المجلس السياسي: خطوة عملية هامة

  صوت الأكراد *

قبل أن تضع سنة (2009) أوزارها وقبل أن يحط عام (2010) رحاله، وبمبادرة من حزبنا ـ الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي)، وبمعية ثمانية أحزاب كردية شريكة ما عدا حزبي (الوحدة والتقدمي) وأنصار ب ك ك، وتتويجا لمساعي البحث عن مخارج وحلول لأزمة حركتنا المتشتتة بفعل فاعل ذاتي مقدور عليه مع مرور الزمن وبفعل مفاعيل خارجية غير مقدور عليها حتى الحين لأنها خارجة عن إرادتنا المضغوط عليها سلطويا عبر استخدام قبضة أمنية قامعة وأجندة شوفينية طاغية باتجاه تفرقة صفوف الجانب الكوردي مهما كلف الأمر.
تم الإعلان عن تأسيس (المجلس السياسي الكردي في سوريا) بتاريخ (30 ـ 12 ـ 2009) ، وقد خلق الإعلان عن هذا الإطار قدر لا بأس به من الانفراج لدى الرأي العام الكوردي الذي كان يترقب قيام هكذا خطوة توحيدية من شأنها القدرة قدر الإمكان على التعبير عن آمال وطموحات شارعنا المؤازر بغالبيته لحركتنا السياسية والطامح بمستقبل حقوقي أفضل لشعبنا المضطهَد والمعروف بروحيته التفاؤلية المشوبة بشعور متراكم من الاحتقان القومي.
وفي بلاغها الصادر عن اجتماعها الاعتيادي المنعقد في أوائل كانون الثاني 2010م، أبدت اللجنة المركزية لحزبنا ارتياحها العميق لإعلان هذا المجلس الذي يُمكن اعتبارها ثمرة طبيعية لمُتراكمة محاولات تلاقي وتوحيد صفوف حركتنا الكردية في سوريا، وأكدت على تصميم البارتي في مسعى إنجاح المجلس وتفعيله والحفاظ على وحدته واستمراريته وديمومته من خلال تحسين العلاقات الداخلية بين أطرافه والتي تشكل حجر الزاوية في قوة المجلس وبالتالي توفير الأرضية اللازمة لرفع سوية الخطاب وتصعيد النضال الوطني الديمقراطي وتعميق فعاليته، كما أكدت بأن هذا الائتلاف الواسع قد لاقى ترحيباً واسعاً لدى مختلف شرائح شعبنا، وعاهدت على نفسها أن تبذل كل مساعيها لإبقاء الباب مفتوحاً لانضمام غير مشروط لأحزاب أخرى إلى هذا الإطار الجماعي الذي يفسح المجال أمام الجميع ويوحي إلى أنه ليس من مصلحة أي طرف كردي أن يغرد خارج السرب الكردي، ورأت بأن هذا المجلس سيزيد من التحام الجماهير الكردية بحركتها وبالتالي سيرفع من سوية خطابها ويزيد من قوتها وفعاليتها وقدرتها على التعامل مع الأحداث والمعطيات، وأكدت أن كل أشكال العنف والقمع التي تمارسها السلطة بحق الشعب الكردي وحركته لن تثنيه عن الاستمرار في النضال الديمقراطي وأن لا بديل عن الحوار على قاعدة المساواة والشراكة في الوطن وعلى الإقرار الدستوري بوجود الشعب الكردي كثاني أكبر قومية في البلاد وإلغاء جميع السياسات الشوفينية المطبقة بحقه ومعالجة آثارها وتداعياتها،
هذا وقد سبق الإعلان عن المجلس السياسي الذي يعتبره المهتمون بشأن ساحتنا بأنه فاتحة لعصر نضالي جيد، انعقاد سلسلة من اللقاءات الحزبية والحوارات الجادة التي انبثق عنها هذا المولود الجديد الذي نعتبره إنجازا ميدانيا بمقدوره التمهيد والبدء بمشروع وحدوي من شأنه تلبية حاجة الرأي العام الكردي والعمل على اعتماد منطق مراجعة الذات وفورماتة أداء الجانب الكردي عبر تفعيل الحراك السياسي في ساحتنا المحتاجة للمزيد من المحطات العملية على طريق التلاقي وتوحيد الصفوف من خلال إعادة ترتيب البيت الكردي في سوريا التي يحكمها نظام البعث الذي يتبع ضد شعبنا سياسة شوفينية عنوانها القهر القومي والصهر في بوتقة العروبة.
وللعلم فإنَّ جدية أطراف المجلس السياسي تبدو جدية ويبدو أنها تفضِّل تغليب للتناقض الرئيس على اختلافاتنا الثانوية التي ينبغي تجاوزها لينصب نضالنا ضد الشوفينية وليس ضد بعضنا البعض، ولولا التحلي بهذه الأخلاقية التحاورية لما استطاعت هذه الأحزاب المختلفة فيما بينها مواصلة حواراتها والتوصل إلى مثل هكذا إطار سياسي يلم شمل كافة أطراف حركتنا المعتدلة واليمينية واليسارية وغيرها.
وبما أننا نعتبر بأنّ هذا المجلس هو مكسب إستراتيجي وليس مجرّد خطوة تكتيكية خطوناها مع شركائنا بشكل اضطراري لكي نجتاز على مركوبها أية ضائقة قد يظن البعض بأننا نعاني منها، وإنما هو استحقاق قومي ديمقراطي قد تواجهه معوقات كثيرة، فإنه يتبادر إلى الأذهان ثمة أسئلة عديدة: لماذا ولمصلحة من اختار البارتي خيار تأسيس هكذا مشروع وحدوي قد يرتَّبَ على عاتق أصحابه مزيدا من المسؤولية والجهود، وهل هناك ثمة مقومات لديمومته؟، وما هي العراقيل التي قد تعترض مسار هكذا خيار إستراتيجي يخص حاضر ومستقبل شعبنا الكوردي المقهور؟، وهل ثمة آفاق للنجاح قد تلوح في الأفق؟، وهل صحيح بأنّ هذا المجلس فاتحة لعهد جديد..كما يُقال؟.
إنَّ الكل بات يعلم بأنَّ البارتي لا يعاني من أية أزمة داخلية وهو حزب مستقر على شتى الأصعدة (التنظيمية والسياسية والجماهيرية) ولم يكن في يوم من الأيام محتاراً في خياراته السياسية، ولم يكن مضطراً تحت ضغط أية أزمة تجبره للخوض في أعباء تأسيس هكذا مشروع قد يتعرّض لمعوقات لا حصر لها، وقد جاء هذا الخيار الوحدوي في إطار السياسة الوحدوية لحزبنا وتلبية لحاجة جماهيرية ولجمع شمل أطراف حركتنا المتشتتة.
في الحقيقة لقد كان هناك ثلاثة خيارات أمام البارتي، لكنه اختار الخيار الأصعب في هذه المرحلة التي تتطلب منا المزيد من التواضع والتضحية ونكران الذات بهدف التخلص من أزمة تشرذم حركتنا عبر تلاقي وتوحيد صفوفنا وترتيب بيتنا السياسي من الداخل.
1 ـ الخيار الأول: تعزيز موقع الحزب والتغريد وحيداً خارج السرب الكردي والإستقواء بعلاقاته الكردستانية المتميزة وبصلاته الحسنة مع المعارضة الديمقراطية السورية، وكان بمقدور البارتي أن يستمر بهذا الشكل فهو لا يعاني من أية أزمة داخلية ينوي تصديرها عبر رفع أي شعار أو عبر الاحتماء في ظلال أي إطار.
2 ـ الخيار الثاني: الرضوخ لإرادة الآخرين (السلطة السورية وبعض أوساط المعارضة) والركون إلى الخطاب الحمائمي الذي يصفونه بالعقلانية السياسية والانضمام بهدوء إلى ما يسمى بالمجلس العام للتحالف الذي تعبره الأغلبية الساحة لشعبنا بأنه إطار نخبوي وليس الجماهيري، وبمحاذاة ذلك كان المطلوب من البارتي أن يستسلم لسياسة الأمر الواقع السلطوية وأن يرتد على شارعنا الكردي وعلى شركائنا الحاليين وأن يصفهم بالغوغائيين والمتطرفين!.


3 ـ الخيار الثالث: وهو الخيار الأصعب، حيث اختار البارتي مهمة لمِّ شمل كافة الشركاء والتأسيس جمعا لمشروع وحدوي يلبي طموحات شعبنا، وهذا الخيار السياسي هو خيار نابع من إيمان البارتي بالتعددية السياسية والخوض في غمار الحوار (الكردي ـ الكردي) وسط ساحة مكتظة بالمتناقضات التي يفتعلها كافة الذين يستسهلون إمكانيات وإرادة البارتي.
وبما أنّ هذا المجلس ليس مجرد إعلان عن أفعال وردود أفعال، وإنما هو ثمرة طبيعية لحوارات ميدانية متواصلة جرت بين مختلف الأفرقاء على مدى أكثر من سنتين أثمرتا إطار تنظيمي توافقي يسعى لتلاقي صفوف الجانب السياسي الكردي ويقوده صوب تشكيل مرجعية في المستقبل، فإنّ هذا المجلس سيستمر وسيلقى النجاح لكونه إطار يستمد قوته من العوامل التالية:
1 ـ المجلس يلبي طموحات كوادر أحزابنا ويستمد قوته من الشارع الكردي المرحب به.
2 ـ المجلس يحظى بتواجد تنظيمي في كافة المناطق الكردية وفي كل أماكن تواجد شعبنا.
4 ـ المجلس يتبنى خطاب سياسي قومي ديمقراطي يليق بقضيتنا القومية العادلة ولا يضرُّ بالآخرين، فهو يرى بأنّ القضية الكوردية هي قضية شعب وأرض ويؤكد بأنها باتت مشكلة عالقة بحاجة إلى حل ديمقراطي عادل.
5 ـ المجلس (بصفته الاعتبارية) يسعى ليضع حدا لعربدة الأجهزة الأمنية التي تتطاول على شارعنا وتحاول عزل أحزابنا وملاحقة واعتقال نشطائنا.
6 ـ المجلس يمتاز بعلاقات أخوية كوردستانية متميزة.


7 ـ للمجلس علاقات جيدة مع المعارضة السورية، وخاصة مع ائتلاف إعلان دمشق.
8 ـ المجلس يحثُّ نشطائه وسط الجالية الكردية في الخارج للقيام بالأنشطة بهدف توسيع دائرة أصدقاء شعبنا ومناصري قضيتنا.
9 ـ المجلس يمتاز بالتعددية التنظيمية والتنوع السياسي والقاعدة الجماهيرية الواسعة، وهو إطار توافقي واسع الأفق وأبوابه رحبة ومفتوحة لكل طرف كردي يؤمن بالعمل المشترك، وهو مبني على مبدأ إحترام الرأي والرأي الأخر والعمل معاً وفق مقولة “كل شيء قابل للنقاش” بين الأشقاء مهما كانوا مختلفين.
10 ـ المجلس يعتبر نفسه طرفا عقلانيا لكنه لا يسمح لنفسه بأن يصف أية جهة كردية أخرى بالتطرف أو الغوغائية.
11ـ المجلس أداءه بطيء بالقياس مع تسارع الأحداث، وذلك لأنه يضم في صفوفه أحزابا عديدة لها مواقف مختلفة بحيث يصعب جمعها على طاولة واحدة بالسرعة الممكنة، إضافة إلى أنّ السلطة تتربص بقياداته وتلاحق نشطائه.
12ـ المجلس مستهدَف من قبل الأجهزة الأمنية ولديه معتقلين سياسيين (أعضاء مكتب سياسي) وكوادر قيادية نشيطة.
في الختام..ورغم كل هذه الإيجابيات التي ذكرناها سالفا، فإنّ ما يبعث على الأسف الشديد هو أنه في الوقت الذي ابتهج فيه كل بنات وأبناء الكرد وانتابهم شعور عال بالمسؤولية حيال هكذا فاتحة خير مع إطلالة العام الجديد 2010م، برز سلبيون كثر وكثُرَ القيل والقال وبرزت أصوات نشاز أرادت إحداث نوع من المعمعة تعبيراً عن امتعاضها بحجة أنّ هذه الخطوة جاءت متأخرة، وبدأ البعض يتباكى ويحشر أنفه ويفاول على قيادات الأحزاب وكوادرها ويراهن بأن هذا المجلس عمره قصير، علما بأنّ تلك الأصوات التي لا يعجبها العجب، هي على معرفة تامة بماهية الضغوط على حراكنا السياسي المحاصر في الداخل وبمدى رداءة أحوال شعبنا المحبوس بالجملة في سوريا التي تحولت شيئا فشيئا إلى سجن كبير لأهلها.
وبهذا الصدد ليس بالوسع سوى أن نقول لكل الذين يكثرون القيل والقال ويفاولون على المجلس السياسي ويتعالون على حركتنا الكردية ويتجاهلون دورها في قيادة مسيرة شعبنا: خطوة عملية واحدة أفضل من دزينة برامج نظرية ومن رزمة شعارات مزاوداتية أو مناقصاتية، فالعمل خير خطاب.

* الجريدة المركزية للحزب الديمقراطي الكردي في سوريا ( البارتي )  – العدد (423) شباط 2010

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

صلاح بدرالدين في البلدان المتحضرة التي يحترم حكامها شعوبهم ، وعلماؤهم ، ومفكروهم ، ومثقفوهم ، تولى مراكز الأبحاث ، والدراسات ، ومنصات الحوار الفكري ، والسياسي ، والثقافي ، أهمية خاصة ، وتخصص لها بشكل قانوني شفاف ميزانية خاصة تبلغ أحيانا من ١ الى ٢ ٪ من الميزانية العامة ، وتتابع مؤسسات الدولة ، بمافيها الرئاسات ، والوزارات الحكومية…

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…