حول تصريح ممثل حزب الوحدة ودور الممثليات الحزبية في كوردستان العراق

يونس قدري

لقد جاءت الهجرة إلى إقليم كوردستان العراق بالتزامن مع سقوط النظام العراقي السابق وازدادت وتيرتها بعد ما شهدته المناطق الكوردية السورية في 12/آذار 2004 وإن كانت قلة من هؤلاء المهاجرين قد اضطروا لذلك نتيجة لظروف أمنية فإن بعض من انتقلوا للعمل أو الدراسة في الإقليم لم يكونوا مدفوعين إلا برغبات بريئة وأحلام وردية عميقة إلى جانب تطلعات بعضهم إلى مكاسب مادية، على أمل تحقيقها هناك على تلك البقعة الجغراكردية.

ومع تزايد أعداد الأفراد في الإقليم بدأت تتبلور الحالة التحزبية التي نقلها الكورد السوريون إلى كوردستان العراق بما تشتمل عليه من مساوئ ومحاسن، دون أدنى استفادة تذكر من تلك الأجواء الملائمة للعمل السياسي والثقافي التي توفرها المناخات الديمقراطية نسبياً هناك.
وأخذت تلك الأحلام الوجدانية التي حملها معهم أولاء الشبان إلى الجانب الآخر من الحدود بالتلاشي عند أول محطة لهم مع الواقع الصلد، الذي يحيط بإقليمٍ ناشئ، كان ذووه حتى الأمس القريب جدا ً مرمىً لغاز الخردل، ولم يتمكن هؤلاء النازحون السوريون من استيعاب الأجواء الجديدة التي وجدوا أنفسهم فجأة في أحضانها، وأساؤوا، على سبيل المثال، فهم تلك الوفرة في وسائل الإعلام وحريتها المفرطة، والرقابة الجدية، غير المباشرة من قبل سلطات الإقليم عليها، ما دفع أحد الطلبة فور وصوله جامعة السليمانية للإدلاء بتصريح صبياني لإحدى الصحف قال فيه حرفياً (لو أنني ذهبت إلى دارفور أو بلاد الواقواق كان أفضل لي من أن آتي إلى هنا) ورغم تصريحه بقي هذا الطالب مقيماً هناك حتى يومنا هذا.


وفي ذات السياق، أي سياق الإعلام وكيفية التعاطي معه تناقلت بعض المواقع الإلكترونية الكوردية خبراً مفاده أن ممثل حزب الوحدة الديمقراطي الكردي في إقليم كوردستان السيد محمود محمد المعروف بأبو صابر قد أتهم السلطات السورية بتوظيف الطلبة والعمال الكرد السوريين في أقليم كوردستان لصالحها والاعتماد عليهم في الحصول على المعلومات، وهذا الاتهام من حيث إنعكاساته المباشرة، موجه للطلبة والعمال وبمعنى آخر فإن دائرة الشكوك التي أثارها أبو صابر بتصريحه شملت كل من هو سوري مقيم على ارض الإقليم.
وقد سبق أن أدلى السيد صلاح بدر الدين بتصريح مشابه لمجلة “سفيل” قال فيه (المخابرات السورية لديها خلايا نائمة في إقليم كردستان وتريد أن تجعل كردستان بيروت الثانية”).

  
تصريح السيد أبو صابر جاء في مجلة “سفيل” أيضاً لكنه لم يرق إلى الاقتضاب والهدوء الذي اتسم به تصريح صلاح بدر الدين ولم تبلغ لغته النضج الذي ميز اللغة السياسية المستخدمة من قبل بدر الدين، إذ تجنب الأخير توضيح تمظهرات هذه الخلايا النائمة وإن لم يعمم إلا أنه لم ينفي الأمر في ذات الوقت، وبالضد منه فقد أسهب أبو صابر في شرح القضية وشربكها كثيراً إلى الحد الذي بدا فيه غير قادراً على اختيار القفلة المناسبة لتوضيحه، المنشور بعيد نشر تصريحه، حيث ناشد في نهاية التوضيح من يحاولون حسب تعبيره تشويه سمعته باستغلال هذا الخطأ الحاصل لعدم دراية المحرر باللهجة الكرمانجية “والكف عن الاصطياد  في المياه العكرة والترفع عن الحساسيات الشخصية والحزبية الضيقة” والكلام لأبو صابر.

والحقيقة أن ما أنهى به ممثل حزب الوحدة تصريحه هو واقع الحال في كردستان العراق بالنسبة للكورد السوريين حيث تسود الحساسيات الحزبية فعلياً والسبب لا يتجاوز كونه صراعاً على المكاسب والامتيازات التي تقدم لهذا الحزب أو ذاك من قبل سلطات الإقليم، وأكاد أجزم بأن أبو صابر نفسه لم يتهم الطلبة والعمال (بالارتباط) إلا من باب “طقة برغي” لا أكثر ولا أقل خدمة لترتيبات معينة ربما يحاول أن يستكفي تفاصيلها بعيد الاتهامات التي أطلقها في هواء الإقليم الرحب، فهكذا تصريحات عادةً لا تعطى للإعلام مباشرة إن كان القصد منها الحرص الصادق على مصلحة الإقليم.
وكي لا نحمل تصرف أبو صابر أكثر مما يحتمل فإن الرجل وكما يبدو من خلال تصريحه ليست له ثاغية ولا راغية وهو الذي قضى سنوات طويلة من عمره في النضال داخل سوريا وتعرض لمضايقات توجت! أخيراًً بالاعتقال السياسي وحوكم طليقاً بالسجن لمدة خمس سنوات فآثر الفرار إلى إقليم كوردستان العراق ليتولى مهمة تمثيل حزب الوحدة، لكن تصريحه الأخير حول مهمة الطلبة والعمال في إقليم كوردستان، يفتح الباب أمام سؤال أهم حول مهام الممثليات الحزبية في إقليم كوردستان العراق، وماذا تمثل هذه البعثات الدبلوكردية فعلياً؟    
 
وعلى الرغم من إمكانية وجود بعض العناصر الفاسدة ذات صلة مباشرة وغير مباشرة بجهات تقف بالضد من مصلحة القضية الكوردية في سوريا، إلا أن ما يحدث اليوم من تخوين وتشكيك لا يهدف إلى فضح وتعرية تلك العناصر الفاسدة، بل بات محركاً لإفساد الأجواء العامة وتشويه صورة كل مهتم بالشأن العام وغير العام والنيل ممن تربطهم علاقة مباشرة بالساحة الوطنية الكوردية في سوريا.
فمن المؤسف القول بأن ذهنية التشكيك باتت إحدى أكثر الأدوات (السياسية) الفاعلة المستخدمة في النضال التحزبي الكوردي في سوريا، إذ أفلحت التنظيمات (السياسية) الكوردية في تدريب منتسبيها الحزبيين ليكون باستطاعتهم خلق وإثارة الشكوك ونسج هالة من الأساطير التخوينية وإلصاق التهم بأي فردٍ مهما كان شأنه للنيل من أي هدف يتم اختياره خدمةً للمزاج الحزبي تارةً والفردي في كثير من الأحيان.
فالأحزاب الكوردية في سوريا أنشأت جيلاً كاملاً من الشباب ممن يصفهم ليون تولستوي بأنهم” شيوخٌ فتيان لديهم من الشك والإدعاء أكثر مما لديهم من عزيمة القتال”.


ومسألة تصريح السيد ممثل حزب الوحدة لا تعدو كونها مدخلاً لتناول بعض المسائل الأهم وينبغي من خلالها القيام بمراجعة ذاتية لما يسود أذهان كل منا من منظومة تشكيكية متكاملة جعلتنا نفقد الثقة بكل ما يحيط بنا لدرجة بتنا فيها غير قادرين على التحرك الأفقي الجاد نتيجة الوهم السائد بوجود حزام أمني محلي يلف كل فرد منا على حدى.
النقطة الأخرى التي تستوقفني في تصريح ممثل حزب الوحدة هي دور هذه الممثليات الحزبية في إقليم كوردستان العراق والمهام المنوطة بها، حيث يشتمل الإقليم حاليا على ثمان ممثليات لثمانية أحزاب كوردية سورية قامت بنقل كل ما اشتمل عليه الحراك الحزبي الكوردي في سوريا من تناحر ومهاترات وتشرذم إلى الضفة الكردية المقابلة دون أية فلترة أدبية أو تكتيكية في أسوء الأحوال لتلك الصورة التحزبية الممسوخة.
ولم يتعدى حراك هذه الممثليات النشاط المناسباتي، وأقتصر على بضعة صور تذكارية شخصية، يتم التقاطها على موائد البعض من مسؤولي الإقليم ونشر تلك الصور تحت مانشيت منفوخ فارغ المحتوى من قبيل (يهنئ ويزور ويلتقي ويطبطب ويملق) على الرغم من أن ما توفر لبعض تلك الممثليات قد ضاها في بعض الأحيان ما يمكن أن يوفي حاجيات قنصلية أجنبية.
ربما علينا الاعتراف بأن كل حزب يفرز بشكل عفوي ممثليته التي تمثل حقيقة ذلك الحزب؟ وأنه ليس من قبيل المصادفة أن يقوم ممثل أحد الأحزاب باختلاس المخصصات المالية للطلبة؟ وأن يعتقل زميله من قبل قوات الاحتلال الأمريكي ليطلق سراحه دون أن ينشر حزبه أي تعليق؟ وأن يطلق عناصر ممثلية أخرى النار من فوهات مسدساتهم في أوسع شوارع العاصمة هولير؟ أو أن يقفز ممثل آخر من ممثلية اليمين إلى ممثلية اليسار في سلوك يجسد بوضوح السعدنة السياسية؟ وممثل آخر كحولي لا يمكنه الرقاد إلا مخموراً؟ هذا غيظ من فيض الفساد الحزبي، والحبل متروك على الغارب وأبو صابر رغم كل هذا يريد لتلك الممثليات ومن خلفها أن تزكي وتمنح شهادات حسن السيرة.
إن اتهام السيد أبو صابر لبعض الطلبة والعمال إنما يهدف لتبرئة الساحة الحزبية مما وصفه أبو صابر بحالة الارتباط والعمالة وهذه الحالة بكل تأكيد لن تجد طريقها إلى الإقليم إلا من خلال بؤر الفساد المنظمة وإذا كانت الأحزاب الكوردية في سورية حريصة فعلاً على أمن الإقليم وأمن أحزابها فلتصلح الفساد الذي أهلك هيئاتها ليرتشح أخيراً محاصراً بعثاتها وممثلياتها في الجانب الآخر من الحدود.


 
 
Qadri.qadri@live.com
    

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين مؤتمر جامع في قامشلو على انقاض اتفاقيات أربيل ودهوك الثنائية لسنا وسطاء بين الطرفين ( الاتحاد الديموقراطي و المجلس الوطني الكردي ) وليس من شاننا اتفقوا او اختلفوا او تحاصصوا لانهم ببساطة لن يتخلوا عن مصالحهم الحزبية الضيقة ، بل نحن دعاة اجماع قومي ووطني كردي سوري عام حول قضايانا المصيرية ، والتوافق على المهام العاجلة التي…

شادي حاجي لا يخفى على أي متتبع للشأن السياسي أن هناك فرق كبير بين الحوار والتفاوض. فالحوار كما هو معروف هو أسلوب للوصول الى المكاشفة والمصارحة والتعريف بما لدى الطرفٍ الآخر وبالتالي فالحوارات لاتجري بهدف التوصّل إلى اتفاق مع «الآخر»، وليس فيه مكاسب أو تنازلات، بل هو تفاعل معرفي فيه عرض لرأي الذات وطلب لاستيضاح الرأي الآخر دون شرط القبول…

إبراهيم اليوسف باتت تطفو على السطح، في عالم يسوده الالتباس والخلط بين المفاهيم، من جديد، وعلى نحو متفاقم، مصطلحات تُستخدم بمرونة زائفة، ومن بينها تجليات “الشعبوية” أو انعكاساتها وتأثيراتها، التي تحولت إلى أداة خطابية تُمارَس بها السلطة على العقول، انطلاقاً من أصداء قضايا محقة وملحة، لا لتوجيهها نحو النهوض، بل لاستغلالها في تكريس رؤى سطحية قد…

شادي حاجي القضية الكردية في سوريا ليست قضية إدارية تتعلق بتدني مستوى الخدمات وبالفساد الإداري وإعادة توزيع الوظائف الادارية بين المركز وإدارات المناطق المحلية فإذا كان الأمر كذلك لقلنا مع من قال أن المشكلة إدارية والحل يجب أن يكون إدارياً وبالتالي حلها اللامركزية الادارية فالقضية الكردية أعقد من ذلك بكثير فهي قضية شعب يزيد تعداده على ثلاثة ملايين ونصف تقريباً…