصبح نافذاً بتاريخ 11 تشرين الثاني 1970، اتفق فيه على عدم تقادم الجرائم المرتكبة ضد الإنسانية وجرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية بصرف النظر عن وقت ارتكابها، أي أن هذه الجرائم لا تسقط مهما تقادم ومر عليها الزمن.
وعلى هذا الأساس بدأت محاكمة المسئولين المباشرين عن مجازر الأنفال في 21 أب 2006 وهؤلاء القتلة هم:
– صدام حسين: الرئيس العراقي.
– علي حسن المجيد: أمين سر مكتب الشمال لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان مخولا صلاحيات خاصة يمارسها على شمالي العراق تعادل صلاحيات الرئيس.
– سلطان هاشم أحمد: القائد العسكري للحملة.
– صابر عبد العزيز الدوري: رئيس الاستخبارات العسكرية.
– حسين رشيد التكريتي : عضو القيادة العامة للقوات المسلحة العراقية والقائم بالعمليات.
– طاهر توفيق العاني: محافظ الموصل.
– فرحان مطلك الجبوري : مسئول الاستخبارات العسكرية في شمالي العراق.
إن عمليات الأنفال ستبقى للأبد لطخة سوداء على جبين الإنسانية كل الإنسانية ,ولا بد للإعلام الكردي المرئي والمسموع والمقروء والالكتروني على قدر مسؤوليته التاريخية لنقل هذه الصورة الى العالم , وليعرف العالم بأسره إن القضية الكردية هي قضية عادلة , وان الشعب الكردي شعب مظلوم ويستحق الحياة بكل حرية.