وبنفس الوقت فإن صفقة الأسلحة الأمريكية لتايوان تثير حفيظة الجانب الصيني، الذي أبدى مؤخراً بعض المرونة بشأن تلك العقوبات التي يسعى الغرب لفرضها على إيران بسبب عدم استجابتها للمطالب الدولية وابتزازها للمجتمع الدولي بشأن الملف النووي الذي تستخدمه من أجل انتزاع الاعتراف بحق إيران في المشاركة الفعالة في شؤون المنطقة، وإنهاء الضغوط الدولية، وتزداد الآن احتمالات إقدامها على استخدام أذرعها في المنطقة، سواء في لبنان أو فلسطين، لتخفيف تلك الضغوط وتحويل الاهتمامات، خاصة في ظل تعثّر الجهود الأمريكية على المسار الفلسطيني الإسرائيلي، وبروز بعض المؤشرات الدالّة على تراجع أولويات الشرق الأوسط لدى إدارة أوباما، وذلك تعبيراً عن فشلها في إلزام الحكومة اليمينية في إسرائيل بتجميد الاستيطان، خاصة في القدس الشرقية، أو إقناع الجانب الفلسطيني بإجراء المفاوضات المباشرة بدون شروط.
وبالمقابل يتزايد الاهتمام بالمسار السوري الأخف تعقيداً من نظيره الفلسطيني بسبب حساسية موضوع القدس وضخامة مشكلة اللاجئين، مقابل تراجع أهمية الجولان من الناحية الدفاعية .
ورغم التشكيك في جدية توقيع الجانب السوري على اتفاق سلام حالياً، لأنه يريد للمفاوضات أن تكون مدخلاً لإنهاء المقاطعة الأمريكية، فإن جورج ميتشل بدأ جولته الأخيرة من دمشق بالتزامن مع أنباء تتحدث عن تسمية السفير الأمريكي فيها، ليس فقط من أجل تحريك عملية السلام على هذا المسار، بل كذلك لتسهيل انخراط السلطة الفلسطينية في المفاوضات، وفتح الضوء الأخضر للحكومة اللبنانية لحل مشكلة مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، خاصة بعد انفراج العلاقات بين دمشق وبيروت إثر زيارة الرئيس الحريري لسوريا، والتي عبّرت عن عودة النفوذ السوري نسبياً، وساهمت في تحسين صورة السلطة السورية في نظر الغرب، رغم إرجاء التوقيع على اتفاقية الشراكة الأوربية المتوسطية، وساعدت كذلك في استكمال المصالحة مع السعودية بعد التأييد السوري لها في مواجهة التسلل الحوثي، ودعم وحدة واستقرار اليمن الذي يواجه خطر تمدّد تنظيم القاعدة ، في حين ظلّت فيه قنوات التفاهم السورية المصرية مغلقة بسبب ارتباطها بالمصالحة الفلسطينية، التي لا تزال مؤجّلة بانتظار الانفراج الإقليمي.
أما في العراق، فإن الانتخابات، المزمع إجراؤها في آذار المقبل، سوف تساعد على رسم وترسيخ الصورة السياسية للمرحلة القادمة، واستكمال بناء الدولة الحديثة، وتحقيق التنمية المطلوبة..
وتشير كل الدلائل إلى أن هذه الانتخابات لن تأتي بقوى جديدة، فالكيانات الرئيسية هي المرشحة بالفوز مع التغيّر في عدد المقاعد ونسبتها، في حين أن الأبواب ظلت موصدة في وجه المتهمين بالتورط في الجرائم، من المنتمين لحزب البعث المنحل، لعدم إيمانهم بالمبادئ والأساليب الديمقراطية السلمية في تداول السلطة، وذلك بموجب قانون هيئة المساءلة والعدالة.
ومع احتدام المعركة الانتخابية، فان التدخلات الإقليمية تتواصل، لإحداث التغيير في موازين القوى لصالح هذه الجهة أو تلك، في حين تعمل فيه الإدارة الأمريكية على إزالة العقبات أمام مجرى العملية الانتخابية، لكي يتسنى لها سحب قواتها وفق الجدول الزمني الذي أقرته الاتفاقية الأمنية، ومن أجل ذلك تتعامل مع كل الأطراف، بما فيها الطرف الكردي، حيث زار رئيس إقليم كردستان العراق الأخ مسعود البارزاني واشنطن مؤخّراً حاملاً معه ملفّات كركوك والمناطق المستقطعة وملف النفط والغاز، إضافة إلى مناقشة الآفاق والتداعيات التي يمكن أن تنجم عن عملية الانسحاب الأمريكي من العراق، وكذلك العلاقات مع تركيا التي تتعامل بحساسية مع التجربة الديمقراطية في كردستان العراق، وما يمكن أن تعكسه من آثار، على ضوء العجز التركي عن إيجاد حل عادل للقضية الكردية، رغم أن هذا الحل سوف يمكّن تركيا من لعب دور بناء وأكثر فعالية في الشرق الأوسط، ويزيل أحد العراقيل أمام انضمامها للاتحاد الأوربي، ويعود هذا العجز إلى احتدام الصراع مع المؤسّسة العسكرية والتيار القومي المتشدّد، وحل حزب المجتمع الديمقراطي DTP، واعتقال المئات من كوادره وارتفاع الأصوات المعارضة لأي حديث عن القضية الكردية.
ورغم تصريحات المسؤولين في حزب العدالة والتنمية بما فيهم رئيس الوزراء رجب طيب آردوغان عن استمرار مبادرة الانفتاح الديمقراطي، فإن المرحلة القادمة سوف تشهد المزيد من الشد والجذب، بانتظار قدرة ومصداقية حزب العدالة على مواصلة الإصلاحات الديمقراطية، بما فيها تعديل قانون حل الأحزاب، وإقرار تلك المبادرة في البرلمان التركي، والتعامل بإيجابية مع حزب السلم والديمقراطيةBTP.
وفي الجانب الوطني، فإن التشديد الأمني وزج المعارضين وأصحاب الرأي في السجون، لا يزال متواصلاً، وتعاني الحياة السياسية من انسداد الآفاق بسبب غياب الحريات الأساسية ومصادرة استقلالية القضاء، وانتهاك القوانين واستمرار حالة الطوارئ، وانتشار الفساد والمحسوبيات في قطاعات الدولة، وسوء الإدارة الناتجة جراء انعدام الرقابة النزيهة، مما أدى لارتفاع نسبة البطالة وتزايد معدّلات الجريمة واتساع ظاهرة الفقر نتيجة لسوء التخطيط وفشل مشاريع التنمية، وخاصة في القطاع الزراعي بسبب الإهمال، وتحوّل الريف السوري إلى مصدر لهجرة العمالة، بدلاً من المحاصيل، خاصة بعد صدور المرسوم 49 لعام 2008، وأدت الهجرة الواسعة إلى انتقال ما يزيد عن ثلث سكان المحافظات الشرقية، وخاصة الحسكة، الى دمشق وحزامها الفقير، الذي بات يضم أحياءاً فقيرة ومهمشة، تحوّلت بعضها إلى أوكار لانتعاش الجريمة والانحراف والفساد بكل أشكاله..
ومما يزيد من حالة الاحتقان والقلق غياب المبادرة اللازمة لمعالجة أسباب الهجرة التي تكمن في الإهمال والجفاف الذي ضرب تلك المناطق المحرومة من وسائل تطوير وتحديث العمل الزراعي، وتسبّب في تراجع إنتاج المحاصيل الزراعية، مثل القمح في محافظة الحسكة التي كانت تنتج 2,5 مليون طن أو 58%من إنتاج سوريا سنوياً،م لينخفض عام 2008 إلى 1,3مليون طن .
أما الوضع الكردي، فإن السياسة الشوفينية تتناغم مع التبدّلات المناخية والوضع العام في تأزيمه، لتكون النتيجة أن الاعتقال لم يعد بحاجة إلى سبب أمني أو سياسي محدد ومقنع، بل أنه يمارس لمجرد التخويف والقمع، كما أن الحرمان من العمل لدى دوائر الدولة والقطاع العام لم يعد يحتاج إلى مقابلة أو مسابقة، بل أن الانتماء الكردي وحده كاف لإغلاق أبواب التوظيف أمام المتقدّمين، إضافة إلى وجود حالة من الاحتقان، ما كان لها أن تتعمق بهذا الشكل، بدون توجيه رسمي..
وتهدّد تلك الحالة المخيفة بخلق أجواء عدم الثقة والاغتراب، مما يستدعي تداركها بمسؤولية وطنية عالية، فليس من مصلحة أحد بقاء المواطن الكردي مشكوكا في ولائه الوطني، وكذلك بقاء حوالي 10%من الكرد السوريين، مجرّدين من الجنسية بموجب مرسوم الإحصاء لعام 1962، وأن يسمح لهذا المواطن فقط ببيع ما يملك، دون أن يتاح له امتلاك ما يريد، بموجب المرسوم 49لعام 2008، وأن يكون محروماً من الأرض الزراعية في منطقة الحزام العربي، ليكون مشروعاً لمهاجر يبحث عن عمل في أحد مطاعم أو مزارع دمشق، أو أحد مشاريع البناء، أو يكون بيئة خصبة للتطرف والانحراف.
4|2|2010
اللجنة السياسية
لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا (يكيتي)