الاحتفال بذكرى مرور عشرين عاما على خروج نيلسون مانديلا من السجن، في جنوب إفريقيا..

محمد قاسم

وأنا أتساءل..
 لماذا جنوب أفريقيا وحدها تحتفل بهذه الذكرى عن نيلسون مانديلا..؟!
لماذا لا تشاركها شعوب العالم قاطبة..؟
صحيح، إن المعايير المعتادة تفترض ان جنوب أفريقيا وحدها معنية به، فهو مناضل جنوب أفريقي  لجهة الانتماء العرقي والجغرافي…،
وهو الذي حررها من الأبارتيد وحكم البيض.لكن ..!

 ليست الحقيقة هذه فقط..!
“نيلسون مانديلا” شأنه شان المهاتما “غاندي” وشأن داعية السلام”مارتن لوثر كنغ” وشأن الرئيس الأمريكي” أبراهام لنكولن “–محرر العبيد –كما يوصف..وشأن غيرهم من المهتمين بقضايا الإنسان الأوسع، خارج الحدود الجغرافية للوطن، والذي يضم –عادة- شعبا بعينه، أو امة بعينها ..أصبحوا إرثا لثقافة إنسانية عامة..ولم يعودوا مجرد مواطنين في هذا البلد أو ذاك.

بل  يرون قضايا الإنسان، كإنسان “الإنسانية ” القيمة المشتركة بين البشر جميعا ؛ كما كان يفعل الأنبياء..وخاصة أولوا العزم منهم، وعلى الأخص “محمد بن عبد الله”(ص) خاتم الرسل..!
هذا الذي يعود في نسبه الى إسماعيل ومن ثم إبراهيم عليهما السلام.

يدل على ذلك قوله “أنا ابن الذبيحين”.وهما ليسوا عربا ..
لا ضرورة للسعي -بالتاكيد- الى تحديد الأصل العرقي للنبي؛ لولا ان بعض العرب يستثمرون ذلك بأسلوب منهجي، لتحريف معنى الرسالة الكونية الى البشرية جمعاء حتى يوم الدين؛ الى مسار يجعلون منه خاصة قومية مميزة لهم “وهم يعلمون إنهم لا يحسنون صنعا “.
ولكن النفس الرعناء توحي إليهم بما يدغدغ مشاعر عجزت عن استكمال ذاتها؛ ببناء يستند الى الانجازات والإبداعات؛ يستمدون الشعور بالتباهي ؛
 وهؤلاء جهلة أهل تباه وتفاخر أسوة بشعراء منذ الجاهلية، وثقافة بدوية  قبليه فيها –بكل أسف- بتخيل مغرق في المبالغات الكلامية ،
لذلك لا تزال المبالغة تمارس في ثقافة يكرسها حكام؛ يعينهم عليها مثقفون وعسكر وغيرهم..من مرتزقين، فشكلوا موروثا ثقافيا منها يعرف بـ”الشعارات”.
 وعلى الرغم من ان الشعار قد يكون مقبولا كـ”فكرة” نسعى لتحقيقها، ولكن تكريس الشعارات ثقافة مضللة لأذهان ومشاعر الناس..قضية مختلفة..!
أنا هنا اكتب إعجابي عن “نيلسون ما نديلا” الأفريقي وعن “المهاتما غاندي” الهندي-السيخي..وعن “مارتن لوثر” الأمريكي –الأفريقي، وعن” أبراهام لينكولن” الأمريكي الأبيض.
ولا أتحدث –هنا – عن قاضي محمد مثلا، أو  مصطفى البارزاني، أو عبيد الله نهري، أو نور الدين ظاظا ،أو ابراهيم  وهم كرد -وإنا كردي- لسبب بسيط ..هو: أن هؤلاء الكورد-0بالرغم من
المكانة الكبيرة لهم في نفسي– لم يحققوا ما حققه الذين سلف الحديث عنهم من عالمية الدعوة والمكانة؛ على الرغم من السمو الفكري والأخلاقي والإداري… والذي تميزوا به جميعا..

ويمكن لأي منصف ان يقرأ تاريخهم من مصادر محايدة ليعلم كم كانوا سامين في حياتهم ..!
هنا ساحة إنسانية ارقي من مستوى ساحة ضيقة تتقوقع في القبيلة أو الحزب أو القومية أو الوطن الصغير..
هنا ساحة الوطن الكبير-الكون-  الذي يضم البشر جميعا بمختلف تكويناتهم العرقية والثقافية ..
هنا عالمية-أو أممية-أو عولمة..سمها ما شئت…المهم هو الشعور بالأفق والسعة والعمق في معنى الإنسانية خارج المناطحات السياسية التي تخدم مصالح أشخاص بعينهم.


هنا نقول مع ايمرسون –العالم قريتي..!
صحيح هناك رجال ونساء كانوا ذوي افق أخلاقي عال، وكان يمكنهم ان يحققوا البعد العالمي هذا؛ لولا ان الظروف عاكستهم؛  ولكنهم يبقون متأطرين ضمن ما حققوه ميدانيا فحسب.
.ويمكنهم ان يكونوا صوى لسلوكيات سياسية واجتماعية وأخلاقية لغيرهم، حتى على المستوى العالمي، بناء على أفكارهم العظيمة؛ ذات الجذور والمدى الإنساني الأرقى..بخلاف أولئك الزعماء الذين يورثون شعوبهم –وبالإكراه-ثقافة التقوقع ضمن مجال ضيق، قومية متعصبة،عرقية مغالية ،تقوقع في مفهوم تحت عنوان وطن، أو دين أو طائفية أو مذهبية أو غير ذلك من الانتماءات الضيقة التي تولد مشكلات إنسانية؛ عندما تفقد المرونة في عرض ذاتها، و أسلوب تفاعلها الميداني مع المختلفين عنهانوالمصداقية في تبني المبادئ والشعارات..!.
كل ذلك، حرصا على مصالح مبتذلة؛ تشكل إرثا لاعنا لحياتهم  ومماتهم- مهما كانوا عليه في حياتهم من بريق وصخب..!
ومن المؤسف، فإن هذا الإرث هو الغالب في حياة الكثيرين جدا من حكام الشرق- والعرب منهم خاصة-
 هؤلاء الذين “نسوا الله فأنساهم أنفسهم” وانخرطوا في لعبة سياسية رديئة؛ قوامها:
 إطالة البقاء في الحكم، بغض النظر عن إمكانياتهم؛ لخدمة بلدانهم وشعوبهم والإنسانية..!
بل و ينخرطون في لعبة الشهوات الجسدية أساسا لكينونتهم وصيرورتهم..أيضا؛على حساب ضرورات حياة أبناء مجتمعاتهم..والغريب ان هؤلاء الأبناء –بحكم ثقافة مهترئه المضمون، ملؤه الشعارات الجوفاء- ينساقون مع اتجاه هؤلاء الحكام-والإدارات عموما- على حساب أنفسهم..

ويمكن تسمية الحالة بـ-فقدان الشعور بالذات الخاصة –او ضآلة الشعور بالقيمة الإنسانية في ذواتهم.”وتحسب أنك جرم صغير=وفيك انطوى العالم الأكبر” ينسب الى علي بن ابي طالب.
وهي مشكلة تكوينية في الشخصية أساسا.

سببها الشعور بان الجماعة حاضن اجتماعي لا بد منه؛  بفهم قبلي  أو ديني أو طائفي أو مذهبي  ضحل…وما شابه.
 وكله يصب في تجريد الشخصية من مقوماتها لصالح نمط مشوه من الثقافة والسلوك..
لا ارغب في الانحصار في الشخصيات سوى تلك التي كانت فعلا عالمية؛وسبق ان ذكرت نماذج منها، لئلا اشوه الفكرة عنهم- وأنا بصدد الحديث عن نيلسون ما نديلا-
ولا أريد الحديث عنهم متى ولدوا..؟ وأين..؟ وكيف عاشوا..؟
 فذلك كله ميسر للجميع، باقتناء كتاب عنهم، أو بالدوس على اسمهم في غوغل؛ ليظهر لهم كل شيء يريدونه عنهم، أو ليزوروا صفحة ويكيبيديا ليعرفوا ما يريدون عنهم..
فالمعرفة بحد ذاتها لا تفيد في شيء -ما لم يكن هناك استعداد للتأثر والانفعال بهذا المعرفة-..!
نيلسون مانديلا؛ وما يهمني منه انه؛ زعيم لشعب أسود، تجاوز ذاته الى زعامة لشعب مختلف الألوان والأعراق؛ خاصة بعد خروجه من السجن.

فصافح سجانه الأبيض –ديكليرك- والذي أصبح –أيضا- نائبا له كرئيس لجمهورية جنوب أفريقيا- وتعايشا معا، هو سجانه الذي أصبح نائبه  كما قلنا..حتى انتهت مدة حكمه ..
ويهمني منه، انه لم يرض بأن يمدد له لولاية ثانية  لئلا يسنّ في بلاده سنة سيئة”عليه وزرها ووزر من اتبعها الى يوم القيامة” الحديث.
ولكنه بقي الرئيس الفعلي  في النفوس والضمائر،بل وفي الحكم عندما يريد اتخاذ قرار يمليه ،  بقي ذلك الشخص الاعتباري الذي  له خصوصيته، فهو ان طلب طلبا يلبى له ،وهو ان أوصى؛ ينظر الى وصيته باحترام شديد يكاد يكون تقديسا..وبقي المحرك لجماهير شعبه لو أراد..وربما من القلائل جدا من الحكام الذين يقفون في وجه الأمريكيين بقوة،وعبارات واثقة ..

عندما انتقدته أمريكا بسبب  زيارته الى ليبيا..ردا لمعروف تزويد ليبيا لبلاده بإعانات مختلفة حين كان يناضل.
ولم يمنع ذلك ليكون محتفى به في أمريكا ذاتها كشخصية متميزة  كما حصل في احتفال الأم المتحدة بذكرى مرور مئة عام على ميلاد غاندي..
أيها الشرقيون ومنهم العرب والكورد..زعماء العرب والكورد  في كردستان تركيا وفي كردستان إيران وفي كردستان العراق وفي كردستان سوريا..-وكردستان –هنا يعني ارض الأكراد..ولا يعني الدعوة الى انفصال أو شيء شبيه.

فكما قال –يوما السيد مسعود بارزاني:
ليست الأمة الكوردية اقل شانا من الأمم الأخرى وسماها، العرب والترك والفرس….وغيرهم –أتذكر ذلك في مقابلة مع صوت أمريكا-
واردف قائلا :نحن امة ظلمها التاريخ.

ثم قال ولكن للظروف الدولية وثقافة السياسة  حكمها ..فلا ندعو الى كردستان موحدة ولكننا ندعو الى توفير حقوق الكورد في البلدان التي تعيش فيها.
الى نيلسون مانديلا –وكل الذين كانوا في مستوى أفكاره أو أعلى أو أقل –مادام إنساني المدى..

في مضمونه الفعلي..-لا ألشعاراتي كما يفعل المزايدون الذين كرسوا ثقافة المزايدة في شعوبهم وأوطانهم ليجردوهم من الخاصة الآدمية فيهم ضمانا لبقائهم مصفقين دائما فحسب.-
إليه واليهم أنحني احتراما لقوة روحية وعناصر ثقافية تجدد في البشرية روحها التي –لولا هؤلاء –لانطفأت جذوتها الإنسانية.


ولنتخذ من هؤلاء ملهمين للعمل لا أولئك الذين باعوا أنفسهم للشهوات على حساب أحزابهم وأوطانهم ومريديهم –أيا كانوا.

ولعل بعضهم على الأقل يتذكر معنى ان يكون زعيما حقا ..بإرادة من شعبه، لا بإرادة من  قوى مرتزقة مختلفة..سواء أكان هو الحاضن لها؛ أو كانت هي التي احتضنته لتسخيره لمصالحها –وهذا يحدث أحيانا كثيرة.مع طلاب الحكم بلا قواعد وشروط منبثقة عن طبيعة الحكم الراشد.

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…