السياسة المتبعة في سوريا والوضع الداخلي المتأزم

  صوت الكورد *

يمكن لأي مراقب متابع أن يلاحظ صعوبة الحياة الداخلية بمختلف جوانبها في ظل السياسة الداخلية المتبعة في سوريا, والمفترض فيها أن تكون على مستوى الاهتمام الفعلي بقضايا الشعب, والإصغاء إلى متطلبات معيشته ومعاناته, بعيدا عن التركيز على مصالح ورغبات بعض المستفيدين في الإدارة والتنفيذ في مختلف مرافق وقطاعات الدولة, ممن يشكلون عبئا على الحياة العامة, وعائقا أمام تطورها وتوفير مستلزمات العيش المتوازن والرغيد ولقمة العيش, والتحلي في ذلك بروح المسؤولية, تجاه الوطن والمواطن, للحد من ظاهرة الفساد المستشري, والتدهور الحاصل على كافة الأصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية, مما أدى إلى ارتفاع مستوى البطالة والفقر, وتفاقم الغلاء في مواد التدفئة والسلع الغذائية, والمواد الاستهلاكية
حيث تفاقم الوضع المعيشي إلى درجة أدت إلى الهجرة في الداخل والخارج, ليأتي القانون/ 49/ مضاعفا الحالة في المناطق الكوردية, والتي باتت تعاني أزمة اقتصادية حقيقة جراء السياسات الاستثنائية المتبعة ضد الوجود الكوردي, في تمييز مهين ومذل, ومشاريع عنصرية تستهدف وجوده وحياته, مع ما يحمل من قيم المواطنة والمشاركة في واجبه الوطني على مدى التاريخ, وبمنتهى الحس الوطني, ليتحول هذا الواقع المزري إلى توقف وتعطل للحياة الاقتصادية, في مختلف جوانب البيع والشراء والرهن والاستئجار والعمل المكتبي الميداني والمياوم والمقاول, بحجة كون المنطقة من المحافظات الحدودية, لتدفع بآلاف المهاجرين إلى أحزمة الفقر في ضواحي المدن السورية الكبيرة, أو البحث في الدول المجاورة عن فرص للعمل, لسد الجوع والفاقة والحرمان, لتنتظرهم في عودتهم التحقيقات والمضايقات الأمنية المتعددة, والتي اشتدت وتيرتها في الآونة الأخيرة, رغم الظروف القاسية المحيطة بالهجرة, وأعبائها إلى درجة الاضطرار لبيع كل ما يملكه المهاجر من عقارات ودور, وأثاث منزل, ودفع إلى المجهول مع ابتزاز عصابات التهريب والهجرة غير الشرعية.


ومع حلول موسم البرد لم تقم شيكات التدفئة المقدمة, والتي صرفت على دفعتين إلا بذر الرماد في العيون, لتظهر حجم الأزمة والمعاناة التي يجدها المواطن السوري, وهو يتدافع بأعداد هائلة نحو المراكز الرسمية وسط الزحام من أجل الحصول على ذلك المبلغ الزهيد “عشرة آلاف على دفعتين “, لتأمين الحاجات الأساسية إلى جانب التدفئة الباهظة التكاليف, وفي ظل معاناة معيشية قاهرة ومذلة, مع تزايد نسبة العاطلين عن العمل, ومع بروز تعقيدات ظروف التوظيف في مؤسسات ودوائر الدولة في وجه طالبيه, وبخاصة من خريجي المعاهد والجامعات من الطلبة الكورد, الذين أنفقوا في سبيل الوصول إلى التخصص جهودا وأموالا طائلة, وبذلوا عناء كبيرا.


وتبقى ظاهرة القمع واستشراء الفساد واضحة كظاهرة عيانية في الترغيب والترهيب, حيث لا تزال ظاهرة الاعتقال المستمر بحق الناشطين وذوي الرأي, والسياسيين الوطنيين من سائر المكونات ومن الكورد قائمة, والحكم عليهم بأحكام قاسية, كما تشمل هذه الإجراءات من يرفض التوجه الأحادي القائم على رفض وإنكار الآخرين, وتوجيه دفة السياسة لخدمة مكون واحد هو المكون العربي, مما يخلق حالة مزرية من غياب الكفاءات والقدرات التخصصية والأكاديمية , والكوادر الفنية حيث تسند كثير من المهام والمسؤوليات بحكم تلك الاعتبارات والمحسوبيات إلى قدرات وكفاءات متدنية, والتي كان من المفترض أن تسند إلى أهلها من ذوي المؤهلات, بغض النظر عن الهوية والانتماء الحزبي تحقيقا لمقومات وحدة وطنية متكاملة بعيدا عن حالة الاغتراب والمحسوبية والغبن, إذ تقتضي المصلحة الوطنية العليا أن يتشارك الجميع وبروح المسؤولية, والاهتمام الجاد بتأسيس حالة من الوعي الديمقراطي والتعددية وقبول الاختلاف والاعتراف بكل المكونات المتعايشة في البلاد بعيدا عن منطق الإقصاء والتهميش والتغريب واللون الواحد, لتحصل مشاركة فاعلة في القرار السياسي والإداري والتشريعي,  لتوفير استفادة فعلية وشاملة من مختلف الطاقات والنخب والخبرات والكفاءات والكوادر العلمية المهمشة, لدفع عملية التنمية والتطوير والتخطيط والاستفادة من تجارب الدول المتطورة, وتوظيف كل ذلك لخدمة شعبنا وبلدنا سوريا.


إن تجارب الشعوب أثبتت نجاح تجربة التعددية, والتنوع السياسي, حيث السبيل الفاعل والجاد لمعالجة الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي, ومعالجة هموم المواطن, والتخفيف من أعبائه ومعاناته, بما يوفر الأسس الراسخة لوحدة وطنية حقيقية, ننشدها ونحرص عليها, في ظل نهج ديمقراطي يعزز الاعتراف بالوجود الدستوري للشعب الكوردي في سوريا كثاني قومية في البلاد, وبالمكونات التي تشكل الحياة التعددية في بلد ينبغي أن تتوفر فيه قيم التعددية والتكامل والديمقراطية, والانفتاح على كافة هذه القوى الديمقراطية والوطنية في البلاد, ووضع أسس وقواعد حوار شفاف لحل كافة قضايا مجتمعنا العالقة وعلى رأس أولوياتنا قضية تهيئة وتعبئة للوعي الديمقراطي والتعددي وقضايا وحقوق الإنسان لمعالجة أزماتنا الداخلية, والتصدي لبناء وحدة وطنية متقدمة تعزز حالة التعايش والتكافؤ والتكامل الاقتصادي والمعيشي, ونبتعد عن السياسة الانتقائية والأحادية, ومنطق الاستئثار, وتوفير أسباب المفاضلة على أساس من الكفاءة والاقتدار وخدمة حياة المواطن وراحته ورخائه واستقراره, وإخراجه من حالة العوز والعطالة والمعاناة المضاعفة والتي تدفع  إلى هجرة البلد في نزف متواصل للسواعد والعقول, لنتمكن من تمتين جبهة داخلية متراصة تمكننا من معالجة قضايا خارجية ملحة ومسؤولة.

آذار 2010  (347
* الجريدة المركزية للبارتي الديمقراطي الكوردي – سوريا العدد (

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

ماجد ع محمد إذا كان الاستثمار من الأمور الهامة التي تأخذها بعين الاعتبار أيُّ دولة أو حكومة سواءً أكانت متطورة وشبه مستقرة أم خارجة لتوها من الحرب ومنهكة اقتصادياً؛ وبما أنَّ معظم الدول تشجع على الاستثمار الأجنبي المباشر بكونه يساهم بشكلٍ فعلي في التنمية الاقتصادية، ويعمل على تدفق الأموال من الخارج إلى الداخل، ويجلب معه التقنيات الحديثة، ويعمل على توفير…

من أجل إعلامٍ حرّ… يعبّر عن الجميع نقف في هذا اليوم العالمي لحرية الصحافة، نحن، الصحفيين والكتاب الكرد في سوريا، للتأكيد على أن حرية الكلمة ليست ترفاً، بل حقٌ مقدّس، وضرورة لبناء أي مستقبل ديمقراطي. لقد عانى الصحفيون الكرد طويلاً من التهميش والإقصاء، في ظلّ الأنظمة الدكتاتورية المتعاقبة ولاسيما نظام البعث والأسد، حيث كان الإعلام أداة بيد النظام العنصري لترويج…

عبدالرحمن کورکی (مهابادي)* في الوقت الذي تتكشف فيه يوميًا أبعاد جديدة للانفجار الذي وقع في أحد الموانئ الجنوبية لإيران يوم 26 إبريل 2025، يتردد سؤال يعم الجميع: من هو المسؤول عن هذه الكارثة؟ هل كانت متعمدة أم عيرمتعمدة؟ هل يقف وراءها فرد أو تيار معين، أم أنها عمل قوة خارجية؟ سؤال لا يزال بلا إجابة حتى الآن!   التكهنات…

إبراهيم اليوسف يبدو التدوين، في زمن باتت الضوضاء تتكاثر فيه، وتتراكم الأقنعة فوق الوجوه- لا كحرفة أو هواية- بل كحالة أخلاقية، كصرخة كائن حرّ قرّر أن يكون شاهداً لا شريكاً في المذبحة. التدوين هنا ليس مجرد حبرٍ يسيل، بل ضمير يوجّه نفسه ضد القبح، حتى وإن كان القبح قريباً، حميماً، أو نابعاً من ذات يُفترض أنها شقيقة. لقد كنتُ- وما…