هيجت مشاعرنا … وابكيتنا .. ولكن ؟ وقفة مع طروحات الأستاذ غسان المفلح

وليد حاج عبد القادر

بداية ..

 شيئان لا أنكرهما … محاولتي الغوص في أعماق التجربة النضالية وآفاقها الواسعة لأستاذنا القدير غسان المفلح ..ووجدانياته الصادقة والتي تكاد ان تلامس احاسيسها لمسا ..

ولعلها ـ هذه الوجدانيات ـ ستكون هي الأرضية / المرتكز والتي ارى تقاطع خيوطها في التجربة / الشخصانية ومن ثم تلاقيها وتشابكها مع وجدانيات اغلبية الغيورين على وطن ومجتمع عماده الديمقراطية والمساواة … استاذنا القدير غسان المفلح … نعم : ….

ففي / سورية امنا جميعا ..الى … / كم بدا متانة وجدية الحنين الى الوطن …ذاك الحنين الذي بات يدك مخيلة المغترب القسري في الصميم …
وبتنا ـ حقيقة ـ  نشتاق الى التمرغ في وحول ـ ديركا حمكو ـ والتسكع في ازقة ـ قامشلو ـ بحفرها المملوءة ماءا عكرا ..و ـ كوندكي مفتي ـ على اطراف الحسكة كانت ايامها … و جرنك ..

تلك القرية التي اسبيت مرتين … مرة عندما جلجل الغزاة مع هدير البرق الراعد وعبروا الحدود فزادوا من هدير الأصوات بانفجارات مدوية … سيمفونية امتلأت اللوحات بأرضياتها وخلفياتها بدم احمر حقيقي بفعل القنابل والرشاشات ..

ولم تسلم حتى قطة الدار المسكينة … هكذا وببرود ومن ثم غادروا … وتلاها السبي الثاني في ذاك الصباح الربيعي من شهر آذار عام 1984 وتلك الطلقات الغادرة على محتجين مسالمين امام القصر الجمهوري لتنال من الشهيد سليمان آدي وتخطف منه الحياة … شيء ما منظر ما ما زال معلقا في ذاكرتي و لعله يتذكر الصديق ـ ربحان ابو جنكو ـ لحظتها وذاك الحذاء البلاستيكي الأسود ـ بوتين ..

نصف جزمه ـ التي كان يرتديها الشهيد ..اجل لقد كانت سوادها ممزوجة ببقايا الاسمنت المجبولة ماءا واضحت ـ رغم السواد ـ اشبه بفسحة مبرقعة وقد تمازجت فيها لون يباس للإسمنت يميل الى الفضي وذاك السواد وقد تعفر ببقايا الرمل من مشاريع دمر التي كان الشهيد يعمل فيها …والسبب !! ..

فقط المطالبة بالسماح في اقامة احتفالات عيد نوروز !! .

….

استاذ مفلح … قديما قالت العرب ـ لا يحس بها الا من عاشها ـ … الغربة ..

الحنين ..

الألم … كم هي صعبة ـ استاذي القدير ـ ان تتألم في فراشك وتحس في لحظة ما لربما ان النهاية قد أزفت وتتمنى ان يكون ابوك او امك … اخوتك ..

زوجتك واولادك وهم حواليك !! … او ان يرحل احدهم ولا تستطيع حتى من القاء النظرة الأخيرة على ذاك الجسد الذي سينهال عليه التراب والى الأبد … او الاحساس والشعور ان يتزوج احد بنيك او بناتك ؟؟ … ان تتزوج ابنتك مثلا وانت لا تستطيع ان تلثم خدها تلك القبلة الأبوية وتراها بثياب العروس ومن ثم تأخذها بيدها الى المطية التي ستذهب بها الى بيتها الجديد ..

هذه الأحاسيس والمشاعر تكاد ان تكون واحدة وشاملة لجميع ابناء البلد ..

اجل فكلنا عانينا ونعاني استاذ غسان ..

وكلنا ضحينا ونضحي … ومع هذا ابصم لك بالعشرة على حكمتك ..

/ انك عندما تتعرض للخيانة في حبك ـ وأنا أضيف معمما الحب ليس بطابعه الرومانسي فقط ـ  فأنك تيأس من هذا العالم كله ومع ذلك لا تيأس من سورية / ..

لما ؟؟ ! .

..لأنها عمرها ما دفعتك عروبيا على الاغتراب عكسنا تماما حتى في تحقيقاتها ومحاكماتها ..

أقلها انهم وانتم تتكلمون بلغتكم الأم ..

على عكسنا ..فنجبر لحظاتها ايضا بتجاهل لغة امهاتنا ..وحتما لن انسى السجون فاذا كان الضابط محي الدين في سجن صيدنايا ومزاجياته في المعاملة ..فان فرمان الضابط نعيم حينها في سجن عدرا امر بحرماننا نحن معتقلي الحركة الكردية عام 1992 من جميع الألوان سوى الأسود والبني وبالطبع فقد خلق الكثير من السخرية من جهة والبسمة المحيرة على وجوه الأهل والأطفال من جهة ثانية  ..

ان تهديه  ـ طفلك ـ ميدالية وقد لون السماء بالقهوة ـ بني ـ مسألة فيها وجهة نظر / لعلها السماء غائمة / اما ان ترسم الشمس وتلونها بالأسود !! ..

حقيقة فيها حيرة  !!…والسبب ان كل الألوان المزركشة بمفهوم القيمين على المعتقل انما هي رموز لكردستان … استاذ غسان المفلح : ….

وأصعب الأمور كانت فرضهم التكلم باللغة العربية اثناء دقائق الزيارة المعدودة ..ومعناها حرمانك من التحدث الى اطفالك وامك واخواتك اللائي لا تتكلمن العربية … وحتى لا اطيل كثيرا استاذنا القدير ..

فقد ـ اردتها شخصيا ـ مقدمة و بوجدانية ..

وذلك لتقاطع الأحاسيس والمشاعر ومن ثم مدخلا للنقاش وابداء الملاحظات على مقالك ـ المسألة الكردية في سورية ـ تساؤلات …….

                                           
بداية لا بد من الاتفاق على مفهوم الدولة / الوطن ..ومن ثم مدى تجانسها او تطابقها مع سورية وتدرجات خرائطها بتموجاتها وتفاعلاتها بعد تطبيق وتنفيذ اتفاق سايكس بيكو ..

ومن ثم حالات المد والجذر في مناطقها وليتم على ارضية الخلاف ـ والمستترة حتى هذه اللحظة ـ وضع الخريطة النهائية اواخر عام 1939 بعد سلخ او ضم لواء اسكندرون او هاتاي الى تركية … ولئلا ندخل في حلبة التكرار في هذا الجانب فقد عرجت وبإسهاب حول هذه الموضوعات في مقالات متعددة ـ حقا ان لم تستح فاكتب وزور كما تشاء ..

1 و 2 ـ وكذلك في مقال ـ الأستاذ حسن عبد العظيم : والله لو خرجنا من جلودنا لما اعترفتم بنا ـ وحول المواطنة ومفهومها مقالنا ـ نقاش هادئ مع الأستاذ مرشد اليوسف ـ ومع يقيني بأنني قد لا أضيف جديدا في هذا الجانب ومقاربات بعض السادة من الكتاب الكرد في تناولهم لهذه المسألة وعلى سبيل المثال لا الحصر أذكر مقالة السيد م .بافي زين ـ ليس مطلوبا جلد الذات ـ ومقالة السيد شيروان فرات ـ سورية اولا ـ وايضا مقالة السيد هوشنك اوسي ـ عن اكراد سوريا ايضا ..

وايضا ـ وآخرون تناولوا هذه المواضيع وبإسهاب … قلت بأنني لن اضيف جديدا ولكن جملة الأسئلة والإستفسارات التي طرحها السيد المفلح بحاجة الى اجابات او اسئلة بصيغة اعتراضات واولها كيف لسورية المدموغة ـ الهيا ووضعيا ـ بصيغتها العروبية ان تتحول هكذا !! الى دولة امة تتنافى فيها الإثنيات والطوائف والقوميات ـ أقول ـ وسط هذا الهيجان العروبي وتوجهه نحو تعريب الشجر والحجر ناهيك عن الإنسان والحيوان !! … ألا يخشى على هكذا دولة وما يتم الآن فتغدو ـ كالجبهة الوطنية لصاحبها حزب البعث ـ  لسنا من اغترب عن سورية الدولة والوطن بل جل ما تفعله السلطات هو زرع و خلق نزعة الكراهية والإشمئزاز عندنا من سيل المفارقات والممارسات الشوفينية والعنصرية باجراءاتها وتطبيقاتها العملية ..

وكذلك تلك النزعة الفوقية التي تحاول  بعض من الفصائل التي تسمى ـ معارضة ـ من خلال تعاملها مع الفصائل الكردية او من خلال مواقفها المعلنة حول القضية الكردية وبمسمياتها المتعددة  ـ وكأمثلة عن مواقف بعض المعارضات التي التزمت بحق تقرير المصير بما فيه الإنفصال * ح ع ش * وتراجعاتها فيما بعد الى حقوق ثقافية لأقلية كردية تواجدت على ارض سورية في ظروف غير طبيعية * أغلبية الفصائل الشيوعية ..وعوائل كردية انسجمت وذابت في النسيج العربي السوري * الأغلبية المطلقة من الأحزاب القومية العربية … ومما يجدر ذكره هنا ـ ايضا ـ ذاك الصراع بطابعه الإزدواجي ان مع السلطة ومؤسساتها القمعية ..

ومماهاة المعارضة رغم ضعف تواجدها او بعبارة ادق ما زال المطلوب من الكرد وحركتها الوطنية ان تبقى في اطار المعبر او الجسر للقوى التي تتدعي انها معارضة وذلك فقط لنيل حق المواطنة ـ الطنانة والمطاطة ـ ومن دون اي حق سياسي تمثلي تجيز لهذا الشعب خصوصيته ودسترته حسب الأصول والقوانين الدولية المتعارفة … فالعقد هو شريعة المتعاقدين هذا من جهة ..

والشراكة ..

أية شراكة لا بد ان تتوافر لها ارضية تؤسس عليها الثقة المتبادلة ومن ثم مرجعية صريحة وواضحة بنصوصها المدونة تكون الفيصل لأية قضية خلافية بعد ذلك ….

استاذ غسان المفلح : واثق ـ انا ـ انك مقتنع بأن عصر الوصاية او الإنتداب او الإنابة ولنسمها ما شئنا قد ولى ..

والحركة الوطنية الكردية في سورية رغم مخاضاتها التنظيمية وتشرزمها ـ أقول ـ رغم ذلك فهي تملك الأهلية القانونية لتمثل ارادة شعبها وتعبر عنها وعلينا ألا ننسى ان عمرها قد تجاوزت ـ هذه الحركة ـ ولربما سبقت في وعيها القوموي /التنظيمي حتى الثورة العربية الكبرى 1916 والتي عليها تم التأسيس لإتفاقية سايكس بيكو وما جرى بعد ذلك وخلاصة القول هنا ـ أرى انه ـ  على المعارضة العربية ان تتجاوز عقدة الوصي والنزعة الفوقية ..

ان في تعاملها مع الحركة الكردية أوفي تعاطيها العملي ومن ثم موقفها من القضية والشعب الكرديين ..

مثلما هو مطلوب من الحركة الكردية ان تتجاوز سيكولوجية الشعب المقهور وكذلك النظرة الدونية ـ لذاتها ـ ان من السلطة واجهزتها القمعية او المعارضة وادوار الأستذة ـ من الأستاذـ التي تحاول بعضا منها ـ قوى المعارضة ـ ان تمارسها ….

فكيف لنا ككرد ـ كمثال ـ ووفق كل هذه الممارسات ان ـ نثق ـ بتوجه سورية بخارطة سايكس بيكو الى دولة امة … وطبيعي ان يتكون سؤال بديهي … اية امة هذه ؟؟ ..

وبافتراضنا الجدلي ان العامل الديمقراطي ـ كبرواز ..

ديكور ـ  قد توفر ؟؟ !! … ومن ثم بالتالي هل سنستطيع ثني العربي بعدم التعاطف او التعاطي مع قضية فلسطين وشعبها العربي إلا بما يفيد الشأن السوري ؟؟ … وهكذا تفاعل الكرد مع اخوانهم في كردستان ايران مثلا ؟؟ !! … ولكن ما يؤخذ على الأستاذ غسان المفلح ربطه لا بل جمعه للولاءات القومية ومن ثم مساواتها بالطائفية …هذا من ناحية ومن الناحية الأخرى نظرته ان الى الواقع الجيوسياسي والجيوديمغرافي في شمال سورية / كمصطلح ما بعد سايكس بيكو / وذلك في مؤشر ودلالة واضحة منه … فمن الناحية الجيوسياسية وكما هو معلوم وبديهي ايضا ان كردستان قد تعرضت الى عمليات تقسيم عبر التاريخ منذ التقسيم الأول عام 1517 م ولتأخذ شكلها النهائي بعد سايكس بيكو ….

اما من الناحية البشرية فرغم ممارسات السلطة واجراءاتها القمعية ومحاولاتها المستمرة لتغيير الوضع الديمغرافي في المناطق الكردية ـ أقول ـ ان الكرد ما زالوا يشكلون الأغلبية في مناطقهم ….

ومن هنا يبرز بوضوح ضبابية مشروع الإندماج في بوتقة امة يبدو وطابعها الأساسي صهر وذوبان الآخر ضمنها ..خصوصا والتراكمات وكذلك الممارسات المطبقة والمواقف النظرية لمعظم القوى الفاعلة لا تشجع والأصح لا تخلق الأرضية المناسبة والتي تؤمن المصداقية من ناحية وتلغي عملية الذوبان والصهر وبعبارة اوضح هيمنة الإتجاه العروبي وبشكل جديد ؟؟ !! ….

وهذا ما يطرحه لابل ويقوننه السيد غسان المفلح حينما يقترح / … اندماج الجماعات والأقليات بمفهوم الأمة ـ الدولة ….

من خلال الإعتراف لها داخل نظام مواطنية متعددة ثقافيا وسياسيا بحقوق جماعية محدودة بقيود تحمي حرية الفرد في خياراته بما فيه حريته بالخروج من جماعته ـ الأصلية ـ بما لا يتعارض …الخ ..

/ فيبدو لنا ظاهرا ان الخروج هو في جميع الإتجاهات في حين ان الواقع وافرازات سياسة القمع والصهر الممارسة من قبل الأنظمة المتعاقبة قد قوضت شروط المنافسة ..

لا بل وبهذا الشكل سيصبح الطريق ممهدا ويشكل جد ايسر امام ما عجزت عنها كافة وسائل القمع بقوانينها الإستثنائية …….

استاذ غسان المفلح : … القضية الكردية في سورية هي قضية ارض وشعب … وهذا لا يعني بالضرورة الإنفصال وان كانت جائزة … وكذلك ـ بتصوري ـ ان التراكمات بفعل الممارسات والسياسات المطبقة بحق الشعب الكردي زرعت في ذهنيته الكثير من الأسئلة والإستفهامات …وفي الحقيقة اظن انه لا مجال في الذهنية الفوقية الممارسة عند القوى العربية سواءا المعارضة منها او الدائرة في فلك السلطة … لا توفر تلك الأرضية ولا تؤمن تلك المصداقية لهكذا ـايونوبيا ـ اقله في فترة انتقالية طويلة … ولربما يكون فيها المطلوب من القوى العربية ان تعترف وتقر حقيقة بحقوق الشعب الكردي بنصوص وقوانين مدسترة وصريحة حينها ـ وأقولها بصدق ـ ستبقى دمشق هي العاصمة التي سنسعى لها….

لا بل وسنتشبث بها ……

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف لا ريب أنه عندما تتحول حقوق الإنسان إلى أولوية نضالية في عالم غارق بالصراعات والانتهاكات، فإن منظمات المجتمع المدني الجادة تبرز كحارس أمين على القيم الإنسانية. في هذا السياق، تحديداً، تأسست منظمة حقوق الإنسان في سوريا- ماف في مدينة قامشلي، عام 2004، كردّ فعل سلمي حضاري على انتهاكات صارخة شهدتها المنطقة، وبخاصة بعد انتفاضة آذار الكردية 2004. ومنذ…

عنايت ديكو   الوجه الأول: – أرى أن صفقة “بهچلي – أوجلان” هي عبارة عن اتفاقية ذات طابع أمني وجيوسياسي بحت، بدأت معالمها تتكشف بشكل واضح لكل من يتابع الوضع عن كثب، ويلاحظ توزيع الأدوار وتأثيراتها على مختلف الأصعدة السياسية، الأمنية، والاجتماعية داخل تركيا وخارجها. الهدف الرئيسي من هذه الصفقة هو ضمان الأمن القومي التركي وتعزيز الجبهة الداخلية بجميع تفاصيلها…

اكرم حسين العلمانيّة هي مبدأ سياسي وفلسفي يهدف إلى فصل الدين عن الدولة والمؤسسات الحكومية ، وتنظيم الشؤون العامة بما يعتمد على المنطق، والعقلانية، والقوانين الوضعية بدون تدخل ديني. يتضمن مبدأ العلمانيّة الحفاظ على حرية الدين والمعتقد للأفراد، وضمان عدم التمييز ضد أي شخص بسبب دينه أو اعتقاده. تاريخياً ظهرت العلمانية مع اندلاع الثورة الفرنسية حيث خرجت الطبقة البرجوازية…

اننا في الفيدرالية السورية لحقوق الانسان والمنظمات والهيئات المدافعة عن حقوق الإنسان في سورية، وبالمشاركة مع أطفال العالم وجميع المدافعين عن حقوق الطفل وحقوق المرأة وحقوق الانسان، نحيي احتفال العالم بالذكرى السنوية الثلاثين لاتفاقية حقوق الطفل، التي تؤكد على الحقوق الأساسية للطفل في كل مكان وزمان. وقد نالت هذه الاتفاقية التصديق عليها في معظم أنحاء العالم، بعد أن أقرتها الجمعية…