محمد قاسم
عبر تجربتي..
مع السلطات التي تحكم في المنطقة العربية ..بل الشرق عموما
والأحزاب الكردية التي تتكاثر في ساحة العمل السياسي باستمرار.
وبلا جدوى ذي تأثير فاعل في الواقع السياسي..
طبعا؛ كنتيجة لروح الاستبداد التي تسم العلاقة بين قادتها وجماهيرها، وتضيع فرصة التحاور في ظروف ديمقراطية يمكن أن تجنبها الانقسامات، خاصة وإن القياديين فيها استمرؤوا الموقع وان لم ينتجوا وينجحوا –للأسف..
عبر تجربتي..
مع السلطات التي تحكم في المنطقة العربية ..بل الشرق عموما
والأحزاب الكردية التي تتكاثر في ساحة العمل السياسي باستمرار.
وبلا جدوى ذي تأثير فاعل في الواقع السياسي..
طبعا؛ كنتيجة لروح الاستبداد التي تسم العلاقة بين قادتها وجماهيرها، وتضيع فرصة التحاور في ظروف ديمقراطية يمكن أن تجنبها الانقسامات، خاصة وإن القياديين فيها استمرؤوا الموقع وان لم ينتجوا وينجحوا –للأسف..
وطبعا الأحزاب المختلفة الأخرى في الوطن وخارجه…
عبر هذه التجربة، لمست النتائج التي تصبح عليها الثقافة الاجتماعية في بلداننا ومجتمعاتنا..!
في البدء..
دعونا نفرق بين الأحوال الثقافية؛ لجهة مستواها: عمقا وشمولا وتنوعا.
ففي كل مجتمع يختلف مستوى الثقافة عن المجتمعات الأخرى..
لأن الثقافة- ببساطة- هي: حصيلة فعالية أبناء كل مجتمع، وتفاعلهم مع الزمان، والمكان، والأحداث..
وكل ما يدخل في نسيج تكوين هذا المجتمع.
لذا توصف بـ”كل معقّد…”
والثقافة تتحدد – في طبيعتها وتجلياتها- وفقا للقاعدة التي تأسست عليها؛ في لحظة حاسمة من تاريخ الأمة-المجتمع-.
لكن ذلك لا ينبغي أن ينسينا أثر الطبيعة المهم جدا (التضاريس، سهول، جبال، وديان ..الخ.
–المياه وشكل تجليها- بحار، انهار، أمطار….الخ ، المناخ ، برودة ، حرارة رطوبة ، جفاف..الخ..
الجغرافية عموما..الخ).كل ذلك يؤثر بحيوية ؛ على تشكيل هذه القاعدة التأسيسية للثقافة بتفاعل مع الحالة الراهنة التي يكون المجتمع عليها ..
أي أن عوامل موضوعية، وعوامل ذاتية، تتضافر، وتتكامل؛ لتكوين القاعدة التي تنطلق منها الثقافة، وتتمدد طولا وعرضا في حياة المجتمعات.
فمثلا…
نجد أن اليونان، وبحكم تأثير ظروف الطبيعة ، كما يبدو، في حياتهم، من جبال..
وبحر..
وخضرة..
وضيق المكان-نوعا ..وغير ذلك، وتفاعل ذلك مع الحالة الذاتية لهم.
قد حققت انعكاسا خاصا؛ وجههم نحو التعمق في التفكير (التأمل) كسمة عامة في حياتهم..
ومن لم يكن كذلك؛ ينمو لديه الاستعداد للتفاعل مع المتأملين-المتعمقين في التفكير- أي الفلاسفة –عشاق الحكمة- كما عرّفهم سقراط- على الأغلب-..
وهو أوّل من وُصِف – آو وصَف نفسه- بذلك.
فكانت الفلسفة المنهج المتبع للتأسيس لبنية ثقافتهم، وقد أثمرت-فعلا- عن التطورات المختلفة في التفكير، والعلوم، لديهم…
كما وجهتهم إلى تبني القوة الجسدية، كقيمة ضرورية لممارسة الهيمنة العسكرية، و حسن الإدارة، وممارسة الرياضة المنظمة، وتأسيس المسرح..
وغير ذلك من أنشطة البشر، في نموذجيتها –أذا جاز التعبير- .
هذه الممارسات التي لا تزال تحتفظ بحيويتها؛ بل وتتطور باستمرار في كثير منها، وفي العالم كله..
والأولمبياد مثل واضح.
مع الميل إلى اعتبار النظر أولوية على العمل في بنيتهم الثقافية..
ولكنه نظري مؤسس على المنطق والعلم..لا لغطا وكلمات بلا مدلول ولا مغزى سوى البعد السفسطائي غير المحدود بثوابت..
وربما كان للمكان-حيث يعيشون على البحر وبين الجبال..أثر في تجنيبهم الكثير من الاحتلالات، على الرغم من الصراع الدائم بينهم وبين المصريين والفرس وشعوب بلاد الرافدين العراقية ؛بمختلف تسمياتها ..
فأمّن لهم ذلك، نوعا من الاستقرار الذي يتطلبه التأمل والتفكير العميق.
وذلك بخلاف ما حدث في العراق –مثلا- حيث كان دائما مطمع الجميع لاحتلاله؛ بسبب توافر العناصر الطبيعية للحياة بتجل أفضل –موقع جغرافي- خصوبة – مياه- وربما الأهم، الموقع المتوسط بين المناطق المختلفة حينها –ولا يزال..
لكن ذلك لم يمنع من ظهور التفكير الذي انجلى عن ابتكارات حضارية مختلفة، لم تكن تدوم غالبا، بسبب الظروف المذكورة..ولا تزال الأحوال فيه متقلبة، والعنف طاغيا..
مما يفوّت الفرص المناسبة للاستقرار، والذي يؤمّن استمرار انطلاقة حضارية مميزة في التاريخ.
وأطول دواما..
بل كانت دوما حضارات تأكل بعضها-إذا جاز التعبير- ولا يزال المنهج سائدا..في أنظمة الحكم فيه.
ولو أجرينا مقارنة هذا مع الوضع بالصحراء السعودية -الجزيرة العربية- مثلا..
لوجدنا الأمر مختلفا ..
ففقر الطبيعة بعناصر الحياة والمعيشة ..وظروف التقشف الطاغية،وقسوة الصحراء اللاهبة…الخ.
وجّه الناس نحو تكريس الوقت والتفكير للبحث عن الطعام؛ والذي ولّد الاتجاه نحو الغزوات والصراعات بين القبائل بعضها بعضا، ومن ثم كرّست قيما تسويغية لهذا السلوك، ونموها بمبالغة –بعيدة عن حالة ثقافية عليا؛ تنظمها بروح واقعية مستشرفة.
فبقيت الخصائص القبلية المحصورة في هذه البيئة ، خاصة ،الأمية ومفرزاتها..
قاصرة عن التفاعل التطوري مع الحالة..
لنتذكر مثلا حرب داحس والغبراء، وحرب الناقة –الزير سالم- والتي طالت سنين تأكل الأخضر واليابس ، وتهدم العلاقات الاجتماعية بتأثير من هذه القيم التسويغية لقتل بعضهم بعضا، على الرغم من العمومة والخؤولة بينهم،فضلا عن التعايش المشترك في رقعة جغرافية واحدة .!
وما يحصل اليوم في العراق وبعض المناطق الأخرى شيء شبيه.حيث تسود سيكولوجية الثأر والحقد والاستخفاف بأرواح الناس بحجج واهية لا أصل ديني لها –وان حاول البعض أن يبرر ذلك باجتهادات دينية ذات طابع ذاتي-نفسي..
لذا فإن الوعي لم يتبلور لبلوغ مستوى يمكن بناء حضارة ذات عناصر متكاملة من المعطيات.
والتي يفترضها بناء أية حضارةعادة..
فقط كانت شذرات، ومحطات، وكأنها جزر في بحر، كما في سبأ في اليمن، وقليل منها في مكة والمدينة…
لم تشكل –كما في إيران والرومان- حضارة قوية بملامح متمدنة بشكل ما –بغض النظر عن طبيعة الأنظمة، ومستوى تعميم القيم الأخلاقية فيها..فنحن هنا نحاول الوصف..لا الحكم..
ظلت القبائل العربية محكومة من الإمبراطوريتين –الرومانية والفارسية..عهودا طويلة جدا- الغساسنة والمناذرة –
وأورث ذلك -فيما بعد- ما يشبه الحقد -كقيمة ثقافية- لديها لا تزال معششة في الذهنية والسيكولوجية (في ثقافة) لديها،إضافة إلى تخلّف من تجلياته:
الأمية، والبعد عن الصناعة،والزراعة ومختلف عوامل الاستقرار ما عدا جزر قليلة-كما سبق القول- .
ومما يحزن،لا يسهل تفكيك هذه الثقافة المتخلفة ،لأنها تتحور دوما –بطريقة ما- نحو تجلي الأصل البدائي لها-البداوة- .فتفرز مفاهيم تمنع تفكيك المؤثرات الماضية.
-ربما كنوع من الدفاع نفسيا-.
ونلاحظ هذا في حوارات-والأصح جدالات – تجري في الفضائيات، وكتابات في الصحف والمنتديات..الخ.
فضلا عن الكتب المختلفة وغيرها من وسائل التعبير.
فإذا أضفنا هيمنة تأثيرات-ولا أقول ثقافة- دينية؛ كنتيجة لسوء فهم لطبيعته ، وتفسير التعليمات والكتب الدينية وفق طبيعة ذهنية –سيكولوجية (ثقافة) تغلب الأمية فيها ..
ربما نصل إلى استنتاج -وأقول استنتاج- لما يجري في الواقع؛ بخصائصه التي أصبحت معروفة في حياة المجتمعات المتخلفة، والتي اتخذنا العرب نموذجا لذلك.
وتشاركهم شعوب مختلفة متشابهة في هذه الخصائص-
فنحن -في الحصيلة- نود أن نفهم حقيقة الواقع، وما كرسه في هذه الصيغة..
وهنا، لابد من التفريق بين دور الأمية في حياة الرسول-وهي حالة فريدة وخاصة- والتي وفرت المصداقية للقبول بأنه لم يؤلف القرآن- كما يحب البعض أن يكرسوا الاعتقاد به من الخصوم..
وبأنه إنما موحى إليه،لأنه لا يملك المقدرة -كأمي- على إنتاج عظيم، كالقرآن والسنة التي تعتبر حكمة أخلاقية روحية؛ تربط الأرض بالسماء من خلال الإيمان بالوحي..
وتعطي للحياة معنى ومغزى..
وبين الأمية الشاملة في مجتمع القبائل، والتي كرّست التخلف، طابعا ثقافيا فكريا، أفرزت القيم السكونية، والحائلة دون التحرر للانطلاق إلى رحاب أوسع من التفكير، ومن ثم محاولة تكوين فلسفة تجدد التفكير، وتوسع أفقه.
ولا تزال هذه الأمية سائدة ،سواء بـ:
– نسبة وجوده جهلا بالقراءة والكتابة، وهي تتمحور على خمسين بالمائة-على الأقل- أو يزيد، مع تفاوت بين دولة وأخرى-
– أم بطبيعة وجودها، تخلفا عن درجة الإجازة التي يحملها الكثيرون..
بعبارة أخرى:
عدم التوافق بين الشهادة التي تشير إلى التأهيل -المستوى ألتحصيلي- وبين حقيقة مستوى التحصيل المعرفي لدى أصحابها – فضلا عن عمق ووضوح هذه المعرفة خبراتيا-إذا جاز التعبير ، أي انعكاسها في سلوك حامليها نضجا ووعيا..
بتقديري-فإن السبب الحاسم لهذا كله هو هيمنة الثقافة السلطوية -السياسية- على الثقافة الاجتماعية التي يفترض أن تنمو في أجواء من الحرية وقرينتها الديمقراطية..
ليمكنها أن تنمو في ميدان تنافس تفتق عن القوى الكامنة في كل فرد وكل مجموعة ..أيا كانت.
وفي هذه الحالة فإن الكورد –وهم يعيشون في هذه الأجواء – فإنهم أيضا يعانون المشكلة الثقافية نفسها (هيمنة الثقافة السلطوية..الحزبية.السياسية…الخ).
وسيعيشون النتيجة نفسها ما لم يتداركوا الأمر-بشكل ما..
وان كانت الذهنية مختلفة قليلا..
فتقبلهم التطورات قد يكون أوسع مساحة.
ولكن الخشية من فقدان الخصوصية يظل هاجسا..!!!
في البدء..
دعونا نفرق بين الأحوال الثقافية؛ لجهة مستواها: عمقا وشمولا وتنوعا.
ففي كل مجتمع يختلف مستوى الثقافة عن المجتمعات الأخرى..
لأن الثقافة- ببساطة- هي: حصيلة فعالية أبناء كل مجتمع، وتفاعلهم مع الزمان، والمكان، والأحداث..
وكل ما يدخل في نسيج تكوين هذا المجتمع.
لذا توصف بـ”كل معقّد…”
والثقافة تتحدد – في طبيعتها وتجلياتها- وفقا للقاعدة التي تأسست عليها؛ في لحظة حاسمة من تاريخ الأمة-المجتمع-.
لكن ذلك لا ينبغي أن ينسينا أثر الطبيعة المهم جدا (التضاريس، سهول، جبال، وديان ..الخ.
–المياه وشكل تجليها- بحار، انهار، أمطار….الخ ، المناخ ، برودة ، حرارة رطوبة ، جفاف..الخ..
الجغرافية عموما..الخ).كل ذلك يؤثر بحيوية ؛ على تشكيل هذه القاعدة التأسيسية للثقافة بتفاعل مع الحالة الراهنة التي يكون المجتمع عليها ..
أي أن عوامل موضوعية، وعوامل ذاتية، تتضافر، وتتكامل؛ لتكوين القاعدة التي تنطلق منها الثقافة، وتتمدد طولا وعرضا في حياة المجتمعات.
فمثلا…
نجد أن اليونان، وبحكم تأثير ظروف الطبيعة ، كما يبدو، في حياتهم، من جبال..
وبحر..
وخضرة..
وضيق المكان-نوعا ..وغير ذلك، وتفاعل ذلك مع الحالة الذاتية لهم.
قد حققت انعكاسا خاصا؛ وجههم نحو التعمق في التفكير (التأمل) كسمة عامة في حياتهم..
ومن لم يكن كذلك؛ ينمو لديه الاستعداد للتفاعل مع المتأملين-المتعمقين في التفكير- أي الفلاسفة –عشاق الحكمة- كما عرّفهم سقراط- على الأغلب-..
وهو أوّل من وُصِف – آو وصَف نفسه- بذلك.
فكانت الفلسفة المنهج المتبع للتأسيس لبنية ثقافتهم، وقد أثمرت-فعلا- عن التطورات المختلفة في التفكير، والعلوم، لديهم…
كما وجهتهم إلى تبني القوة الجسدية، كقيمة ضرورية لممارسة الهيمنة العسكرية، و حسن الإدارة، وممارسة الرياضة المنظمة، وتأسيس المسرح..
وغير ذلك من أنشطة البشر، في نموذجيتها –أذا جاز التعبير- .
هذه الممارسات التي لا تزال تحتفظ بحيويتها؛ بل وتتطور باستمرار في كثير منها، وفي العالم كله..
والأولمبياد مثل واضح.
مع الميل إلى اعتبار النظر أولوية على العمل في بنيتهم الثقافية..
ولكنه نظري مؤسس على المنطق والعلم..لا لغطا وكلمات بلا مدلول ولا مغزى سوى البعد السفسطائي غير المحدود بثوابت..
وربما كان للمكان-حيث يعيشون على البحر وبين الجبال..أثر في تجنيبهم الكثير من الاحتلالات، على الرغم من الصراع الدائم بينهم وبين المصريين والفرس وشعوب بلاد الرافدين العراقية ؛بمختلف تسمياتها ..
فأمّن لهم ذلك، نوعا من الاستقرار الذي يتطلبه التأمل والتفكير العميق.
وذلك بخلاف ما حدث في العراق –مثلا- حيث كان دائما مطمع الجميع لاحتلاله؛ بسبب توافر العناصر الطبيعية للحياة بتجل أفضل –موقع جغرافي- خصوبة – مياه- وربما الأهم، الموقع المتوسط بين المناطق المختلفة حينها –ولا يزال..
لكن ذلك لم يمنع من ظهور التفكير الذي انجلى عن ابتكارات حضارية مختلفة، لم تكن تدوم غالبا، بسبب الظروف المذكورة..ولا تزال الأحوال فيه متقلبة، والعنف طاغيا..
مما يفوّت الفرص المناسبة للاستقرار، والذي يؤمّن استمرار انطلاقة حضارية مميزة في التاريخ.
وأطول دواما..
بل كانت دوما حضارات تأكل بعضها-إذا جاز التعبير- ولا يزال المنهج سائدا..في أنظمة الحكم فيه.
ولو أجرينا مقارنة هذا مع الوضع بالصحراء السعودية -الجزيرة العربية- مثلا..
لوجدنا الأمر مختلفا ..
ففقر الطبيعة بعناصر الحياة والمعيشة ..وظروف التقشف الطاغية،وقسوة الصحراء اللاهبة…الخ.
وجّه الناس نحو تكريس الوقت والتفكير للبحث عن الطعام؛ والذي ولّد الاتجاه نحو الغزوات والصراعات بين القبائل بعضها بعضا، ومن ثم كرّست قيما تسويغية لهذا السلوك، ونموها بمبالغة –بعيدة عن حالة ثقافية عليا؛ تنظمها بروح واقعية مستشرفة.
فبقيت الخصائص القبلية المحصورة في هذه البيئة ، خاصة ،الأمية ومفرزاتها..
قاصرة عن التفاعل التطوري مع الحالة..
لنتذكر مثلا حرب داحس والغبراء، وحرب الناقة –الزير سالم- والتي طالت سنين تأكل الأخضر واليابس ، وتهدم العلاقات الاجتماعية بتأثير من هذه القيم التسويغية لقتل بعضهم بعضا، على الرغم من العمومة والخؤولة بينهم،فضلا عن التعايش المشترك في رقعة جغرافية واحدة .!
وما يحصل اليوم في العراق وبعض المناطق الأخرى شيء شبيه.حيث تسود سيكولوجية الثأر والحقد والاستخفاف بأرواح الناس بحجج واهية لا أصل ديني لها –وان حاول البعض أن يبرر ذلك باجتهادات دينية ذات طابع ذاتي-نفسي..
لذا فإن الوعي لم يتبلور لبلوغ مستوى يمكن بناء حضارة ذات عناصر متكاملة من المعطيات.
والتي يفترضها بناء أية حضارةعادة..
فقط كانت شذرات، ومحطات، وكأنها جزر في بحر، كما في سبأ في اليمن، وقليل منها في مكة والمدينة…
لم تشكل –كما في إيران والرومان- حضارة قوية بملامح متمدنة بشكل ما –بغض النظر عن طبيعة الأنظمة، ومستوى تعميم القيم الأخلاقية فيها..فنحن هنا نحاول الوصف..لا الحكم..
ظلت القبائل العربية محكومة من الإمبراطوريتين –الرومانية والفارسية..عهودا طويلة جدا- الغساسنة والمناذرة –
وأورث ذلك -فيما بعد- ما يشبه الحقد -كقيمة ثقافية- لديها لا تزال معششة في الذهنية والسيكولوجية (في ثقافة) لديها،إضافة إلى تخلّف من تجلياته:
الأمية، والبعد عن الصناعة،والزراعة ومختلف عوامل الاستقرار ما عدا جزر قليلة-كما سبق القول- .
ومما يحزن،لا يسهل تفكيك هذه الثقافة المتخلفة ،لأنها تتحور دوما –بطريقة ما- نحو تجلي الأصل البدائي لها-البداوة- .فتفرز مفاهيم تمنع تفكيك المؤثرات الماضية.
-ربما كنوع من الدفاع نفسيا-.
ونلاحظ هذا في حوارات-والأصح جدالات – تجري في الفضائيات، وكتابات في الصحف والمنتديات..الخ.
فضلا عن الكتب المختلفة وغيرها من وسائل التعبير.
فإذا أضفنا هيمنة تأثيرات-ولا أقول ثقافة- دينية؛ كنتيجة لسوء فهم لطبيعته ، وتفسير التعليمات والكتب الدينية وفق طبيعة ذهنية –سيكولوجية (ثقافة) تغلب الأمية فيها ..
ربما نصل إلى استنتاج -وأقول استنتاج- لما يجري في الواقع؛ بخصائصه التي أصبحت معروفة في حياة المجتمعات المتخلفة، والتي اتخذنا العرب نموذجا لذلك.
وتشاركهم شعوب مختلفة متشابهة في هذه الخصائص-
فنحن -في الحصيلة- نود أن نفهم حقيقة الواقع، وما كرسه في هذه الصيغة..
وهنا، لابد من التفريق بين دور الأمية في حياة الرسول-وهي حالة فريدة وخاصة- والتي وفرت المصداقية للقبول بأنه لم يؤلف القرآن- كما يحب البعض أن يكرسوا الاعتقاد به من الخصوم..
وبأنه إنما موحى إليه،لأنه لا يملك المقدرة -كأمي- على إنتاج عظيم، كالقرآن والسنة التي تعتبر حكمة أخلاقية روحية؛ تربط الأرض بالسماء من خلال الإيمان بالوحي..
وتعطي للحياة معنى ومغزى..
وبين الأمية الشاملة في مجتمع القبائل، والتي كرّست التخلف، طابعا ثقافيا فكريا، أفرزت القيم السكونية، والحائلة دون التحرر للانطلاق إلى رحاب أوسع من التفكير، ومن ثم محاولة تكوين فلسفة تجدد التفكير، وتوسع أفقه.
ولا تزال هذه الأمية سائدة ،سواء بـ:
– نسبة وجوده جهلا بالقراءة والكتابة، وهي تتمحور على خمسين بالمائة-على الأقل- أو يزيد، مع تفاوت بين دولة وأخرى-
– أم بطبيعة وجودها، تخلفا عن درجة الإجازة التي يحملها الكثيرون..
بعبارة أخرى:
عدم التوافق بين الشهادة التي تشير إلى التأهيل -المستوى ألتحصيلي- وبين حقيقة مستوى التحصيل المعرفي لدى أصحابها – فضلا عن عمق ووضوح هذه المعرفة خبراتيا-إذا جاز التعبير ، أي انعكاسها في سلوك حامليها نضجا ووعيا..
بتقديري-فإن السبب الحاسم لهذا كله هو هيمنة الثقافة السلطوية -السياسية- على الثقافة الاجتماعية التي يفترض أن تنمو في أجواء من الحرية وقرينتها الديمقراطية..
ليمكنها أن تنمو في ميدان تنافس تفتق عن القوى الكامنة في كل فرد وكل مجموعة ..أيا كانت.
وفي هذه الحالة فإن الكورد –وهم يعيشون في هذه الأجواء – فإنهم أيضا يعانون المشكلة الثقافية نفسها (هيمنة الثقافة السلطوية..الحزبية.السياسية…الخ).
وسيعيشون النتيجة نفسها ما لم يتداركوا الأمر-بشكل ما..
وان كانت الذهنية مختلفة قليلا..
فتقبلهم التطورات قد يكون أوسع مساحة.
ولكن الخشية من فقدان الخصوصية يظل هاجسا..!!!