التلفزة التركية وقذف أردوغان بحذاء

هوشنك أوسّي

مساء الاثنين الفائت، لم يكن في مقدور الأتراك أن يتوقعوا أنّهم سيكونون على موعد مع حدث، يقارب في معناه وتفاصيله ما تعرّض له الرئيس الأميركي السابق، جورج دبليو بوش، من رشق بحذاء العراقي منتظر الزيدي.

وكان الحدث الجديد حين خرج رئيس الوزراء التركي، وزعيم حزب العدالة والتنمية، رجب طيّب أردوغان، من مبنى وقف إسلامي، في مدينة إشبيليَّة الإسبانيَّة، فإذ بشاب كرديّ سوري، يرشقه بحذائه، هاتفاً: «عاش الكرد… عاشت كردستان… يا قاتل».

وفجأةً، بدأت شاشات التلفزة التركيَّة، مساء ذلك اليوم، تنقل مشاهد الهجوم على أردوغان، ومنها «سي أن أن – تورك»، «إن تي في»، «خبر تورك»، وكل قنوات التلفزة التركيَّة تقريباً.
 حينها تقاطعت تعليقات المذيعين، ما بين التأسّف والاستهجان، فيما انزلق بعضها نحو تعابير وأحاديث عنصريّة أيضاً.

بعد ذلك بدأت شبكات التلفزة التركيَّة تحاول التقليل من وطأة الحدث، بالقول: «إنّ الشابّ، مختلّ علقيّاً، وكان مخموراً…»، وإلى ما هنالك من تفسيرات وتبريرات، في مسعى للفلفة الأمر.

إلاّ أن المشاهد التي نقلتها التلفزة، أشارت إلى منسوب المفاجأة والدهشة، التي قاربت الذعر، لدى أردوغان ومرافقيه.

وكيف هرع أردوغان الى سيارتّه، وهرع الأمن الإسباني إلى بطح الشابّ الكردي أرضاً، وتقييده وتكميم فمه!

حين تعرّض الرئيس الأميركي السابق للحدث ذاته، تناول الإعلام التركي، وبخاصّة المرئي منه، هذا الحدث، بشيء من التشفّي والسخريَّة، وأسهب في التحليلات والتفسيرات، حول اقترافات بوش في العراق، في مسعى لتبرير فعلة الزيدي! أمّا حين صار رئيس حكومتهم، مقذوفاً بحذاء، فإن الإعلام التركي استشاط غيظاً الى حدّ انزلاق بعضه في التأليب على الأكراد، ولو في شكل غير مباشر! هنا إذاً، تبرز ازدواجيَّة المعايير في تناول الأحداث، وهي ازدواجية تشتهر بها التلفزة التركيَّة، ليس في هذا الحدث وحسب، بل في تغطية أحداث سياسيَّة أخرى وتحليلها، كالتركيز على وحشيّة الجيش الإسرائيلي في غزّة، والتعميّة على وحشيّة الجيش التركي في المناطق الكرديَّة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، نشير هنا الى نشر الكثير من المواقع الكرديّة، مشاهد فيديو، لجندي تركي، يسحل جثَّة مقاتل كردي، ويدهسه على رأسه، بينما لاحظنا ان هذه المشاهد الوحشيّة، والمقززة، في التعاطي مع الموتى، لم تجد لها موطئ لحظة على شاشات التلفزة التركيَّة!
قصارى القول: يبدو من الآن فصاعداً، ان عدسات الكاميرات المرافقة لأي زعيم شرق أوسطي، في مؤتمر صحافي، خارج بلاده، أو في أيّة زيارة خارجيَّة، ستكون مصوّبة على الزعيم، وعلى أحذية المحيطين به، لرصد لحظة انطلاقة أيّ منها، وطيرانها نحو الزعيم! وربما يصل بنا الوقت، لأن نقرأ على باب قاعات المؤتمرات الصحافيّة للزعامات: يرجى خلع الأحذية، قبل الدخول.

أو ربما يتمّ استبعاد أي مواطن منتعل، من موكب أيّ زعيم، عملاً بـ «يُمنع اقتراب المنتعلين»!

عن صحيفة الحياة

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

د. محمود عباس كوردستان ليست خريطة معلقة على الجدار، ولا نشيدًا قوميًّا يُتلى في المناسبات، ولا لهجة تُنطق في وادٍ دون وادٍ آخر، كوردستان هي وحدة الوجع، وحدة الدم، وحدة الجبل الذي احتضن الثائر، ووحدة الأم التي ودّعت أبناءها في جميع جهاتها الأربع دون أن تسأل، من أي جزء أنتم؟ لكنّ المأساة الكبرى لم تكن فقط في احتلال…

جليل إبراهيم المندلاوي   في خبر عاجل، لا يختلف كثيرا عن حلقة جديدة من مسلسل تركي طويل وممل، ظهرت علينا نشرات الأخبار من طهران بنغمة هادئة ونبرة مطمئنة، تخبرنا بأن مفاوضات جديدة ستعقد بين إيران وواشنطن، هذه المرة في “أجواء بناءة وهادئة”… نعم، هادئة، وكأنها نُزهة دبلوماسية على ضفاف الخليج، يتبادل فيها الطرفان القهوة المرة والنظرات الحادة والابتسامات المشدودة. الاجتماع…

إبراهيم اليوسف بعد أن قرأت خبر الدعوة إلى حفل توقيع الكتاب الثاني للباحث محمد جزاع، فرحت كثيراً، لأن أبا بوشكين يواصل العمل في مشروعه الذي أعرفه، وهو في مجال التوثيق للحركة السياسية الكردية في سوريا. بعد ساعات من نشر الخبر، وردتني رسالة من نجله بوشكين قال لي فيها: “نسختك من الكتاب في الطريق إليك”. لا أخفي أني سررت…

مع الإعلان عن موعد انعقاد مؤتمر وطني كردي في الثامن عشر من نيسان/أبريل 2025، في أعقاب التفاهمات الجارية بين حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) وأحزابه المتحالفة ضمن إطار منظومة “أحزاب الاتحاد الوطني الكردي”، والمجلس الوطني الكردي (ENKS)، فإننا في فعاليات المجتمع المدني والحركات القومية الكردية – من منظمات وشخصيات مستقلة – نتابع هذه التطورات باهتمام بالغ، لما لهذا الحدث من أثر…