إننا نعتقد بأن شعبنا الكردي هو شعب طيب ووفي لمناضليه ولا ينساهم أبدًا، يكن لهم التقدير والا حترام، لأن أبناء جيلنا المعاصر مدينون لأولئك المناضلين الأوائل بالكثير الكثير، فلولا نضالهم وتضحياتهم في تلك المراحل الحالكة والشائكة، لما كنا اليوم بهذا المستوى من الوعي القومي والثقافة، وربما تأثر أبناء شعبنا بسياسة الصهر القومي التي انتهجتها أنظمة الحكم حياله، ونسوا لغتهم الكردية ونسوا قوميتهم، ولما اهتموا اليوم بلغتهم الأم التي تجمعهم وتشد من إزرهم، ولما اهتم الشباب بشؤون بني جلدتهم، فالفضل في كل هذا يعود إلى أولئك المناضلين الذين أناروا الدرب أمام أجيالهم بتضحياتهم.
أنا، دهام ميرو بن ميرو، من عشيرة هسِنا، ولدت في قرية سيكركا ميرو عام ١٩٢١ ، أي أن عمري الآن هو ٨٨ عاما.
تقطن عشيرتنا هذه المنطقة منذ أكثر من٥٠٠ عام .
كان والدي عضوًا في لجنة ترسيم الحدود بين سوريا وتركيا .
في العام ١٩٦٨ م، سحِبت مني جنسية بلدي سوريا، وللأسف، فإنني أعيش اليوم في وطن آبائي وأجدادي مجردًا من الجنسية وغريبًا!
حسبما نعرفه، أن الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا (البارتي) تعرض لانشقاق عام ١٩٦٥ ، و ّ تم عقد مؤتمر في كردستان العراق من أجل وحدة البارتي، هل لكم أن تتحدثوا عن ذلك الموضوع من فضلكم؟.
إن هذا المؤتمر الذي تتحدثون عنه قد عقد برعاية مصطفى البارزاني في منطقة ناوبردان عام ١٩٧٠ .
كان السيد درويش ملا سليمان يقيم حينها في كردستان حيث عمل من أجل عقد ذلك المؤتمر .
كان أعضاء المؤتمر يضم رفاقًا من طرفي البارتي ( اليمين واليسار ) قبل انشقاقه ومن بعض الشخصيات الكردية الوطنية المستقلة وكنت واحدًا منهم تم تسميتهم من كردستان العراق.
كيف تم تأسيس القيادة المرحلية آنذاك، ومن هم أعضاؤها؟.
كانت القيادة المرحلية المنبثقة عن ذلك المؤتمر تتألف من ١٣ شخصًا، تتحدد مهمتها في توحيد طرفي البارتي (اليمين واليسار ) واستعادة وحدة الحزب .
كان ٤ أعضاء يمثلون اليسار، ٤ أعضاء يمثلون اليمين، و ٥ أعضاء مستقلين.حسب ما أذكر، كانت أسماء أولئك السادة وفق التالي:
• من طرف اليسار : (عصمت سيدا، يوسف ديبو، جت ملا محمد، شفيق علو).
• من طرف اليمي : (تمر مصطفى، ابراهيم صبري، فيصل هادي آغا، رستم ملا شحمو).
• من طرف المستقلين: (شيخ محمد عيسى، سليم يوسف حاجو، درويش ملا سليمان، صادق، دهام ميرو).
كما ّ تم تسمية لجنة استشارية من خمسة أعضاء لهذه القيادة المرحلية تتألف منالسادة: (محمد ملا فخري، عبدالله ملا علي، خالد مشايخ، كنعان عكيد، مجيد حاجو).
بعد عودتنا من كردستان، حاولنا أن نجمع قيادة البارتي ونعيد وحدتها،ولكن لشديد الأسف، كانت مهمتنا صعبة للغاية، لأن كلا من طرفي الصراع قد عمل في الفترة المنصرمة على إعادة بعض من الرفاق الذين كانوا قد تركوا التنظيم بسبب ظروف الانشقاق التي مر بها البارتي وإعادة تنظيمهم، ليظهر لنا كل طرف بأن عدد أعضائه أكثر من أعضاء الطرف الآخر ..وكانت إرادة الوحدة لدى الطرفين ضعيفة، ولم تفلح محاولاتنا في إعادة الوحدة للبارتي .
تمَّ عقد مؤتمر آخر في كردستان العراق – منطقة بامرنه خريف عام ١٩٧٢ م انتخبت فيه اللجنة المركزية للبارتي من السادة:( دهام ميرو- سكرتيرًا للحزب، كنعان عكيد، نذير مصطفى، حميد سينو، إلياس رمكو، شيخموس باقي، محمود صبري، مصطفى ابراهيم، هوريك، زكريا، شيخ أمين كلين ).
أقدمت الأجهزة الأمنية في الجزيرة، وبسبب موقف البارتي الصارم والرافض لمشروع الحزام العربي بتاريخ ١ آب ١٩٧٣ على مهاجمة قريتكم موزلان، من أجل اعتقالكم وترويع الأهالي العزل، مما أدى إلى جرح شخص.
كيف حدث ذلك، من ُاعتقِل من القيادة ومن ظل خارجًا؟.
من أجل الحفاظ على الرفاق وعلى أمن وسلامة الحزب، كان لدينا قرار في القيادة بعدم عقد اجتماعات أو ندوات في القرى التي يتواجد فيها رفاق قياديون لأنها كانت تحت أنظار الأجهزة الأمنية.
في تلك الليلة التي أشرتم إليها، كانت هناك ندوة في قريتنا حضرها مرافقاي بينما لم أحضرها أنا، كنا نملك حقلا للكروم بالقرب من القرية، جلست هناك برهة من الزمن فشعرت بالنعاس، ذهبت إلى بيتي كي أنام حيث استبعدت قدوم الأمن، أوصدت الباب خلفي وخلدت للنوم.
داهمت دورية الأمن القريَة، وطلبت من أخي محمد أن يدّلها على منزلي، حيث كان يعتقد بأنني خارج المنزل، لأنه كان يعرف بقرار الحزب القاضي بألا ينام أعضاء اللجنة المركزية في بيوم تفاديًا للاعتقال.
دق الباب، ففتحته بنفسي، فوجئت بدورية الأمن على الباب، حاولت الخلاص، إلا أن محاولتي باءت بالفشل، فاعتقلت مع ابني الصغير كنعان ووضعوا الأغلال في يدي ثم بدأوا بإطلاق الأعيرة النارية يمنة ويسرة، أدت إلى جرح شخص من أهل القرية يدعى السيد عمر حاج محمد .
تم نقلنا في تلك الليلة من ديريك إلى القامشلي، حيث وجدت رفاقي الآخرين أيضًا معتقلين هناك، ونقلونا على الفور إلى دمشق.
بعد أن تم اعتقال قيادة البارتي، كيف كانت تسير أمور التنظيم؟.
بعد اعتقالنا، وقع عبء تسيير التنظيم وأمور الحزب برمتها على عاتق الرفيقين حميد سينو وإلياس رمكو.
كم سنة مكثتم في السجن؟.
لم يتم الإفراج عنا دفعة واحدة، أنا شخصيًا، أمضيت ستة سنوات وثمانية أشهر في السجن .
عندما ظهرت الأعمال المسلحة بين السلطة وحركة الإخو ان المسلمين، تم الإفراج عنا، ولكن على دفعات.
كيف كانت علاقتكم أنتم في القيادة مع بعضكم داخل السجن، ماذا تتذكر من تلك الأيام؟.
حقيقًة، في بداية الأمر، كنا في زنزانات انفرادية ولم نتمكن من رؤية بعضنا بعضًا، لكن بعد اندلاع حرب تشرين خريف عام ١٩٧٣ م مع إسرائيل، اعتقلت السلطة الكثير من اليهود ولم تكن هناك شواغر في السجون الانفرادية، فقاموا بجمعنا نحن الأكراد في مهجع واحد .
أما بخصوص علاقتنا داخل السجن، فكانت أخوية،حميمة، صادقة .
بعد قضاء ثلاث سنوات في سجون الأمن الداخلي، ّ تم نقلنا إلى سجن القلعة بحلب، حيث سمح لأهلنا وعائلاتنا بزيارتنا تحت إشراف مباشر من مسؤولي السجن، وكان يفرض علينا أن نتحدث بالعربية مع أهلنا وذوينا خلال الزيارات.
هل ترون اليوم بأن موقفكم الرافض والمدين لمشروع الحزام العربي حينها كان صائبًا؟.
إنني أعتقد بأن ذلك البيان الذي أصدرن اه ضد تنفيذ ذلك المشروع كان يحمل الكثير من الشجاعة والرجولة وفق ظروف تلك المرحلة .
بصورة عامة، إنني لا أشعر بالندم على ما بذلته من جهود وتضحيات حسب إمكاناتي ومعرفتي في خدمة شعبنا الكردي والدفاع عن حقوقه المسلوبة.
ماذا تريدون أن تقولواللحركة الوطنية الكردية في سوريا؟.
إن أحزابنا تسير اليوم على درب النضال، وهو درب طويل وشاق، وإنني آمل أن تتمكن هذه الحركة من بناء مرجعية كردية تكون مصدر القرار الكردي وتستطيع تمثيل شعبنا الكردي برمته خير تمثيل .
من جهة أخرى، أرى أن بناء إعلان دمشق هو خطوة في الطريق الصحيح ، ويتوجب علينا أن نتعاون مع القوى العربية الوطنية الديمقراطية ونعمل معًا دون هوادة لبناء بلدنا سوريا والدفاع عن حقوق شعبنا الكردي، وباعتقادي، بالعمل المشترك وحده، نستطيع إحداث تغييرات ديمقراطية سلمية في البلاد.
ماذا تريدون القول للشباب والشابات الأكراد، بماذا تنصحونهم؟.
إن نصيحتي الأولى والأساسية لهم هي الاهتمام بلغتهم الأم وتعلمها قراءة وكتابة، علينا ألا نخجل من قوميتنا ومن لغتنا، لأنها لغة جميلة ولا تقل شأنًا ومكانة عن لغة شعوب العالم الأخرى .
كما أود أن أ شجعهم على حب الدراسة والتحصيل العلمي و الثقافة العامة، لأن هذا العصر، هو عصر العلوم والمعرفة .
وأخيرًا، أقول لهم :يا أبنائي أحبوا بعضكم بعضًا، احترموا بعضكم، تكاتفوا وتآزروا للدفاع المشروع عن وجودكم، ولترحل الجهالة والأحقاد والضغائن عن مجتمعنا إلى الأبد.
كلمتكم الأخيرة، ماذا تريدون أن تقولوا لقراء مجلة الحوار ?
إنني أشكر أسرة تحرير المجلة التي تذكرتني، وإنني لأشعر ببالغ السرور بزيارتكم هذه لأحد قدماء العاملين في حركتكم الوطنية الكردية والذي ناضل أيام شبابه حسب استطاعته لرفع الظلم اللاحق ببني قومه، وللقراء جميعا مني كثير السلام، ولا أ خفي سروري وغبطتي بلقائكم ثانية، آم لا أن تكون الأيام المقبلة أيام مساواة
وسلام.
المصدر مجلة الحوار العدد (60-61)