دعوة للمشاركة في الحراك السياسي…

  افتتاحية جريدة الوحدة (YEKITI)

   منذ الإعلان عن أول تنظيم سياسي كردي، ولسنوات طويلة امتدت حتى التسعينات من القرن الماضي، ظل العمل السياسي بشكل عام، وجانبه الوطني الكردي، بشكل خاص، حكراً على الأحزاب المنظّمة، وذلك لاعتبارات عديدة، تعود بعضها لامتلاك تلك الأحزاب لشبكة كادر وقنوات اتصال ووسائل إعلام ورقية، مما أتاح لها احتكار العمل السياسي وامتلاك المعلومات المتعلقة بذلك، وبالتالي كانت هناك علاقة ارتباط بين العمل الحزبي والعمل السياسي.
  لكن الظروف والوقائع تغيّرت فيما بعد، خاصة بعد أن وصلت عملية التشرذم إلى درجة تجاوزت حدود التعددية المشروعة، وانتشرت تكنولوجيا الإعلام في كل مكان، وبرزت شرائح وفعاليات مجتمعية متعددة وفاعلة، لم تستطع الانخراط في التنظيمات السياسية القائمة لكنها وجدت نفسها مهتمة ومعنية بالشأن العام الوطني السوري، والقومي الكردي، في ظل السياسة الشوفينية التي أساءت للمجتمع الكردي بكل فئاته، وعبًرت عن نفسها بسلسلة من القرارات التعسفية والقوانين والمراسيم الاستثنائية والمشاريع العنصرية التي لم تميّز كثيراً بين (حزبي ومستقل) وبين شريحة وأخرى، مما جعل من الجميع ضحايا لتلك السياسة وألزمتهم، بشكل أو بآخر، بضرورات التصدي لها كشركاء في القرارات المتعلقة بواقعهم المشترك ومستقبلهم الواحد.

ومن هذا التصور جاءت ضرورات البحث عن آلية قادرة على تنظيم العلاقة بين (الحزبي والمستقل) في الحراك السياسي الكردي، من خلال مؤتمر وطني، يشارك فيه الطرفان بنسب عادلة، وتتمخض عنه ممثلية تقود هذا الحراك وفق برنامج سياسي موضوعي ومقرّر.
  لكن هذا المشروع لا يزال يواجه بعض الصعوبات خاصة من جانب التنظيمات الكردية بسبب نزعة الاحتكار التي تحكم تعاطيها مع الشأن السياسي الذي تعتبره امتيازاً حزبياً خاصاً، علماً أن الوقائع على الأرض تؤكد أن منطق احتكار حزب واحد أو عدة أحزاب لقيادة المجتمع لم يعد يجد مبرراً مقبولاً، خاصة بعد أن عجزت الحركة المنظّمة عن إنجاز أحد أو بعض أهدافها، في ظل تزايد الهجمة الشوفينية، وتعمق حالة الإحباط داخل المجتمع الكردي، وبالتالي بروز فجوة، تتسع مع الوقت، بين هذه الحركة ومحيطها الجماهيري، مما يستدعي البحث عن آليات جديدة للتواصل والتقارب.
  وفي هذا الموضوع، فإننا لا نقلّل من الشأن الحزبي، بل بالعكس، فإننا نعمل ونتمنى توسيع مساحة التنظيم الذي لا يمكن الحديث بدونه عن الاستثمار الأمثل للطاقات الوطنية الكردية وتوحيدها، بل ندعو لتحويل العمل السياسي الكردي إلى شأن عام يهم الجميع، مما يعني توسيع دائرة الدعم والتضامن مع القضية الكردية، التي لا يكون الإخلاص لها فقط من خلال التضحية في سبيلها، بل كذلك من خلال توحيد كل المناصرين لها، والمدافعين عن عدالتها، والإكثار من الأصدقاء حولها..

ثم أن إشراك ممثلي الفعاليات المجتمعة المستقلة في مؤتمر، إلى جانب ممثلي التنظيمات القائمة هو بالنهاية شكل آخر وجديد من التنظيم لا يقلل من شأن الأحزاب بل ينهي احتكارها فقط، وينقل تلك الفعاليات إلى جانبها، بدلاً من الانزواء في الصفوف الخلفية، ويمنحها حق المشاركة في الفعل السياسي، ويعمل على توسيع وتنويع البنية المجتمعية للحركة الكردية، بدلاً من اقتصارها على البنى الحزبية فقط رغم تضحياتها الثمينة.
  كما أننا بنفس الوقت، لا نقلل أيضاً من أهمية الإطارات الحزبية التي تؤطر وتوحّد نضالات منتسبيها، لكنها تشكل بالنهاية مرجعية لعدد من الأحزاب التي تبقى أحيانا أسيرة لبرامجها أو شعاراتها التي قد تكون موضوعة لغايات حزبية بحتة، قد تتباين مع المصلحة العامة.

ثم أن تجربة مثل تلك الإطارات لم يكتب لها دائما النجاح المطلوب، حيث تفككت بعضها حتى دون إعلان رسمي، لكنها ظلت على الدوام تشكل مجرد تحالفات مرحلية تخدم أهدافا حزبية تنتهي بانتهائها،  وتترك وراءها المزيد من الإحباط والتشكيك في مصداقية العمل المشترك الذي يشكل التشتت سمته الأساسية، ويستمد هذا التشتت أحد أسبابه من عقلية الاحتكار الحزبي للعمل السياسي، لان التجربة أثبتت أن هناك العديد من الكوادر التي لم تعد قادرة على مواصلة عملها داخل أحزابها، كان بإمكانها العمل داخل مؤسسات تخضع للمرجعية الكردية، بدلاً من تورطها في بناء أحزاب منشقة، ترى فيها وسائل وحيدة لمتابعة نضالها السياسي .
  ومن هنا، فإن البحث عن إمكانية المرجعية المنشودة، لا يستمد ضروراته فقط، من توحيد وشرعية مركز القرار الوطني الكردي، بل كذلك من ضرورة وضع حد لحالة التشتت، التي ستبقى مفتوحة طالما بقيت الأحزاب هدفاً بحد ذاتها بدلاً من أن تكون وسائل نضالية تعمل على تنظيم المجتمع ككل بما في ذلك  تنظيم أعضائها، خاصة بعد أن تصاعدت الأصوات في الآونة الأخيرة من جانب فعاليات مجتمعية واسعة، تبدي استعدادها للمشاركة في إنجاز مهام الحركة، وتطالب بإنهاء حالة الاحتكار والانتقال من خلف هذه  الأحزاب إلى جانبها، بعد أن عجزت التجربة الحزبية عن استيعابها ..وهو ما يدعو من جديد لدعوة المجلس السياسي وغيره لحوار مسؤول حول إمكانية تشكيل لجنة تحضيرية للمؤتمر الوطني الكردي المنشود، الذي تجمع الحركة على عقده، وينتظر المجتمع انعقاده، لكن لا تزال تنقصه الإرادة الواعية.
__________________________

*- افتتاحية جريدة الوحدة (yekiti) العدد – 198
 
لتنزيل مواد العدد انقر هنا

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…