رابعا – واقع وآفاق الوضع الكردي
بات من البديهيات أن الشعب الكردي يعاني من نسقين مزمنين من الاضطهاد الرسمي : الأول سياسي اجتماعي وحرمان من الحريات كعامة السوريين والثاني قومي في حجب الحقوق ومصادرة الهوية القومية والامعان في التمثلية القومية العنصرية عبر التهجير والحرمان من حق المواطنة ومواصلة تغيير التركيب الديموغرافي في المناطق الكردية وترهيب الناشطين عبر التصفيات الجسدية والاغتيالات والملاحقات والاعتقالات والأحكام التعسفية وادارة أماكن التواجد الكردي من خلال أجهزة الأمن والقوانين الاستثنائية اضافة الى قانون الطوارىء والأحكام العرفية مما ضاعف من أوجه المعاناة مثل الفقر وانتشار الأوبئة ووقف التطور الطبيعي وشل الدورات الاقتصادية وبث الرعب وعدم الاطمئنان وازدياد معدلات الهجرة الداخلية والخارجية ومما زاد الطين بلة تنامي ظاهرة مقتل الجنود الكرد خلال فترة أداء واجب خدمة العلم حيث بلغ العدد أربعا وثلاثين في غضون سنوات معدودة وما يزيد عن الثلث في العام المنصرم فقط الى درجة أنني كنت من أوائل الذين طرحوا في مقالة خاصة ( 6 – 7 – 2009 ) بضرورة البحث الجاد للكشف عن الخيوط التي تربط هذه الجرائم بمنظمة في غاية السرية من صنع أوساط من النظام الحاكم لتنفيذ تلك العمليات الارهابية الموجهة ذات الطابع العنصري على غرار منظمة ” أرغنكون ” التركية الابنة الشرعية للطغمة العسكرية الأمنية الفاشية الحاكمة التي كانت ومازالت الذراع الضارب للأجنحة والمؤسسات المعادية للسلم الأهلي والوحدة الوطنية ولمساعي حل القضية الكردية سلميا وعبر الحوار .
كان العام المنصرم بكل سيئاته الأمنية ومظاهره الشوفينية الرسمية مسرحا لنقاش كثيف حول أشكال التصدي للأزمة وتحقيق المشروع القومي الوطني الكردي ولم يحظ أي مشروع طوال تاريخ حركتنا بهذا القدر من التداول الواسع والمناقشة العلمية الجادة كما حظي به مشروعنا ” مشروع وحدة الحركة الوطنية الكردية ” من جانب خيرة مثقفينا وسياسيينا من النساء والرجال من مختلف الاتجاهات الفكرية والسياسية والثقافية وعبر معظم منابر مواقعنا الاعلامية الألكترونية ومازال البحث جاريا حوله وسيكون العام المقبل حاضنا لهذا المشروع في جانبه العملي بعد جولة أخرى من النقاش قد تؤدي الى اجراء تعديلات على الصيغة المنشورة استجابة لمقترحات وجيهة موثقة في موقعنا ومواقع كردية أخرى وردت أو قيد الطرح ويبدو أن مشروعنا قد كان حافزا لبعض الجماعات الحزبية – اما لأسباب داخلية أو بنية قطع الطريق – أن تستعجل في النفخ على العصبية الحزباوية ومحاولة اعادة الروح الى ” عظام رميم ” والتذاكي بتصوير الأمر لدى الناس بمقولة مردودة : – اذا كانت الأحزاب الكردية الحالية المتكاثرة بخير فالشعب الكردي بألف خير – ( على مبدأ آخر الخلفاء العباسيين بغداد تكفيني ) أي اختزال القضية الكردية بكل مضامينها السياسية والمصيرية الاستراتيجية باشكاليات مجموعات حزبية – التي ماهي في تعريفها الا أدوات قابلة للزوال والتبدل في خدمة القضية وليست جوهرها الذي لايمس – ابتعدت عن الشعب وهمومه وتخلت عن حمل وتحقيق مهامه النضالية تبحث عن عوامل بقائها فحسب وازاء ذلك فان الغالبية الشعبية والنخبوية ترد – نعم لاحياة سياسية من دون عمل تنظيمي ولكن بشرط أن يكون على شكل حركة تعاد بناءها متجددة عصرية ديموقراطية لاتتخلى عن الثوابت – وأمام موجة الحراك النوعي الذي بدأ حتى ضمن صفوف الجماعات الحزبية عامة على تواضعها الجماهيري نحو المراجعة الجذرية والعودة خصوصا الى الاصول الفكرية التي دشنها كونفرانس الخامس من آب لعام 1965 ومازالت تشكل الذخيرة الفكرية والزاد الثقافي لأي تغيير حقيقي في جسم الحركة نقول أمام ذلك دخلت السلطة ومن يوافقها الرأي حول القضية الكردية موالاة ومعارضة ( وهذا ملفت جدا في اللحظة الراهنة رغم أنه ليس بجديد ) طرفا في السجال السياسي الداخلي الدائر في الساحة الكردية عبر : أولا بعض المرتدين اليسراويين سابقا والسلفيين الطائفيين راهنا وبعض سماسرة السلطة المعروفين من أصحاب السوابق في أداء المهمات القذرة لمصلحة أجندة أجهزة النظام الحاكم والمختصين بالنيل من الطيف المعارض بنصرة الفريق المرضي عنه سلطويا من الجماعات الحزبية الكردية في وقت بدأت تتكشف فيه خفايا فريق الموالين للسلطة أو المتاجرين بالشعارات أو الذين تواطؤوا في ضرب البنى التحتية لحركة اليسار القومي الديموقراطي وتدنو ساعة الكشف عن الحقيقة ويتعاظم مد المناداة بالتغيير واعادة بناء الحركة الوطنية الكردية وما ظهر من تحركات حزبية على شكل اجتماعات ولقاءات غضت السلطة الطرف عنها كناية عن الرضا وبيانات لم تخل من العصبية والعصبوية تحت مسميات – المرجعية والمؤتمر والمجلس السياسي تصب في مجرى واحد ولكن بعدة عناوين هادفة توحيد الجماعات الحزبية ولملمة صفوفها (وهذا أمر لانرفضه ونتمنى قيام جبهة موحدة للجماعات الحزبية كلها وليس ربعها أو نصفها فحسب حتى يحصل الفرز النهائي بين المكون الحزبي السياسي وما يمثل من جهة والشعب وحركته القومية والثقافية والمستقلة من الجهة الأخرى) وكل ما ظهر حتى اللحظة من برامج ورؤا تتسم بالتردد ولاتصب بوضوح في مجرى المشروع الوطني الكردي الذي يحظى بالاجماع القومي وكما يبدو للمراقب لاتتجاوز الصراع على دور من هو الأجدر للتعاطي الايجابي مع مشروع السلطة في حين أن المصلحة الكردية العامة تقضي بايجاد محاور شرعي مخول يلبي الحقوق والمطامح ويعبر بالفكر والموقف والممارسة عن الحقيقة الكردية السورية كما أن ما أعلن حتى الآن لايشير الى جدية تلك الجماعات بشأن بناء حركة كردية ديموقراطية بديلة شاملة من جميع مكونات العمل القومي بما فيها الأحزاب مستفيدة من دروس وعبر الماضي ومنفتحة على الحقائق المستجدة اقليميا ودوليا كما يدعو اليه مشروعنا المعبر عن نبض الشارع الكردي والذي لن تحجبه المحاولات الجارية من – مناقصات ومزايدات – فهما وجهان لعملة واحدة فالمناقصون يخاطبون النظام ويخطبون وده بحثا عن دور ما ! والمزايدون يتوجهون الى الأنصار الحزبيين لكسب الولاء وتأجيل وصول الأزمة الى حد الانفجار أما الشعب صاحب القضية فغائب عن المشهد .
كل المؤشرات تدل على أن العام القادم سيكون عام الاستحقاقات على مختلف الصعد القومية والوطنية والكردستانية والاقليمية وسيكون اختبارا لمدى قدرة شعبنا على مواجهة تحدي اعادة بناء حركته السياسية المناضلة فحري بنا أن نكون جزء فاعلا في العملية بعد تلبية الشروط الذاتية والموضوعية والارتقاء الى مستوى المسؤلية التاريخية .