وكان الحدث الجديد حين خرج رئيس الوزراء التركي، وزعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيّب أردوغان، من مبنى وقف إسلامي، في مدينة إشبيليَّة الإسبانيَّة، فإذ بشاب كرديّ سوري، يرشقه بحذائه، هاتفاً: «عاش الكرد… عاشت كردستان… يا قاتل».
وفجأةً، بدأت شاشات التلفزة التركيَّة، مساء ذلك اليوم، تنقل مشاهد الهجوم على أردوغان، ومنها «سي أن أن – تورك»، «إن تي في»، «خبر تورك»، وكل قنوات التلفزة التركيَّة تقريباً.
بعد ذلك بدأت شبكات التلفزة التركيَّة تحاول التقليل من وطأة الحدث، بالقول: «إنّ الشابّ، مختلّ علقيّاً، وكان مخموراً…»، وإلى ما هنالك من تفسيرات وتبريرات، في مسعى للفلفة الأمر.
إلاّ أن المشاهد التي نقلتها التلفزة، أشارت إلى منسوب المفاجأة والدهشة، التي قاربت الذعر، لدى أردوغان ومرافقيه.
وكيف هرع أردوغان الى سيارتّه، وهرع الأمن الإسباني إلى بطح الشابّ الكردي أرضاً، وتقييده وتكميم فمه!
حين تعرّض الرئيس الأميركي السابق للحدث ذاته، تناول الإعلام التركي، وبخاصّة المرئي منه، هذا الحدث، بشيء من التشفّي والسخريَّة، وأسهب في التحليلات والتفسيرات، حول اقترافات بوش في العراق، في مسعى لتبرير فعلة الزيدي! أمّا حين صار رئيس حكومتهم، مقذوفاً بحذاء، فإن الإعلام التركي استشاط غيظاً الى حدّ انزلاق بعضه في التأليب على الأكراد، ولو في شكل غير مباشر! هنا إذاً، تبرز ازدواجيَّة المعايير في تناول الأحداث، وهي ازدواجية تشتهر بها التلفزة التركيَّة، ليس في هذا الحدث وحسب، بل في تغطية أحداث سياسيَّة أخرى وتحليلها، كالتركيز على وحشيّة الجيش الإسرائيلي في غزّة، والتعميّة على وحشيّة الجيش التركي في المناطق الكرديَّة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشير هنا الى نشر الكثير من المواقع الكرديّة، مشاهد فيديو، لجندي تركي، يسحل جثَّة مقاتل كردي، ويدهسه على رأسه، بينما لاحظنا ان هذه المشاهد الوحشيّة، والمقززة، في التعاطي مع الموتى، لم تجد لها موطئ لحظة على شاشات التلفزة التركيَّة!
قصارى القول: يبدو من الآن فصاعداً، ان عدسات الكاميرات المرافقة لأي زعيم شرق أوسطي، في مؤتمر صحافي، خارج بلاده، أو في أيّة زيارة خارجيَّة، ستكون مصوّبة على الزعيم، وعلى أحذية المحيطين به، لرصد لحظة انطلاقة أيّ منها، وطيرانها نحو الزعيم! وربما يصل بنا الوقت، لأن نقرأ على باب قاعات المؤتمرات الصحافيّة للزعامات: يرجى خلع الأحذية، قبل الدخول.
أو ربما يتمّ استبعاد أي مواطن منتعل، من موكب أيّ زعيم، عملاً بـ «يُمنع اقتراب المنتعلين»!