مسعود عكو
الحروب الاستباقية, أو مبدأ بوش التي اتخذتها الإدارة الأمريكية بقيادة المحافظين الجدد شعاراًَ للمتشددين, والمهيمنين على قرارات هذه المؤسسة سواءً كانت الحجج منطقية, أو لا الأسباب فيها حقيقية, أم وهمية يقرر في هذه الإدارة الحرب على دولة ما, وخاصة بعد أن وضعت, وآمنت الوزيرة كوندوليزا رايس بفكرة ضرب العدو قبل أن يتحرك, والذي أصبح شعار المرحلة خاصة بعد الأحداث المؤسفة في الحادي عشر من أيلول /2001/.
شعار الحروب الاستباقية الذي أمن به الرئيس بوش, وإدارته، أصبح أكثر تشدداً بعد فوزه بإدارة ثانية، خصوصاً بعد هيمنة التيار المحافظ على مفاصل الإدارة المهمة، ومطبخ قراراتها، والشعور هو أن من مسببات الحروب تلك، والحروب القادمة، هو الشعور بالخطر, والتهديد نتيجة الأعمال الإرهابية، والشعور ببروز قطب جديد سيزيل الولايات المتحدة الأمريكية من الموقع الأول في العالم، وكذلك نتيجة الشعور, أو خلق الشعور لدى الشعب الأمريكي بأن هناك عدواً مخيفاً هو الإسلام، رغم التصريحات الأمريكية التي تنفي هذه السجالات, ولكن تحت شعار الحروب الاستباقية قررت الإدارة الأميركية الحرب على الجماعات الإسلامية المتطرفة, والإرهابية منها خاصة ، والحملة على الإرهاب.
فكانت أفغانستان فاتحة هذه الحروب, والعراق الحلقة الثانية في المسلسل.
بإسقاط نفس المبدأ الاستباقي للحروب قرر أيضاً حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله اللبناني استجرار حرب سادسة على لبنان وتقديمها مسبقاً عن موعدها المتوقع في الشهور القادمة آمن هو أيضاً بفكرة استباق الضربات, ومحاولة التصدي لها لكن نصر الله فشل في الحرب كون لم يستشر, أو يناقش أي رمز لبناني سواء حكومي, أو شعبي ولم يتخذ إستراتيجية مستقبلية لنتائج هذه الحرب التي حملت أبعاداً إقليمية, بل أخذ على عاتق أنصاره فقط؛ التصدي لهذه الحرب المستبقة عن موعدها.
بعيداً عن المواقف المتباينة من هذه الحرب فحزب الله يزعم أنه ربح المعركة, وإسرائيل تدعي بأنها قد فازت بها, وفي كلتا الحالتين خسر اللبنانيون أكثر من الجميع على الأقل دفع ضريبة حرب لم يستشر في خوضها أو لا وكان قرارها في يد جماعة مسلحة, وليست في يد الحكومة اللبنانية المنتخبة من عامة الشعب.
نهايتها ربح نصر الله الحرب مع إيهود أولمرت, وربحت الحكومة اللبنانية ببسط سيطرتها على الجنوب المغيب عن حكمها لأكثر من ثلاثين سنة, ولكن خسرها اللبنانيون بأرواحهم, وبيوتهم, وأشجارهم, ومزارعهم, وهذه هي عادة الحروب.
الإسقاط الأخر, والذي يأخذ المحور الرئيس هو التحرك التركي اللا مسؤول بحشد قواته بمحاذاة حدود إقليم كردستان العراق بحجة ملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني الذين التجئوا بأغلبيتهم إلى الإقليم, وذلك في السنوات الأخيرة لما في كردستان العراق من بيئة صالحة, وأرضية خصبة للقيام بهجماتهم ضد القوات التركية كونها تحت السيطرة الكردية رغم التحفظ الكردي الدائم على عدم التدخل كأي طرف في هذا الحرب التي تشنها الآلة العسكرية التركية ضد عناصر الگريلا الكردية, ولكن عراقياً أكد الرئيس العراقي جلال طالباني عزم سلطات بلاده العمل على منع مقاتلي حزب العمال الكردستاني من شن هجمات على تركيا من كردستان العراق, وقال أنه شخصياً تدخل في القضية, واستدعى القائم بالأعمال التركي في العراق, وأبلغه أن الحكومة العراقية جادة بمنع اتخاذ الأراضي العراقية من قبل أي جماعة مسلحة ضد دول الجوار, وأكد أن الحكومة ستبذل جهودها لمنع حزب العمال الكردستاني في الانطلاق من الأراضي العراقية ضد تركيا, وأشار أيضاً إلى أن مفاوضات جرت بين العراق, وتركيا اتخذت على ضوئها بعض الإجراءات منها غلق بعض المقرات غير القانونية التابعة لجماعات موالية للحزب, إلا أنه أمل أن يتم لقاء ثلاثي عراقي, تركي, وأمريكي لحل هذه المسالة سلمياً في إشارة إلى أن الدبلوماسية العراقية لها مشروع حواري لحل القضية الكردية في تركيا.
من جهة أخرى يتعهد الرئيس الأمريكي جورج بوش لتركيا بالحزم مع حزب العمال الكردستاني, وذلك من خلال إبلاغه رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان رغبة واشنطن في التعامل بمزيد من الحزم مع الهجمات عبر الحدود التي يشنها الحزب, وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي ستيفن هادلي إن اللقاء الأخير الذي جمع بين بوش, ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي، تناول مسألة تسلل عناصر من حزب العمال الكردستاني عبر الحدود إلى تركيا, وأضاف أنه تم التفاهم على وضع إطار ثلاثي الأطراف بين الولايات المتحدة, العراق, وتركيا للتعامل مع هذه القضية.
الفرضية التي صرح بها الرئيس العراقي لاحقاً.
تركيا التي عززت قواتها بالجنوب لمواجهة الگريلا بعد مقتل /15/ تركياً في أقل من أسبوع على يد المقاتلين الكرد, من المتوقع أن تشمل الإجراءات المزمعة تعزيز الأمن في المناطق الجنوبية الشرقية من تركيا, وممارسة الضغوط على الولايات المتحدة, والعراق للقضاء على قواعد حزب العمال الكردستاني, وكان رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان تعهد باتخاذ قرارات كبرى للتصدي لهذه الهجمات, وتصاعدت حدة الاشتباكات المسلحة منذ إبريل حين أرسل الجيش التركي (ثاني أكبر قوة عسكرية في حلف الشمال الأطلسي “الناتو” بعد القوات الأمريكية) /40/ ألف جندي إضافي للحدود مع العراق.
إن تهديدات أنقرة خلال الفترة الماضية بشن عمليات عسكرية في كردستان العراق للقضاء على المعسكرات التي يستخدمها حزب العمال الكردستاني كقاعدة خلفية إذا لم تتدخل الولايات المتحدة, والحكومة العراقية ضد المقاتلين الكرد تعزز مخطط تركي للهجوم على إقليم كردستان العراق.
لكن! من جانبها بدت واشنطن حريصة على التعامل بجدية مع التهديدات التركية بالتوغل داخل الأراضي العراقية, وإن حذرتها من فعل ذلك, فقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض إن الرئيس الأميركي جورج بوش ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان ناقشا التهديد، وأكدت أن بوش أبلغ أردوغان بضرورة العمل المشترك لمعالجة هذا التهديد الإرهابي على حد تعبيرهم.
في حين التهديد التركي يعكس الحالة الإسرائيلية التي اجتاحت بحرب دامت ثلاثة وثلاثين يوماً ضد لبنان كله بحجة ملاحقة عناصر حزب الله, وعلى رأسه حسن نصر الله حيث يخشى المسؤولون الأمريكيون أن تؤدي الغارات التي يشنها حزب العمال على تركيا, إلى الإخلال بالهدوء النسبي الذي يسود المنطقة الشمالية من العراق المضطرب, وحذرت الولايات المتحدة تركيا من القيام بأية عمليات عبر الحدود مع العراق ضد قواعد الحزب باعتبار أن ذلك سيكون عملاً غير حكيم, فأثار الموقف الأمريكي ردود فعل غاضبة, واتهامات بتبني واشنطن معايير مزدوجة, لأنها تدعم العمليات العسكرية الإسرائيلية في لبنان, وغزة بينما تقف ضدها في تركيا, وقال أردوغان بهذا الخصوص إن “الإرهاب هو الإرهاب في أي مكان، ومن غير الممكن الاتفاق مع عقلية تبدي تسامحاً مع بلد معين, وتبدي توجهاً مختلفاً عندما يتعلق الأمر ببلد آخر”, ويعكس أيضاً الازدواجية التركية حيث يصف أردوغان حزب الله, ونصر الله بالمقاومة, والمقاومين في حين يعتبر حزب العمال الكردستاني, وعلى رأسه زعيم الحزب عبد الله أوجلان بالإرهابيين.
لكن! الإدارة الأمريكية لا يمكن أن تنسى بسهولة الموقف التركي من الحرب على العراق حيث منعت حكومة أردوغان دخول القوات العسكرية الأمريكية إليها, واكتفت بمرور الدعم اللوجستي لتلك القوات, وتتردد واشنطن في قمع حزب العمال الكردستاني في كردستان العراق, وتقول إن قوات التحالف لديها ما يشغلها في أنحاء أخرى من البلاد التي تشهد أعمال عنف، وإن العمل العسكري في كردستان العراق يمكن أن يزعزع استقرار المنطقة الشمالية من العراق.
إخفاق الولايات المتحدة الأمريكية في قمع حزب العمال الكردستاني أدخل العلاقات مع تركيا في توتر رغم أنها حليفتها الرئيسية في المنطقة، وتتصاعد المشاعر المعادية لها بين الأتراك بعكس ما فعلته في الحرب على لبنان حيث قدمت لإسرائيل كل أنواع الدعم, والذرائع, وبررت لها كل المعارك التي قامت بها منذ ولادتها, وحتى هذه اللحظة في إشارة إلى أن أمريكا لا تعتزم على الأقل الأن قمع حزب العمال الكردستاني, وجعله ورقة ضغط تحت السيطرة في حال إذا تأزمت علاقتها مع تركيا في المرحلة القادمة لخارطة الشرق الأوسط التي تسعى واشنطن, وحلفائها في الاتحاد الأوربي إلى إعادة رسم جديد لها.
الحرب التركية الكردية التي أسفرت عن سقوط /37/ ألف قتيل منذ الحملة الكردية المسلحة التي انطلقت في 15/8/1984 لإقامة وطن مستقل للكرد بجنوب شرق تركيا، لم تلق الاهتمام الدولي المنشود بل يعتبر الاتحاد الأوروبي, وتركيا, والولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية, نفس الصورة التي تعكسها تلك الدول ماعدا تركيا, وبإضافة إسرائيل إليها في النظر لحزب الله كمنظمة مماثلة.