عمر كوجري
العملية التربوية حالة مستمرة منذ الطفولة إلى ما شاءت الحياة، وهي مكفولة دستورياً لجميع أفراد المجتمع، وفي معظم دول العالم يكون التعليم إلزامياً، ومجاناً في مراحله الأولى.
وسورية من الدول التي قررت إلزامية التعليم ومجانيته منذ عدة عقود، واستفاد من هذه الميزة شرائح اجتماعية كثيرة، وعلى وجه الخصوص الشرائح الفقيرة التي وجدت في إلزامية التعليم متنفساً لها، فقدّمت للوطن طاقات علمية على قدر كبير من الأهمية، فتخرّج من الأرياف والقصبات والحواري السورية المعدومة آلاف الطلاب الذين كانوا لبنة أساسية في بنيان بلدنا سورية.
غير أن الأسر الفقيرة باتت اليوم تتحسر على أيام زمان، وأصبح التعليم حالياً إلى حد بعيد مدفوعاً ، وتزداد ميزانية مدفوعات الأسرة السورية المكسورة أصلاً مطلع كل سنة بإرهاقات جديدة من مستلزمات مدرسية وكتب ودفاتر وغيرها.
ضعف المناهج والتلقين الببغاوي:
لايخفى على ذي بصيرة إن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سورية تمر حالياً في أزمة حقيقية تتجلى في زيادة الغلاء المعيشي و زيادة الفقر في المجتمع وظهور طبقة غنية تستأثر بقسم كبير من الدخل القومي هذا بدوره يؤثر على الوضع الاجتماعي من خلال التفسخ الاجتماعي وزيادة البطالة والأمية والجريمة، و بالتالي الانهيار الثقافي .
كل هذه النتائج تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على العملية التربوية و التعليمية و تزيد الأزمة في النظم التعليمية.
إضافة إلى المناهج المدرسية التي تعتمد التلقين والببغاوية في الحفظ « البصم» وتنأى كلَّ النأي عن المحاكمات العقلية، والقياس والمنطق، وكذلك أسلوب الامتحانات الذي يدخل الرعب في قلوب الطلاب والأهالي، فالمطلوب من الطالب استظهار وتذكر كل ما درسه خلال العام في ظرف ساعتين أو ثلاث ساعات، وإلا عد راسباً، وأما إذا نجح وحصل على علامة متدنية فلا يحق له التقدم لتحسين علامته- في ظل العلامات شبه التامة للفروع المرغوبة –لايحقُّ له غير التقدم لمرة واحدة ووحيدة للامتحان.
قرارات التربية المرتجلة ومشاكلها المستعصية على الحل:
اتخذت وزارة التربية في سورية كونها المعنية بدفع العملية التربوية نحو الأمام منذ سنوات قرارات كان تشي بالتعجل والارتجالية في الكثير منها، مثل تثقيل المواد الأجنبية الذي طبق لسنة واحدة فقط، ولم يعمل به فيما بعد، إضافة إلى الارتباك الواضح في إدخال مادة اللغة الفرنسية لمنهاج الشهادتين، دون أن يتعرف الطلاب على كلمة واحدة في هذه اللغة ” الصعبة حقاً”، وخاصة الطلبة الأحرار الذين طولبوا بتقديم المادة، وهذا مازاد من أعباء الأسر السورية التي استنجدت وعلى نطاق واسع بالمدرسين الخصوصيين، ومن الأخطاء الفاحشة التي ترتكبها وزارة التربية سنوياً ورود أخطاء علمية التي ترد في أسئلة الامتحانات، وأخطاء طباعية وإملائية ونحوية في أوراق الأسئلة، وصعوبة بعض الطلبات عجز عن حلها المدرّسون المتخصِّصون، فما بالك بالطلاب الغلابة..
المساكين؟!
إن مشاكل التربية في سورية كثيرة، ويبدو أنها في الكثير من قراراتها تتقصد إصدار القرار دون متابعته على الأرض، فمنذ سنوات نسمع عن أن الوزارة بصدد إخراج امتحانات الشهادتين من كلاسيكيتها، بحيث يستطيع الطالب أن يقدم الامتحان لأكثر من دورة في السنة نفسها مثل معظم دول العالم التي تعتمد هذه الآلية من أجل تحسين فرص نجاحه وفوزه بعلامات أكثر، وإلى الآن لاشيء يتحقق فعلياً.
التربية تعلن حرباً على الملخصات المدرسية:
اتخذت وزارة التربية قبل مدة قرارها « الصائب حقاً» من حيث الشكل والمضمون وهو طلبها من مديرياتها في المحافظات منع إعداد ملخصات الكتب المدرسية والمسائل المحلولة والترجمات التي لها علاقة بالكتب المدرسية وطباعتها وتوزيعها .
وذلك نظراً للأثر السلبي على مردود الطلاب وعدم التزامهم بمضمون الكتاب المدرسي المقرر .
وأكدت الوزارة ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب المكتبات والمتعاونين معهم في إعداد وإصدار ونشر هذه الملخصات في وقت تعج أغلب إ ن لم نقل جميع مكتبات سورية بهذه الملخصات.
وبالمقابل فإن بعض المدرسين وموظفي المؤسسات التعليمية يقومون بابتزاز الطلاب بالتعاون مع بعض المكتبات , حيث يصر هؤلاء على إجبار الطلاب على شراء الملخصات.
أخطاء الملخصات القاتلة:
لا أفهم سبب تأخر التربية كل هذه السنوات، وغضها النظر عن هذه الملخصات التي تعج الكثير منها بالأخطاء الطباعية، إضافة عن الأخطاء التي يرتكبها بعض الزملاء في الإجابة الدقيقة عن بعض الأسئلة، وسأركز على بعض الأخطاء في ملخصات اللغة العربية باعتباري متخصصاً فيها:
ففي أقل من ساعة تصفَّحْتُ أنا وزميل لي أحدَ هذه الملخصات، وهو لاسم له شهرة واسعة بين جمهور الطلاب ، واكتشفنا أن الرجل ارتكب أخطاء في إعراب بعض الكلمات تشيب لها الولدان، ففي منهاج الثالث الثانوي، ورد البيت: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب ..” أعرب زميلنا الفطحل كلمة” العرب” صفة مرفوعة، والصحيح : بدل مرفوع، باعتبار أن كلمة العرب جامدة، وليست مشتقة.
وفي البيت: وردة من دمنا في يده ..
لو أتى النار عليها حالت جنانا
لقد أعرب زميلنا كلمة ” جنانا” حال منصوبة، وزميل آخر أعربها تمييزاً منصوباً، والصحيح: خبر منصوب للفعل الناقص” حالت”
وفي المقطع: ماالذي خبأتموه لغد .. أنتم يامن سفكتم لي دمي، جاء إعراب الضمير ” أنتم” ضمير رفع منفصل، والصحيح: توكيد لفظي لتاء الفاعل في الفعل” خبأتموه”
وإذا رصدنا الأخطاء الواردة في شرح القصائد والمشتقات وتطبيقات الأساليب النحوية، والموازنات والبلاغة سيطول بنا المقام، إضافة إلى أن هذه الملخصات تخاطب فئة الكسالى، وضعيفي الهمة من الطلاب لاعتمادها على التلخيص الشديد للفقرات والتي غالباً ماتكون ناقصة بحيث لاتلبي المطلوب في سُلَّم العلامات.
إذاً: ثمة حلول كثيرة للعملية التربوية في سورية من ضمنها مراجعة شاملة وإعادة النظر لسياسة المناهج التربوية بحيث تلائم الثورات العلمية التي تحدث كل يوم من حولنا، وتعتبر الامتحانات و التقويم عنصراً مهماً في المناهج التربوية التي ما زالت تحمل أسلوبها التقليدي و التي تخلق فئوية اجتماعية حسب أنواع التعليم الموجه لها الطالب حسب معدلاته في الاختبارات النهائية للمراحل الدراسية المتتابعة.
وكذلك ينبغي الاهتمام بوضع المدرس باعتباره عصباً أساسياً في إنجاح العملية التربوية برمتها، ونسمع قصصاً كثيرة عن إهدار كرامة المعلمين من بعض الطلاب” الشبيحة” وأبناء محدثي النعمة الذين تعجز إدارات المدارس عن ردعهم، وردّ شرورهم وزعرناتهم.
من جانب آخر يفترض توفير المكان المناسب، فمن غير المعقول أن يجلس التلميذ مرتعداً من البرد بسبب عدم وجود زجاج للنافذة، ونحشر أكثر من 50 طالباً في قاعة واحدة، ونطلب منه أن يركّز ليبدع.
فالمكان المناسب المعد والمجهز بجميع الأجهزة والأثاث هو أساس العملية التربوية، وكذلك ينبغي التخلص كلياً من مشكلة الدوامين الصباحي والمسائي في مدارسنا، وتعاني من هذه المشكلة محافظات سورية كثيرة وإلى الآن.
ضعف المناهج والتلقين الببغاوي:
لايخفى على ذي بصيرة إن الحالة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في سورية تمر حالياً في أزمة حقيقية تتجلى في زيادة الغلاء المعيشي و زيادة الفقر في المجتمع وظهور طبقة غنية تستأثر بقسم كبير من الدخل القومي هذا بدوره يؤثر على الوضع الاجتماعي من خلال التفسخ الاجتماعي وزيادة البطالة والأمية والجريمة، و بالتالي الانهيار الثقافي .
كل هذه النتائج تؤثر بشكل مباشر وغير مباشر على العملية التربوية و التعليمية و تزيد الأزمة في النظم التعليمية.
إضافة إلى المناهج المدرسية التي تعتمد التلقين والببغاوية في الحفظ « البصم» وتنأى كلَّ النأي عن المحاكمات العقلية، والقياس والمنطق، وكذلك أسلوب الامتحانات الذي يدخل الرعب في قلوب الطلاب والأهالي، فالمطلوب من الطالب استظهار وتذكر كل ما درسه خلال العام في ظرف ساعتين أو ثلاث ساعات، وإلا عد راسباً، وأما إذا نجح وحصل على علامة متدنية فلا يحق له التقدم لتحسين علامته- في ظل العلامات شبه التامة للفروع المرغوبة –لايحقُّ له غير التقدم لمرة واحدة ووحيدة للامتحان.
قرارات التربية المرتجلة ومشاكلها المستعصية على الحل:
اتخذت وزارة التربية في سورية كونها المعنية بدفع العملية التربوية نحو الأمام منذ سنوات قرارات كان تشي بالتعجل والارتجالية في الكثير منها، مثل تثقيل المواد الأجنبية الذي طبق لسنة واحدة فقط، ولم يعمل به فيما بعد، إضافة إلى الارتباك الواضح في إدخال مادة اللغة الفرنسية لمنهاج الشهادتين، دون أن يتعرف الطلاب على كلمة واحدة في هذه اللغة ” الصعبة حقاً”، وخاصة الطلبة الأحرار الذين طولبوا بتقديم المادة، وهذا مازاد من أعباء الأسر السورية التي استنجدت وعلى نطاق واسع بالمدرسين الخصوصيين، ومن الأخطاء الفاحشة التي ترتكبها وزارة التربية سنوياً ورود أخطاء علمية التي ترد في أسئلة الامتحانات، وأخطاء طباعية وإملائية ونحوية في أوراق الأسئلة، وصعوبة بعض الطلبات عجز عن حلها المدرّسون المتخصِّصون، فما بالك بالطلاب الغلابة..
المساكين؟!
إن مشاكل التربية في سورية كثيرة، ويبدو أنها في الكثير من قراراتها تتقصد إصدار القرار دون متابعته على الأرض، فمنذ سنوات نسمع عن أن الوزارة بصدد إخراج امتحانات الشهادتين من كلاسيكيتها، بحيث يستطيع الطالب أن يقدم الامتحان لأكثر من دورة في السنة نفسها مثل معظم دول العالم التي تعتمد هذه الآلية من أجل تحسين فرص نجاحه وفوزه بعلامات أكثر، وإلى الآن لاشيء يتحقق فعلياً.
التربية تعلن حرباً على الملخصات المدرسية:
اتخذت وزارة التربية قبل مدة قرارها « الصائب حقاً» من حيث الشكل والمضمون وهو طلبها من مديرياتها في المحافظات منع إعداد ملخصات الكتب المدرسية والمسائل المحلولة والترجمات التي لها علاقة بالكتب المدرسية وطباعتها وتوزيعها .
وذلك نظراً للأثر السلبي على مردود الطلاب وعدم التزامهم بمضمون الكتاب المدرسي المقرر .
وأكدت الوزارة ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق أصحاب المكتبات والمتعاونين معهم في إعداد وإصدار ونشر هذه الملخصات في وقت تعج أغلب إ ن لم نقل جميع مكتبات سورية بهذه الملخصات.
وبالمقابل فإن بعض المدرسين وموظفي المؤسسات التعليمية يقومون بابتزاز الطلاب بالتعاون مع بعض المكتبات , حيث يصر هؤلاء على إجبار الطلاب على شراء الملخصات.
أخطاء الملخصات القاتلة:
لا أفهم سبب تأخر التربية كل هذه السنوات، وغضها النظر عن هذه الملخصات التي تعج الكثير منها بالأخطاء الطباعية، إضافة عن الأخطاء التي يرتكبها بعض الزملاء في الإجابة الدقيقة عن بعض الأسئلة، وسأركز على بعض الأخطاء في ملخصات اللغة العربية باعتباري متخصصاً فيها:
ففي أقل من ساعة تصفَّحْتُ أنا وزميل لي أحدَ هذه الملخصات، وهو لاسم له شهرة واسعة بين جمهور الطلاب ، واكتشفنا أن الرجل ارتكب أخطاء في إعراب بعض الكلمات تشيب لها الولدان، ففي منهاج الثالث الثانوي، ورد البيت: تنبهوا واستفيقوا أيها العرب ..” أعرب زميلنا الفطحل كلمة” العرب” صفة مرفوعة، والصحيح : بدل مرفوع، باعتبار أن كلمة العرب جامدة، وليست مشتقة.
وفي البيت: وردة من دمنا في يده ..
لو أتى النار عليها حالت جنانا
لقد أعرب زميلنا كلمة ” جنانا” حال منصوبة، وزميل آخر أعربها تمييزاً منصوباً، والصحيح: خبر منصوب للفعل الناقص” حالت”
وفي المقطع: ماالذي خبأتموه لغد .. أنتم يامن سفكتم لي دمي، جاء إعراب الضمير ” أنتم” ضمير رفع منفصل، والصحيح: توكيد لفظي لتاء الفاعل في الفعل” خبأتموه”
وإذا رصدنا الأخطاء الواردة في شرح القصائد والمشتقات وتطبيقات الأساليب النحوية، والموازنات والبلاغة سيطول بنا المقام، إضافة إلى أن هذه الملخصات تخاطب فئة الكسالى، وضعيفي الهمة من الطلاب لاعتمادها على التلخيص الشديد للفقرات والتي غالباً ماتكون ناقصة بحيث لاتلبي المطلوب في سُلَّم العلامات.
إذاً: ثمة حلول كثيرة للعملية التربوية في سورية من ضمنها مراجعة شاملة وإعادة النظر لسياسة المناهج التربوية بحيث تلائم الثورات العلمية التي تحدث كل يوم من حولنا، وتعتبر الامتحانات و التقويم عنصراً مهماً في المناهج التربوية التي ما زالت تحمل أسلوبها التقليدي و التي تخلق فئوية اجتماعية حسب أنواع التعليم الموجه لها الطالب حسب معدلاته في الاختبارات النهائية للمراحل الدراسية المتتابعة.
وكذلك ينبغي الاهتمام بوضع المدرس باعتباره عصباً أساسياً في إنجاح العملية التربوية برمتها، ونسمع قصصاً كثيرة عن إهدار كرامة المعلمين من بعض الطلاب” الشبيحة” وأبناء محدثي النعمة الذين تعجز إدارات المدارس عن ردعهم، وردّ شرورهم وزعرناتهم.
من جانب آخر يفترض توفير المكان المناسب، فمن غير المعقول أن يجلس التلميذ مرتعداً من البرد بسبب عدم وجود زجاج للنافذة، ونحشر أكثر من 50 طالباً في قاعة واحدة، ونطلب منه أن يركّز ليبدع.
فالمكان المناسب المعد والمجهز بجميع الأجهزة والأثاث هو أساس العملية التربوية، وكذلك ينبغي التخلص كلياً من مشكلة الدوامين الصباحي والمسائي في مدارسنا، وتعاني من هذه المشكلة محافظات سورية كثيرة وإلى الآن.
ويبدو أن الفضائية التربوية لم تحقق المأمول منها، فمازالت برامجها تقليدية، وليس فيها جديد مرتجى، والمئات من الطلاب لم يسمعوا بها، وقد قيل إنها ستتكفل بإقصاء المدرسين عن” رزقة” الدروس الخصوصية، وما إلى ذلك، بيد أن شيئاً من هذا لم يحصل، والذي يحصل أن قرارات غزيرة تصدر من التربية التي تحوم حول المشكلات دون أن تتسلَّحَ بدافع الشجاعة لإنجاز عملية تربوية صحيحة على مستوى التحديات التي نُحَاصَر بها على الدوام.