أمور قد تكون بسيطة ولكنها حاسمة

محمد قاسم
m.qibnjezire@hotmail.com

لنأخذ مثلا –حالة مقارنة ربما بسيطة – بين الحالة في الدول الشرقية –والعربية منها – وبين الدول الغربية –أوروبا، أمريكا، كندا… وبعض الدول الشرقية التي تحذو حذوها –وهي قليلة جدا..!
لنلاحظ أمرا يسهو عنها الكثيرون، ودائما، ولكنها هي التي تحسم الصيغة الديمقراطية –مثلا- في هذه الدول المتقدة –الغربية- وتعيق نمو الديمقراطية في الدول الشرقية..

ببساطة إنه:  تحكيم القانون في المنازعات..
في الثقافة الغربية، القانون حكَم بين الناس والسلطة التنفيذية، وهذه الأخيرة منفذة للقانون فحسب..لذا، لا دور لأجهزة ذات مزاج خاص، أو سلطة تغلب الروح الإدارية فيها؛ في التطبيقات القانونية ..هذا في دولة المؤسسات، الدول المتقدمة..
ولذا فقد قطعت أشواطا بعيدة في مختلف الميادين.
في مثل هذه المجتمعات ، كل من يعتدي -او يدّعي- على آخر، جماعة وأفرادا، من وسط الشعب او السلطة –مهما كان السبب- فهناك المحاكم..
و المحاكم سلطة قضائية؛ مستقلة عن السياسة التي ينفذها الحكام، والذين يعرفون أنهم مقبلون على احتمالات ترك الحكم في كل دورة انتخابية ..

فهم يحتاطون لكسب الدورة، وإذا لم يحوزوها فهم يعملون للدورة القادمة..


التنافس –هنا- حول تقديم ما يقنع الناخبين بالالتفاف حولهم، والتصويت لهم..

لبلوغ النجاح.أي السلطة.

والوصول الى السلطة مسؤولية تجاه من انتخبوهم.

فإن أضيف الى هذه المسؤولية مسؤولية شعور شخصي بالمسؤولية في صيغة أخلاقية كان الجدوى أكثر ..عبر عن هذا المعنى عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) عندما قال: لو زلت قدم -او حافر- بغلة في جبال العراق لاعتبرت نفسي مسؤولا، قيل وما شأنك يا أمير المؤمنين؟ قال: لأني لم أمهد الطرق لها.

(هكذا يكون الشعور الأخلاقي بالمسؤولية).
هذه هي ثقافة مجتمع انتبه الى أن المشترك بين الناس جميعا هو المصلحة-والمصلحة تجليات مختلفة مادية ومعنوية-
لا ولاءات خارجة عن مستوى المصلحة التي يسعى الفائزون لتحقيقها؛ ووفقا لبرامج ما قبل الانتخابات، وكلها تتجه نحو تطوير الحياة في البلاد- إذكاء لروح الجماعة، على أساس  وجود أمة في وطن يشتركون به في السراء والضراء.
طبعا لا بد أن هناك خروقات ، وهناك من يسيء، سواء من داخل السلطة أو من خارجها، لكن تحكيم القانون يلاحق كل انحراف وتجاوز باستمرار، وهذا يغربل السلوك مع الزمن لما هو أصلح..

كغاية دائمة.

وتبدأ الحضارة تتجسد في حياة الناس بالتدريج.
قد يقيم مواطن عادي دعوى على وزير، أو رئيس، أو مدير عام، أو ضابط، أو مدير شركة..الخ.

وقد لا يكون- في قدراته- متكافئا مع المدّعى عليه..

ولكن نزاهة القاضي- احترامه لمهنته- وحرصه على سمعته، ومصلحته؛ يدفعانه الى الحُكْم العادل ما أمكن..

لأنه يعرف أن القانون سيطاله إذا لم يلتزم بمقتضياته، فضلا عن استقامة الرأي العام وفق ثقافته ومعاييرها.

.
ولأن المحاكم درجات، وكل درجة فيها مستقلة، فإن الأمل بالشمول بعدالة محتملة قوي دائما.

وفوق هذا، فالخشية من عواقب الدعوى –خارج القانون- ضئيل النسبة..

وان لم تكن معدومة..
وطبعا من جهة السلطويين تكون شبه معدومة –ما عدا حالات يتجاوز البعض فيها، مغامرين..وقد لا تفلح مغامرتهم، بل قد يدفعون غاليا ثمن المغامرة.

بمعنى، أن الروح القانونية التي تسكن الناس تقلل من مخاطر الاحتكاك الشخصي المباشر، وتدفع للقبول بالحكم –أيا كان..

وهنا  فالتربية ذات أثر فعال في تكوين اجتمعي راق ينعكس على الأفراد أحرارا ومنضبطين بقيم القانون، او –على الأقل- يربون على الحساب للقانون، بخلاف الشرقيين –والعرب منهم- والذين كلما كبرت مرتبتهم زادت فيهم الرغبة لمخالفة القانون كتعبير عن القدرة على ذلك.

لأن القانون – غالبا ما يمثل تنفيذ المتنفذين أحكاما على الآخرين بِليّ عنقه دائما.
وفي المجتمع الشرقي –والعربي خاصة..

فأن أجهزة أمنية فوق القانون، والمسؤولون الكبار، لا ينالهم القضاء، مهما كان الحق جليا..

لأن النظام هنا، نظام جماعة استولت على السلطة انقلابا –بغض النظر عن التسمية- ويفْهم الحكام معنى  السلطة؛ باعتبارها ملكا لهم، خاصة بهم، والشعب مجرد رعايا، وليسوا مواطنين بمعنى المواطنة في علم السياسة الغربية.

فالمواطن لا يصبح مواطنا كما في معنى يحدده علم السياسة ، إلا عندما يكون لهذا المواطن مرجع يرجع إليه بحرية عند تعرضه للظلم.

والمرجع هنا هو المحاكم القضائية..

-المستقلة عن السلطة التنفيذية – بما فيها رئيس الجمهورية او الملك او الأمير….الخ.
في هذه الحال لا يوجد شعور من المسؤول بأنه من دم أنقى، او عائلة أكرم، او قبيلة اعرق..الخ..

وكلها مشاعر ذاتية لا ينبغي أن تلعب تأثيرا في الحياة الاجتماعية.

والناس هم الذين يتعاملون مع الخصوصيات كما يفهمون وكما يريدون..
 بينما المفاهيم في الشرق -والمنطقة العربية منه- النظام حاكم سوبرمان، ومحكوم لا حق له إلا بقدر المكرمات، التي يلقي بها عليه الحاكم.

طبعا من الضرائب التي يدفعها المواطنون في تعبيرات وتجليات مختلفة.

بل والافتئات –أحيانا-على حقوقه : أملاكه، وكسب جهوده ..الغ.
فيتقلّص عند المواطن الشعور بقيمته الإنسانية والمواطنية، ويتضخم الشعور بالقيمة الذاتية المتميزة والمتعالية..

عند الذين في مواقع المسؤولية –بغض النظر عن شكل وأسباب وجوده- سواء ضمن الأنظمة الحاكمة او ضمن الأحزاب الممتصة لهذه السلوكية شعوريا او لا شعوريا.
ويستمر الخلل ، وينتج الحقد ويتبلور الى صراع يدمي دائما..

ويدمر البلاد في كل ناحية فيه منذ الطبيعة والبارود الذي يحرقها، ومرورا بالأبنية التي تدمر وتستهلك من أموال البلاد، فضلا عن الخلل في العلاقات السلطوية والشعبية والتي تبقي قاعدة “الرجل المناسب في المكان غير المناسب” هي الأصل والسبب في الخلل دائما..

وهنا تطرح فكرة “طغيان السياسيين” والذين يتحكمون في مفاصل العمل الميداني وغدارة ثقافة ذات اضطراب ونتائج .

ربما سيكون موضوعا لجولة قادمة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…