هل ننتظر الاحتفال بعيد الانتحار !!

د .

علاء الدين جنكو

 في مقال سابق لي عن الانتحار تحدثت فيها عن الظروف العامة التي يقدم فيها الأنسان على هذه الظاهرة التي أصفها وبدون إحراج أنها من أبشع الجرائم ..
كما بنيت فيها أهم الأسباب التي تدفع المنتحر إليها، يومها وصلني عتاب من البعض على ذكري لها وللمنتحرين بأسوأ ما يمكن وصفه، وأنها جرح لمشاعر أقارب بعض المنتحرين !!
يدعوني للاستغراب والدهشة تناول إعلامنا الكردي لهذه الظاهره البشعة الدخيلة على مجتمعنا بصورتها الحالية، حيث يتم الحديث عنها بكل برودة دم وبساطة متناهية لا تتعدى كونها خبراً قصيرً حتى لا تستحق أن تكون خبراً عاجلاً ..
بل في كثير من الأحيان تقوم بعض المواقع الإلكترونية بتبريرات غير مقبولة لمثل هذه الجريمة النكراء.
كل ما سبق ليس المقصود من مقالتي فحسب وإنما الذي أريده في هذه العجالة والتي جاءت نتيجة التأثيرات العاطفية على شخصيتي أن أرسل نداءاً عاجلاً للأباء والأمهات، وأهمس في آذانهم : أين نحن من أبنائنا الذين يلوذون إلى هذه الجريمة للتخلص من واقعٍ نتفنن في بنائه ؟!
هل بات دور الآباء يقتصر على القيام باستقبال المعزين في خيم الغراء المقامة لأبنائهم المنتحرين ؟!!
وا أسفي على مجتمع كان الإيمان والصبر ورباطة الجأش من أهم سماته وفي أشد الظروف التي مرت به قتل وتشريد وتجويع ودمار .
ما الذي تبدل ، ما الذي تغيَّر وتحول ؟
بتصوري – المتواضع – ومن قلبي الذي يتقطر دماً أقول : لابد من تجديد العلاقة مع الأبناء سواء كانوا ذكوراً أو إناثاً، لابد من فتح القلوب معهم، وكسر الحواجز السلطوية القائمة على الأعراف البالية التقاليد الخرمة .
إن الأب والأم المثاليين هما من يحققان التوازن في استعمال سلطة الأبوة مع الأبناء وحسن استخدام الترغيب والترهيب بأساليبها ومواضعها الصحيحة .


لابد من إعطاء الأبناء دروساً في أهمية الحفاظ على النفس والحياة واحترامهما، يحب أن يعلموا أن ذلك من الضرورات التي يحب حمايتها ولا يسمح التفريط فيها مهما وصلت إليه الظروف المحيطة به ،  فكل الأديان والمذاهب والنظريات والقيم والمبادئ والعادات والتقاليد قدست هذه الروح التي نحملها بين أجسادنا..
لا اعتقد أن هناك من يذكر المنتحر بخير إلا أعداء الحياة المجرمون الذين يريدون جعلها مظلمة كالحة في عيون البشر !!
ثم ما الفرق بين الإرهابي الذي يقدم على قتل الناس والذي يقدم على قتل نفسه من حيث المبدأ ، والله تعالى يقول : ( مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى ٱلأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَـٰهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً ) المائدة 32 .
أين الأئمة الخطباء من الحديث عن هذه الظاهرة المستولدة في مجتمعنا أين صرختهم من على منابر المساجد لإخمادها في مهدها ؟!
أين المعلمون من تذكير تلاميذهم في المدارس عن النتائج الوخيمة لهذه الظاهرة؟
أين أهل الثقافة من الكتابة عنها ؟ أم أن المساجلات في المواضيع الفارغة قد أخذت كل أوقاتهم؟
أين أهل السياسة منها وهم يتطلعون إلى بناء حياة تسودها الأمن والأمان، حياة خالية من القتل الجرائم ؟؟
أيها السادة :
ناقوس الخطر يدق ويرسل إلينا جميعاً التنبيه والتحذير واستفحل الأمر فلم يعد يمر يوماً إلا ونسمع فيه عن جريمة انتحارية هنا وهناك، علينا أن نوقف نزيف الأرواح بين شبابنا وفتياتنا وهم في أعمار الورد ، وأن نعظِّم هذه الجريمة في أفكارهم وأذهانهم .
إن السكوت على هذه الجريمة ينبئ عن مستقبل أسود خطير من أهم نتائجه هو الاستخفاف بالحياة ، وأكثر ما نخشاه أن تصبح هذه الجريمة من سمات التي يشتهر بها قومنا وشعبنا الكردي الصابر .
كما أن التبرير لها يشجع من يفكر في الإقدام عليها دون تردد.

حينها لا تأخذنا الدهشة أن نرى يوماً جماعات من شبابنا وفتياتنا ينتحرون بشكل جماعي، وهل ننتظر حتى يعمد هؤلاء ممن يفكرون في الانتحار أن يحتفلوا يوماً بمناسبة اسمها (عيد الانتحار) !!
كلامي هذا قد يثير العجب وينذر بالشؤم والقلق، لكن من يقارن الانتحار بين اليوم والأمس ويعود إلى الإحصاءات ليرى الفرق بينهما سيعطيني الحق في تخوفي هذا.
علينا أن نعمل جاهدين للتصدي لهذه الجريمة وألا نمجِّد المنتحر حتى لا يكون قدوة لأحد من أبنائنا الذين لهم كل الحق علينا أن نسير بهم إلى نهاية الحياة بصورتها الطبيعية التي تخفف المصاب على من يفتح خيمة عزاء لفقد عزيز أو رحيل حبيب …

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…