تفعيل دور التنظيم قاعدة لترسيخ بنيان الأحزاب الكردية

عمر كوجري

من البدهي أن للتنظيم دوراً فاعلاً في حياة الإنسان، فالعمل المنظم سواء أكان على المستوى السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي يساهم في تسريع بلوغ الغايات، ويكللها بالنجاح، لأن سماته محددة ومبرمجة ومعطياته وأهدافه واضحة، وبالتالي هذا النجاح يخضع لعملية واعية من النقد التقويمي، ومدى قدرة الإنسان على الاستفادة من المثالب التي لحقت عمله، وتلي الإنسان بعدم الخضوع لليأس والفشل، وتعزيز الإيجابيات، ودفع الأعمال نحو غاياته وسيروراتها المنشودة والمرسومة لها.
 فموضوع التنظيم في العمل وفي السياسة على وجه التحديد مسألة تخضع للعقل الواعي الذي يحدد الأدوات التنفيذية، ويعلم أن هذه الأدوات قابلة للتحقق، ويضع لها التصورات أثناء الإنجاز بعد دعمه بالصور التفصيلية والرؤية النظرية الصائبة في كل مرحلة من مراحله  على صعيد الإدارة والسياسة والحالة الحزبية.

ومن الخطأ الفاحش أن تنظر أحزابنا وكذلك أعضاء هذه الأحزاب إلى مسألة التنظيم ” الوضع التنظيمي” بعيون الازدراء وعدم الاهتمام والريبة.
والمشكلة أن أحزابنا تحصر نشاطاتها بأدوات غير قابلة للتطوير أوهي مقولبة ومقننة أساساً، وتوحي دائماً لمحازبيها بأن لاجديد، لا أخبار، الجميع سمع الموضوع الفلاني من الفضائية الفلانية أو البرنامج أو اللقاء الفلاني، ولاتدري هذه الأحزاب أنها بهذا السلوك اللاواعي تطفش رفاقها الذين تعبت كثيراً، وأهدرت وقتاً واسعاً حتى أقنعتهم بضرورة الانخراط في العمل الحزبي.
إنها بهذا السلوك تزرع التوجس في قلوب الرفاق الذين يشعرون أنهم حضروا الاجتماع لإعطاء الاشتراك الشهري أو السنوي على أهميتهما لأن الأحزاب الكردية في سورية تسيّر أمورها ونفقاتها من اشتراكات الرفاق.
أن آمال المحازبين – والحالة هذه – تصطدم بصخرة الواقع الحزبي الصلدة كثيراً للأسف، وتتبخر الآمال والأحلام التي رسموها في أذهانهم قبل الانخراط في العمل السياسي، حيث قيل لهم إن الحزب السياسي مدرسة حقيقية في تقويم أخلاق الفرد وانفتاحه مع المحيط وتعاطيه مع المستجدات والأحداث بروح متيقظة، وعقلية وثابة مثقفة، وصقلت تثقيفه – أي العضو الحزبي- بـ ” معية” الحزب، هذا الحزب الذي يفترض أن يُخرّج كوادر حزبية على مستوى عال من المعرفة والعمق الفكري والتحليل المعمق لمجمل الأحداث،
وبالتالي يحق للمراقب السياسي أو للمهتم أن يتساءل: ماهي أعداد الكوادر الحزبية التي تدين بثقافتها وعلمها وتفتحها لأحزابها؟! ومن هذه الزاوية يخرج الحزبي المثقف من الحزب – كما دخلا-  أو يُخرج منه عنوة، لأن المثقف يشعر أنه محاصر من جميع الجهات، وأن الجميع يناصبون له العداء، وينظرون إليه بعيون شكّاكة، وكأنه مخلوق قدم بصحن طائر من كوكب آخر..

وبالتالي تجد طروحاته وأفكاره ومشاريعه طريقها سريعاً إلى سلة المهملات الحزبية التي تتحول مع الأيام لتكون هي السلة المفضلة للحزبيين المرضى الذين يخشون وضح النهار لئلا ينفضحوا أكثر مما هم مفضوحون!!!
فمن الوجهة المعرفية يتأسس الفكر السياسي على رهان التنظيم الذي يتبلور بدوره ويتشظى « بعقلنة واعية» بآليات معرفية تتلاقح، وتتقاطع بصورة مستمرة من التنابذ والاختلاف والتقارب الخلاق، إلى حين اكتمال أبعاد اللوحة ثقافياً وسوسيولوجياً وصولاً إلى رؤية ما مشتركة الإرادات لتأخذ شكل الحزب الذي يحمي بدوره بذور الفكر السياسي، ويرعى هذه البذور لتثمر نتائج ملموسة على الأرض، فالفكر إن لم يأخذ بعده التنظيمي يظل فكراً قابلاً للتهتك والمحدودية والتقوقع الذي يهدد بنسف الفكر من أساسه،وبهذا المنحى يأخذ عوامل منعته وقوته من الشكل التنظيمي – الواعي- للفكر السياسي.


          وعندما يتشكل الجنين التنظيمي في بعده الحزبي لابد له أن يفكر بجدية عن كيفية ديمومته على المسرح السياسي وسط الأمواج العاتية التي تهدده، بل ترغب أن تقتلعه من جذوره، ومن حقه والحالة هذه أن يتبنى مشروعاً واضح المعالم، مشروعاً قابلاً للتنفيذ على أرض الواقع، وأن يبحث عن السبل والآليات الكفيلة لإنجاح ذلك المشروع… كأن تكون أهدافه ورؤاه، والتكتيك الذي يتبعه سلساً لامتشنجاً حتى يتسنى له، وبحالة تجل وصدق مع الذات  تمثُّل الجهة أو الشريحة التي يعبر عن مصالحها سواء الآنية المرحلية حيث يستحسن بالحزب أن يكون أكبر من وزنه، وأوسع من حلم ضيق ..

من هذا الجانب، المسألة التنظيمية مطلوبة في الأحزاب الكردية – ونحن نناقش الموجودة في سورية – لأن الحزب الذي يعطي الأهمية الفائقة للجانب التنظيمي سيعكس نشاطه على الجانب الثقافي بالضرورة حتى تخلق، وتنجب كوادر فعالة نشطة تستطيع قيادة القواعد، وتؤثر في محيطها الاجتماعي، وتشيع حالة تنافس شريفة مع الأحزاب الأخرى، وهذا ما سيسهم تلقائياً بتنشيط الحراك في بنيان هذه الأحزاب، وستتطلع إلى المزيد من الإنجازات، وبالتالي ستكون   قبلة الشباب للاستفادة من إمكانيات الأحزاب التي يفترض أن تكون حكومات مصغرة لها قوانين وشرائع ودساتير سلسة وسائغة.

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

محمود عمر*   حين أزور دمشق في المرّة القادمة سأحمل معي عدّة صناديق لماسحي الأحذية. سأضع إحداها أمام تمثال صلاح الدين الأيوبي، وسأهدي أخرى لبيمارستانات أخواته الخاتون، وأضع إحداها أمام ضريح يوسف العظمة، وأخرى أمام قبر محمد سعيد رمضان البوطي، وأخرى أضعها في قبر محو إيبو شاشو، وأرسل أخرى لضريح هنانو، ولن أنسى أن أضع واحدة على قبر علي العابد،…

مصطفى جاويش بعد مضي عام على معركة ردع العدوان وعلى سقوط النظام السوري ووصول احمد الشرع الى القصر الرئاسي في دمشق بموجب اتفاقيات دولية واقليمية بات الحفاظ على سلطة الرئيس احمد الشرع ضرورة وحاجة محلية واقليمية ودولية لقيادة المرحلة الحالية رغم كل الاحداث والممارسات العنيفة التي جرت ببعض المحافظات والمدانة محليا ودوليا ويرى المجتمع الدولي في الرئيس احمد الشرع انه…

ماهين شيخاني مقدمة يواجه الشعب الكوردي في سوريا منذ عام 2011 تحولات سياسية وأمنية عميقة، أفرزت بيئة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية وخارجية. وفي ظل غياب تسوية سياسية شاملة، برزت ثلاثة أطراف رئيسية تركت أثراً مباشراً على مسار القضية الكوردية وعلى الاستقرار الاجتماعي والسياسي في مناطق توزع الكورد. هذا “الثالوث” يشمل الجماعات المتطرفة، والإدارة الذاتية، والمجلس الكوردي، وكلٌّ منها يمتلك…

حسن مجيد في الوضع الكوردي العام وبشكل خاص في إقليم كوردستان العراق كل أصناف المعارضة مرفوضة وخاصة المسلحة منها فالقيام بأعمال الشغب حتى لو لم تكن مرتبطة بأجندات إقليمية أو خارجية فقط يحق لك أن تعارض ضمن مجالات حرية الرأي والتعبير . إن النيل من المنجز بطرق غير شرعية وتخريبية تخدم المتربصين والذين لايريدون الخير للكورد . الواجب الوطني…