في ذكراك تحنى الهامات

  محمد محمد

 يوم ربيعي كوردستاني خلاب تسلب الألباب له, حيث الطبيعة الغناء ترتدي ثوبها المزركش الزاهي بأجمل الألوان وكأنها عروس في اوج زينتها , لا يعكر سكينتها وصفوها سوى أصوات البلابل الشجية وكأنها توقعت بالمجهول القادم , إذ في طرفة عين واحدة تغير كل شيء حيث الطبيعة الخلابة والخضار الطاغي تحول الى يباس والسكينة الى جحيم لايطاق.

 وعلت هدير الحوامات على أصوات البلابل والطيور وهي تسقط سمومها الزعاف من العلياء على رؤوس البشر والحجر غير آبهة بحجم الكارثة التي سوف تحدث.
  لقد سقط الشيب والشباب صرعى غازات الخردل والسيانيد حتى الحيوانات والطبيعة لم تسلم منها , اذ طالتها يد الموت القادم من بغداد عاصمة الرشيد التي كانت ذات يوم وبأمرة وتوجيه مباشر من رأس السلطة فيها , المتمثل بالدكتاتور المقبور صدام حسين الغير مأسوف على رحيله .

  وبمباركة من أغلب الأنظمة العربية وبتواطؤ مع المجتمع الدولي الذي لم يحرك ساكنا وصمت صوت القبور حتى ذهب بعض المثقفين العرب الى وصفه بحارس البوابة الشرقية للأمة العربية
في ذاك اليوم وفي غمضة عين سقطت مدينة حلبجة ومعها الآلاف من النفوس البريئة ,التي لم يكن لها ذنب سوى أنهم خلقوا كوردا.
  إن العين لاتصدق ماذا ترى والعقل يعجز واللسان يتلعثم في الحلق عن وصف هول الفاجعة التي حدثت.
  فهنا ترى أما قد احتضنت رضيعها محاولة حمايته من براثن الموت وقد تحولتا الى جثة هامدة ,وهناك ترى كهلا امتد اليه يد الموت وهو مسند على حائط بيته وقد تجمد بفعل الغاز السام وزهقت روحه.
  لقد كان الضمير الانساني غائبا ومصالح الدول وأنانية الانسان أكبر من حجم الجريمة البشعة التي ارتكبها النظام البعث في بغداد ابان الحرب العبثية التي أشعلها النظامان في طهران وبغداد والتي راحت ضحيتها مئات الآلاف من النفوس البريئة, لقد ظن الطغاة واهمين أنهم بعيدون عن يدالعدالة وأن سيفها لن تطالهم لكن الزمن ودورته تبدلا مع تبدل المصالح الدولية وقد بات النظام العراقي حجر عثرة أمام المصالح الدولية في المنطقة, لذا عمل المجتمع الدولي على ازالته وهذا ما حصل فعلا , عندما لم يعد نظام بغداد حارسا أمينا لمصالح هذه الدول فقد طاردهم العزرائيل الامريكي وهم يتوارون في جحور الجرذان والفئران وقد نالوا جزائهم العادل على ما ارتكبته أيديهم الآثمة من جرائم بشعة بحق الشعب الكوردي على الوجه الخصوص والعراقي بشكل عام , حتى أنهم أصبحوا خطرا محدقا على جيرانهم.
  صحيح أن المجرمون القتلة قد نالوا القصاص العادل وهذا ما أثلج صدور شعبنا الكوردي إلا أن آثار جريمتهم ستبقى في النفوس ولن تزول مع تقادم السنين يتناقله جيل بعد جيل وستظل مأساة حلبجة ماثلة أمام أنظارنا ورمزا لظلم الانسان لأخيه الانسان وعلامة على مدى ما عاناه شعبنا الكوردي من ظلم وقهر على يد طغاته وما أكثرهم ولكن هيهات أن ينتصر الظلم على ارادته الحرة والتواقة الى نيل حريته وأن ليل الظلم مهما طال لن يكون أطول عمرا من نهار الشعوب التي ذاقت طعم الحرية..
 في يوم ذكراك حلبجتي الشهيدة تحنى الهامات لك ولشهدائك خشوعا واجلالا, فنامي قريرة العين فأبناؤك قد ثاروا على الضحاك وهزموه شر هزيمة, وشمس الحرية قد أشرق على رباك وربى خورمال وشهرزور وهورامان , ولن يغيب أبد الدهر..

المانيا

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…