القضية الكردية في سوريا قضية وطنية بامتياز

  طريق الشعب *

 لقد تكونت دول الشرق الأوسط بحدودها الحالية المعروفة بعد الحرب العالمية الأولى ووفقاً لاتفاقية سايكس بيكو التي قسمت كامل المنطقة بين الدول الكبرى، ولم تكن الحدود الحالية معروفة قبل ذلك في أية فترة من فترات التاريخ، وفي هذا الإطار فقد ربط التاريخ والجغرافيا والأحداث التي مرت بها المنطقة عموماً مصير الشعب الكردي في سوريا مع مصير باقي أبناء الشعب السوري، وانطلاقاً من هذه الحقيقة فإن الشعب الكردي في سوريا شعب أصيل يقيم على أرضه التاريخية وليس ضيفاً، إنه شريك كامل في الحقوق والواجبات، وأن سوريا لجميع السوريين وليس لمجموعة دون أخرى.
ينطلق الحزب اليساري الكردي في سوريا في نضاله من أجل إزالة الاضطهاد القومي بحق الشعب الكردي في سوريا وتأمين حقوقه القومية والديمقراطية من الأرضية السورية، ويعتبر الشعب الكردي في سوريا جزءاً من الشعب السوري كما يعتبر نفسه جزءاً من الحركة الوطنية والتقدمية والديمقراطية في البلاد، ويؤكد انطلاقاً من هذا المفهوم أن القضية الكردية في سوريا تحل في الإطار الوطني الديمقراطي وفي إطار وحدة البلاد، وأنه يختار أسلوب النضال السلمي ويرفض العنف رفضاً قاطعاً، وهذه الرؤية تفرض النضال من أجل الحوار، وهو مطلوب أولاً وأخيراً، وأنه من أجل إيجاد حل عادل للقضية الكردية في سوريا لا بد من الحوار مع مختلف القوى والأحزاب الوطنية والتقدمية والديمقراطية ومع ممثلي مختلف فئات وشرائح المجتمع السوري ومثقفيه وشخصياته الاجتماعية البارزة، وفي إطار هذا الحوار يناضل الحزب من أجل تعزيز علاقاته مع القوى الوطنية والديمقراطية في البلاد ليس فقط من أجل الوضع الكردي، وإنما في إطار العمل الوطني الديمقراطي العام باعتبار أن الوضع القومي الكردي جزء من الوضع الوطني العام، وانطلاقاً من ذلك يحارب الحزب الموقف الانعزالي الكردي بالقدر نفسه الذي يحارب فيه الموقف الشوفيني العربي، ويرى بأن التقوقع والعمل فقط بين الكرد يضر قبل كل شيء بالكرد أنفسهم ولا يقود إلى أي حل لقضيتهم، إضافة إلى أنه نشاط انعزالي لا يخدم البلاد.
في هذا الإطار، وبهذا الفهم، ولأننا نطرح حزبنا كحركة وطنية وكحركة تقدمية وكحركة ديمقراطية في آن واحد، فقد اختار حزبنا العمل في إطار التجمع اليساري الماركسي في سوريا انسجاماً مع هويته الفكرية، كما اختار العمل في إطار إعلان دمشق للتغيير الوطني الديمقراطي، ويساهم اليوم أيضاً مع عدد من القوى والأحزاب والشخصيات الوطنية من أجل بناء تيار وطني ديمقراطي، وبهذا الفهم فإننا نطرح القضية الكردية في سوريا على أنها قضية وطنية بامتياز، وقضية ديمقراطية بامتياز، ويرى الحزب أيضاً بأن القضية الكردية في سوريا جزء من المسألة الديمقراطية في البلاد، وبمقدار اقترابنا من الديمقراطية، بمقدار ما يقترب الكرد من حقوقهم القومية، ولهذا فلا بد لنا من النضال الجاد من أجل الديمقراطية جنباً إلى جنب مع كل الوطنيين والتقدميين والديمقراطيين في البلاد من أجل إطلاق الحريات الديمقراطية، حرية التعبير عن الرأي، حرية الصحافة، حرية التنظيم الحزبي والنقابي والتظاهر والإضراب، ومن أجل إلغاء الأحكام العرفية وحالة الطوارئ…الخ.
ويؤكد الحزب أيضاً بان الهم القومي الكردي ليس همه الوحيد وإنما يمتد همه إلى كل ساحات الوطن السوري، وإلى أبناء كل المحافظات السورية، ولأن ساحتنا هي كل سوريا، فإننا نناضل من أجل قضايا البلاد الوطنية والاقتصادية والاجتماعية، وبخاصة من أجل تحرير الجولان.

إن حزبنا يوفق توفيقاً دقيقاً بين ما هو قومي كردي وبين ما هو وطني سوري، بين ما هو خاص كردي وبين ما هو عام وطني، ويرى بأنه لا يوجد أي تعارض بينهما.

إن حركتنا حركة مستقلة، قراراتنا ومواقفنا منبثقة من قناعاتنا ومن رؤانا، انطلاقاً من أن هذه الحركة حركة وطنية وحركة تقدمية وحركة ديمقراطية في آن واحد، ونحن لا نقبل وصاية من احد مهما كان انتماؤه، كما لا نقبل وصاية من أية جهة، وبعبارة أوضح، إن انطلاقنا نابع من خصوصية الساحة الكردية في سوريا، ولا نقبل أن يناضل بدلاً عنا أكراد العراق أو أكراد تركيا أو أكراد إيران، ولا نقبل أيضاً أن نناضل بدلاً عنهم، غير أنه يجب أن لا يفهم منا بأننا نرفضهم، نقول أن الرابط القومي يجمع بيننا، ونحن نساندهم ونفرح لأفراحهم، ونحزن لأحزانهم، ونطالبهم ايضاً أن يفرحوا لأفراحنا وأن يحزنوا لأحزاننا، أن نلتقي معهم ونحاورهم، وأن يلتقوا معنا ويحاورنا، نرى أن قضيتهم عادلة وتستوجب التأييد والمساندة، وإذا لم نفعل ذلك فلن نكون وطنيين أو تقدميين أو ديمقراطيين أو اشتراكيين، ولكن كل ذلك لا ينفي استقلالية قراراتنا ومواقفنا.
في حواراتنا مع العديد من القوى والأحزاب العربية نلاحظ أن لديها تخوفاً من الموضوع الكردي، وقد يكون ذلك ناجماً عن أن البعض ينطلق من مواقف شوفينية وليس لديه أي استعداد لتغيير مواقفه، غير أن هناك طيف واسع من هذه القوى والشخصيات تكون مخاوفها ناجمة عن عدم ثقة، وقد تكون بعض هذه القوى محقة لعدم قيامنا بالجهد والحوار اللازمين لإقناعها وتبديد مخاوفها، أو لعدم اطلاع تلك القوى على الموضوع الكردي ونقص في معلوماتها أو لتأثرها بالإشاعة والإعلام المغرض، ونحن نؤكد لهذه القوى بأن الحوار الأوسع والمصارحة هي السبيل لتعزيز الثقة وتوفير المصداقية، غير أنه هناك حقيقة أخرى، وهي أن الأحزاب والقوى العربية تفتقر إلى الآن إلى رؤية استراتيجية لحل مسائل القوميات، وقد نستثني منها حزبين أو ثلاثة أحزاب ماركسية قدمت في الحقيقة بالقول والفعل توجهات متقدمة، ونؤكد أخيراً بأن القومية الكبرى في أي بلد هي التي تتحمل المسؤولية الأكبر في الاعتراف بحقوق القوميات الأخرى.

* الجريدة المركزية للحزب اليساري الكردي في سوريا – العدد 336 آذار  2010

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف تعود سوريا اليوم إلى واجهة الصراعات الإقليمية والدولية كأرض مستباحة وميدان لتصفية الحسابات بين القوى الكبرى والإقليمية. هذه الصراعات لم تقتصر على الخارج فقط، بل امتدت داخليًا حيث تتشابك المصالح والأجندات للفصائل العسكرية التي أسستها أطراف مختلفة، وأخرى تعمل كأذرع لدول مثل تركيا، التي أسست مجموعات كان هدفها الأساسي مواجهة وجود الشعب الكردي، خارج حدود تركيا،…

روني آل خليل   إن الواقع السوري المعقد الذي أفرزته سنوات الحرب والصراعات الداخلية أظهر بشكل جلي أن هناك إشكاليات بنيوية عميقة في التركيبة الاجتماعية والسياسية للبلاد. سوريا ليست مجرد دولة ذات حدود جغرافية مرسومة؛ بل هي نسيج متشابك من الهويات القومية والدينية والطائفية. هذا التنوع الذي كان يُفترض أن يكون مصدر قوة، تحوّل للأسف إلى وقود للصراع بسبب…

خالد حسو الواقع الجميل الذي نفتخر به جميعًا هو أن سوريا تشكّلت وتطوّرت عبر تاريخها بأيدٍ مشتركة ومساهمات متنوعة، لتصبح أشبه ببستان يزدهر بألوانه وأريجه. هذه الأرض جمعت الكرد والعرب والدروز والعلويين والإسماعيليين والمسيحيين والأيزيديين والآشوريين والسريان وغيرهم، ليبنوا معًا وطنًا غنيًا بتنوعه الثقافي والديني والإنساني. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب من العقلاء والأوفياء تعزيز المساواة الحقيقية وصون كرامة…

إلى أبناء شعبنا الكُردي وجميع السوريين الأحرار، والقوى الوطنية والديمقراطية في الداخل والخارج، من منطلق مسؤولياتنا تجاه شعبنا الكُردي، وفي ظل التحولات التي تشهدها سوريا على كافة الأصعدة، نعلن بكل فخر عن تحولنا من إطار المجتمع المدني إلى إطار سياسي تحت اسم “التجمع الوطني لبناء عفرين”. لقد عملنا سابقاً ضمن المجتمع المدني لدعم صمود أهلنا في وجه المعاناة الإنسانية والاجتماعية…