أما الاستبداد فالى زوال

صلاح بدرالدين

 

مرة أخرى يحل الغوغاء سيدا للموقف ويواصل نظام الاستبداد ممارسة سلوكه العتيد با المتاجرة علنا وعلى رؤوس الأشهاد بأقدس القضايا الوطنية والقومية ويعيد الكرة في التئام جمع الجوقة اياها الموروثة كأحد أدوات الثقافة الاعلامية المعمولة بها عادة لتطبيع  الدكتاتورية وغرسها في الأذهان وتوظيفها لتمجيد الحاكم وانشاد المعزوفة المستفزة لمشاعر الناس : – بالروح بالدم نفديك يا فلان – بدلا من سورية والنشيد الوطني منذ أن اختزلوا الشعب في فرد يتحكم مع العائلة والمقربين بثروات البلاد ومصير العباد اما جاء على ظهر دبابة أو من وراء ظهر الدستور وذلك خلال – همروجة – كتبة السلطان في دمشق التي سميت زورا بمؤتمر عام اتحاد الصحفيين السوريين  .

لاأريد في هذه العجالة الاطالة في تناول جميع جوانب الخطاب الانفعالي الشبيه بما يلقى كروتين يومي  في صفوف – الطلائعيين – من تلاميذة المدارس السورية منذ تسلم حزب البعث السلطة في حركة الثامن من آذار ولاأرغب أيضا في اعادة تأكيد عزلة النظام شعبيا وعربيا واقليميا كما ظهر اعترافا علنيا أو ضمنيا في كلمات الرئيس ولست أرى حاجة الى تبيان معاني ومظاهر الخوف والقلق التي بانت في ثنايا أقواله وأعني الخوف على المصير من غضبة الشعب ومن الارادة الدولية ليحتمي كدولة مستقلة ذات شأن ( كما هو مفترض ) بمنظمات سرية غير شرعية خارجة على قوانين بلدانها وتمارس أعمالا مخالفة للارادة الدولية والسلم والاستقرار مثل حزب الله كبديل للعلاقات السوية الرسمية مع المحيط العربي ومع عواصم البلدان المؤثرة المعروفة بالواقعية والاعتدال , أويستقوي باالحليف الايراني الذي يحتاج اصلا الى من يحميه ويقلد وكيل ولي الفقيه في اطلاق شعارات التهديد والوعيد بكل الاتجاهات مؤكدا بذلك حقيقة اصطفاف محور طائفي سياسي مغامر ويائس – في اطار الاسلام السياسي الأصولي الأشمل في المنطقة – طالما حذر من بروزه الكثيرون من العقلاء والمثقفين العرب والسوريين ومدى خطورته ليس على القضايا الوطنية والمصيرية ومسائل التغيير الديموقراطي بل على مسألة السلم الأهلي والوحدة الوطنية بين شعوب وبلدان المنطقة برمتها  ولكنني أرى والى جانب تلك الحقائق الهامة والخطيرة ضرورة الخوض في صلب الموضوع ومحوره المركزي وهو البعد اللبناني الوطني وأقصد قوى الرابع عشر من آذار وملف الشهيد الحريري الذي كان هاجس الرئيس الأول والأخير في خطابه باعتباره – القشة التي ستقصم ظهر نظامه – عاجلا وليس آجلا .
نعم أصاب الأستاذ وليد جنبلاط ورفاقه من الوطنيين والديموقراطيين اللبنانيين كبد الحقيقة عندما أشاروا الى مسألتين جوهريتين في معرض التعليق على خطاب الرئيس الأسد الأولى : هاجس ملف الحريري وقوى الرابع عشر من آذار والثاني : خطف انتصار الآخرين , فموقف نظام بلادنا معروف بمعاداة كل ما هو وطني وتقدمي في لبنان منذ أكثر من ثلاثة عقود ولم يتعامل يوما بصدق ونزاهة مع الشعب اللبناني وحركته الديموقراطية بل أساء اليه وقام بتصفية رموزه من الشهيد كمال جنبلاط وانتهاء بالشهيد جورج حاوي وكان يضع العراقيل أمام نمو الحركة الوطنية اللبنانية ويواجه تحالفها الاستراتيجي مع منظمة التحرير الفلسطينية ويبحث على الدوام عن صداقات سرية وعلنية مع القوى الطائفية –وشيعية – على وجه الخصوص منذ تزيين ظاهرة السيد موسى الصدر وحتى الآن ويعمل على رعايتها ودعمها ماليا وعسكريا دون حدود الى درجة افتتاح مكاتب خاصة بشخصيات ومراجع روحية شيعية في دمشق دون غيرها من الطوائف اللبنانية , وبذلك لم تكن سياسته اللبنانية تختلف من حيث الجوهر والهدف عن سياسة اسرائيل حيال لبنان : مزيد من تعميق الشرخ بين الطوائف واستمالة البعض ضد الآخر وضرب الوحدة الوطنية وافشال التجربة الديموقراطية ونظام الاقتصاد الحر في لبنان التعددي الحضاري الموحد , فالنظام السوري ماض في استراتيجيته السابقة تجاه لبنان وأخشى ما يخشاه الآن بعد الانحسارالمتوقع  لنفوذ حزب الله عسكريا بتجريده من السلاح غير المرخص به وانهاء تسلطه في ارهاب المواطنين وخاصة المثقفين ورجال السياسة أن ينهض نقيضه وهو الدولة اللبنانية الشرعية بقيادة الأغلبية الحكومية من قوى الرابع عشر من آذار وبما تمثلها من تقاليد وطنية وتاريخ من التضحيات في سبيل استقلال وحرية لبنان وما تحمل في أجندتها من مفاجآت وملفات وأسرار لن تسر نظام الأسد بصورة مؤكدة وهذا ما يفسر هاجسه المؤرق والمقلق المشار اليه .
أما ما يتعلق بتربص النظام السوري في اختطاف ما سيحققه شعب لبنان من انجازات ومكاسب في المديين المتوسط والبعيد من تقدم ونصر في مجال الاستقلال والسيادة وتطبيق القانون والتخلص من الميليشيات المسلحة , فأمر معروف في سيرته وله سوابق في هذالمجال ومن أقربها وأحدثها محاولة اختطاف أو بكلمة أدق سرقة شعارات المعارضة الوطنية السورية بخصوص تحرير الأرض المحتلة في الجولان عبر اسلوب المقاومة الشعبية لدحر الاحتلال فالمأخذ الرئيسي الى درجة التشكيك كما هو معلوم من جانب جميع أطراف المعارضة السورية على النظام منذ 1967 وحتى الآن هو تخاذله وعجزه عن تحرير الأرض لأن طبيعته الاستبدادية القمعية تتعارض مع ارادة المقاومة والكفاح , فالشعب السوري عبر قواه الديموقراطية لم يترك وسيلة الا ومارسها من أجل أن يفسح هذا النظام – المزاود – المجال ويهيء الأسس والقواعد السليمة من أجل التمكن من استعادة الأرض الوطنية السورية في الجولان والاسكندرون والحاكم يعلم جيدا أن ذلك لن يتحقق دون اشاعة الديموقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية والاعتراف بحقوق الكرد القومية واطلاق الحريات العامة والاحتكام لقرار الشعب وارادته في اختيار ممثليه الحقيقيين ولكن بدلا من ذلك يحاول رأس النظام الالتفاف على الموضوع بطرح شعارات المعارضة لفظيا والمزايدة عليها وفي الوقت ذاته القيام بأوسع حملة اعتقالات ضد ناشطيها ويتحول فجأة الى مقاوم من الدرجة الأولى عبر المايكريفون وجوقة الهتافين ظنا منه أن التضليل الديماغوجي سيمر فالى هذه الدرجة يستخف الحاكم الدكتاتور بعقول أبناء وبنات الشعب السوري ؟
منذ ستة أعوام والحاكم – الوريث يطلق الوعود أمام الشعب السوري ويتعهد علنا باجراء الاصلاحات والتغيير والغاء الأحكام العرفية وحالة الطوارىء واطلاق السجناء السياسيين وتحقيق الاصلاح الاداري والتنمية الاقتصادية وعدم التدخل في شؤون لبنان وفلسطين والعراق وقطع العلاقة مع المنظمات الارهابية وتخفيف الاضطهاد القومي ضد الشعب الكردي في سورية واعادة الجنسية الى المحرومين منهم وتعديل الدستور بازالة بند – قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع – ولكن وحتى اللحظة لم ينفذ الحاكم شيئا من وعوده بل ازداد الوضع سوءا وفقد ما تبقى من الصدقية أمام الرأي العام الداخلي والخارجي والآن وبعد أن – حنث – بوعوده وتعهداته القديمة يخرج علينا – بأم الوعود –  على طريقة توأمه المخلوع – الرئيس والأمين العام والقائد العام صدام حسين – وهو التحول الى مقاوم ليس لتحرير الجولان فحسب  بل وفلسطين ايضا وفي طريقه مزارع شبعا ! ولنر سيقاوم من وكيف وأين ومتى ؟
بكل أسف يشعر السوري أين ما كان  وبقرارة نفسه بالمذلة والاحراج أمام العالم بعد أن بلغ السيل الزبى وتحول نظامه الحاكم الى اضحوكة وموضع تندر تماما كما كان حال النظام العراقي قبل سقوطه المدوي بأيام وأسابيع وعندما تقع الواقعة سيكون لسان حال الجميع بعد أن يتنفسوا الصعداء : لقد تأخر يوم زوال الاستبداد عقودا .

 

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…