الأمر الآخر بذات الأهمية الاستراتيجية الذي تطرق اليه السيد نيجيرفان بارزاني في كلمته التأبينية أمام نعوش رفات العشرات من أطفال منطقة جمجمال الذين شاء قدر الطغاة أن لايكونوا اليوم شبابا بين أهلهم وذويهم يمارسون الحياة الطبيعية في ظل حكومة الاقليم الفدرالي كاداريين ومسؤولين وعلماء ومثقفين ودبلوماسيين وبرلمانيين وقضاة هو موضوعة علاقات الكرد مع المحيط العربي – الاسلامي والمقصود (كرد وعرب وترك وفرس) وصولا الى المحيط الأوسع والأشمل وخاصة تجاه العمق العربي والاسلامي في منطقة الشرق الأوسط وذلك عندما انتقد علانية الموقفين الرسمي والشعبي العربي والاسلامي في الصمت تجاه جرائم النظام السابق في حين نددت غالبية الدول والمنظمات الأوروبية والأجنبية الأخرى بتلك الجرائم بل اعتبرتها كجرائم ابادة بشرية وفي هذا السياق يقصد السيد بارزاني بأن الجوار الكردي من شعوب وأنظمة وحكومات مازالت تتحفظ اما على الحقوق الكردية وأحيانا على وجوده بعدم الاعتراف به كقومية مستقلة مميزة تتمتع بكافة علائم الشعب والأمة ويشكل هذا الموقف المتجاهل – المعادي قاعدة لبروز وتطبيق الحلول العسكرية تجاه القضية الكردية منذ عقود وما أنتجت من خسائر بشرية ومادية والتعامل مع حقوق الكرد المشروعة بنظرة أمنية بحتة وليس كقضية سياسية تحررية تتعلق بمصير شعب وحاضره ومستقبله الى درجة أن فئات وتيارات سياسية آيديولوجية وخاصة في أوساط العسكريتاريا صاحب السلطة والنفوذ ركبت موجة العداء للكرد وتصويرهم أمام الشعوب المجاورة كانفصاليين ومتمردين ومتسللين وخارجين على القانون ليتسنى لها التحكم بالسلطة باسم الأمن القومي والدفاع عن وحدة الأوطان مستخدمة في ذلك الأحكام العرفية وقوانين الطوارىء للجم الحركة الشعبية وخنق الديموقراطية وانتهاك الحريات على حساب التقدم الاقتصادي والتنمية والنتيجة هي خسارة الجميع كردا وعربا وتركا وفرسا .
نعم يريد السيد نيجيرفان بارزاني أن يعلم الجوار والأبعد من كيانات وأنظمة ومنظمات وحركات سياسية غير حكومية (قومية واسلامية ويسارية) بأن موقفهم خاطىء تجاه الكرد كشعب وكقضية وأن مبادىء الحرية وقيم الأخلاق المادية والروحية لاتتجزأ وأنه لايجوز أن تتبنى قضية عادلة في مكان ما من الكرة الأرضية وتدافع عن حقوق مكون ما في أحد أصقاع العالم وتتجاهل قضية عادلة تعايشها وتشارك مآسيها بل وتساهم في تفاقمها فأية عدالة هذه ؟ وعلى سبيل المثال هناك جامعة عربية تضم الدول العربية الثانية والعشرين وهناك امتداد كردستاني في دولتين عضوين فيها وهناك ما يكفي من علاقات تاريخية منذ أكثر من ثمانية قرون بين الكرد والعرب وهناك وشائج عميقة تربط الشعبين ولكن وحتى هذه اللحظة لاتعترف الجامعة بالوجود الكردي ناهيك عن حقوقه ويتشاطر أمينها العام في كل مناسبة من أن يحاول في جعل تركيا وايران عضون أصيلين أو مراقبين في الجامعة ويتجاهل الشعب الكردي الذي يشكل المكون القومي الرابع في الشرق الأوسط والأمر ذاته ينطبق على منظمة المؤتمر الاسلامي التي تضم غالبية الدول الاسلامية في العالم والى جانب ذلك نجد الغالبية الساحقة من منظمات المجتمع المدني العربية والاسلامية من أحزاب وجمعيات ومراكز بحث ونقابات مهنية تتطابق مواقفها الكردية في معظم الحالات مع المواقف الرسمية وتستبعد مثيلاتها الكردية من المؤتمرات واللقاءات وحتى من ورش التدريب ودورات التثقيف والتعريف بحقوق الانسان والشعوب والأقليات فأية مفارقة هذه ؟
أمام التردي الحاصل في الحركات الوطنية والديموقراطية المعارضة منها والموالية في الدول الأربع التي تقتسم كردستان والشعب الكردي والتراجعات والهزائم التي تمنى بها باتت الأنظار تتوجه الى الدول والحكومات رغم استبداديتها خاصة في بعض المنعطفات السياسية التي تشهدها شعوبنا فبالأمس القريب استقبل العاهل السعودي في الرياض رئيس اقليم كردستان السيد مسعود بارزاني وقلده وشاحا رفيعا ولاشك أنها لفتة معبرة مشكورة ولكن هل أعرب الملك عبدالله لضيفه الكبير الذي يرمز الى كل الكرد في العالم وليس كرد العراق فحسب عن موقف جديد حيال الكرد والقضية الكردية والفدرالية ؟ لقد قلد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات بعض الشخصيات العربية والعالمية أرفع وسام فلسطيني – درع الثورة الفلسطينية – وكان واحدا من تلك الأوسمة من نصيب كاتب هذه السطور في بداية ثمانينات القرن الماضي ببيروت حيث رافق التقلد كلمة من المقلد جاء فيه : ” تكريما لعلاقات الصداقة الفلسطينية الكردية واعتزازا بالشعب الكردي الشقيق وكفاحه العادل من أجل حق تقرير المصير وتثمينا لنضالكم المتواصل من أجل تمتين وتعزيز العلاقات الكردية العربية وباسم شعب فلسطين ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح – نمنحكم درع الثورة الفلسطينية عربونا للصداقة والتآخي والله ولي التوفيق “.