عن المجلس السياسي: التحولات الكمية لا تؤدي بالضرورة الى تحولات نوعية

زيور العمر

إثر الإعلان عن تأسيس « المجلس السياسي » للأحزاب الكردية , نخشى أن لا نشعر بالكيان السياسي الجديد , إلا من خلال البيانات , كما هو الحال , مع بيان إعلانه , الذي جاء فارغاً من أي محتوى و مضمون . و السؤال : هل التحولات الكمية , تستدعي بالضرورة حدوث تحولات نوعية , في المشهد السياسي الكردي ؟ تجربة سنوات من التحالفات و الجبهات و أشكال التنسيق , بين الأحزاب الكردية , تجعلنا نشك في كل تجربة جديدة , و نوايا أصحابها , و خلفياتهم , خاصة إذا شعرنا أن العقلية التي تقف خلف التجربة الجديدة , ما زالت هي نفسها التي أدارت السياسة الكردية لعقود من الزمن , و أدت الى تشكل , هضاب من الأخطاء و الإنتكاسات و الإنكسارات , ذهب ضحيتها شعبنا , و طموحاته و أهدافه.
فالنقاش الذي دار في السنوات القليلة الماضية , حول ضرورة الخروج من حالة الإنقسام و التشرزم , و تشكيل حالة كردية صحية , تقوم على جمع الطاقات و تحفيذ الإمكانات الكردية الهائلة , في إطار سياسي , يشكل واجهة سياسية , لتحقيق أهداف الشعب الكردي , جسدت في الشارع الكردي فكرة مفادها , ان تصحيح المسار , و تقويمه في المشهد الكردي , مرتبط بتوافق و تقارب أطرافه السياسية , في إطار كيان سياسي , يطرح رؤية واضحة و موضوعية حول سبل و كيفية حل القضية الكردية في سوريا , و أن من شأن تحقيق هذا الهدف , أن يعيد الى الشارع الكردي و الجمهور , الثقة و الأمل في المستقبل.
و لان ظاهر الأمر قد يدفعنا الى الإعتقاد اننا مقبلون على مرحلة جديدة , إلا أن الوقائع و المعطيات تشير , للأسف الشديد الى العكس. الكيان الجديد ,  تبدو ثقوبه و ثغراته واضحة للعيان . التوافق السياسي الذي إنطوى عليه البيان , كان مزيج من المساومات الصارخة , بين وجهتي نظر كانت حتى الأمس القريب في أشد حالات التناقض : الخلاف بين رؤية إعلان دمشق لحل المسألة الكردية , و خصومها. ففي الفقرة الأولى من البيان جاء الذكر على التغيير الوطني الديمقراطي السلمي المتدرج في البلاد و إيجاد حل ديمقراطي للقضية الكردية في البلاد كقضية وطنية (فقرة ماخوذة حرفياً من إعلان دمشق) مع العلم أن هذه الفقرة غير موجودة في برنامج أي من الأحزاب المؤسسة للمجلس , و الإعتراف الدستوري بالهوية القومية للشعب الكردي في سوريا. الفقرة السابقة , تشعرنا أن البيان ليس صادر من أحزاب كردية , و إنما من إطار سوري معارض , يضم قوى عربية و كردية و غيرها. فهي لم تأتي على ذكر الإدارة الذاتية كما تطالب بها أغلب الأحزاب الكردية , كشكل لحل المسألة الكردية , و هو ما يشكل الثقب الأكبر في الكيس السياسي المعلن.
إن أية رؤية سياسية لا تقدم مشروع أو تصور للحل السياسي للقضية الكردية , لا يمكن النظر إليها بإرتياح و إطمئنان , و إنما تعيدنا الى نفس الدوامة السابقة , و هي تشبه كمن يمشي في جو ماطر تحت مظلة مثقوبة.
الثقب الأخر الذي شعرنا به هو غياب ذكر الخطوات العملية التي ستقدم عليها أحزاب المجلس السياسي , من أجل الوقوف في وجه السياسات و المشاريع العنصرية من قبل النظام بحق شعبنا , في ظل إنسداد الأفق السياسي في البلاد , و توحش النظام القائم , و إفتراسه  لكل أشكال العمل السياسي و الإجتماعي و الثقافي , جراء إنعدام هامش الممارسة السياسية , و الحريات العامة و الفردية في البلاد . فلم يأتي , على سبيل المثال , على  ذكر الأنشطة الجماهيرية , من إحتجاجات و مظاهرات سلمية , و لم يجري الحديث عن أماكن تنظيمها أيضاً , الأمر الذي يدفعنا الى الإعتقاد بوجود خلاف جذري في هذا الشان بين أحزاب المجلس , و هو ما يفسر غياب هذا الأمر الحيوي و المهم , و الذي كان محل خلاف بين الأحزاب الكردية , في مواجهة كل إستحقاق و تحدي جديد .
الثقب الثالث في بيان الإعلان يكمن في الإشارة الى القوى و الأحزاب الأخرى التي لم تشارك في تأسيس المجلس الجديد , و أكد على إمكانية ضم هذه القوى الى المجلس , و هو أمر يدفعنا الى التفكير في إمكانية , صرف و إضاعة المزيد من الوقت , حتى يتحقق المؤتمر الوطني الكردي : أي أننا سنعيش في ثبات سياسي , حتى يتحقق ذلك المشروع النهائي , الذي يشكل المجلس لبنته الأولى .
و لعل ما نخشاه في المرحلة القادمة , هو أن يستمر المجلس السياسي , في نفس السلوك و الممارسات المعتادة , من قبيل الرد على ممارسات و مشاريع النظام الإجرامية بحق شعبنا , من خلال بيانات الشجب و الإستنكار ليس إلا , في ظل الإختلاف بين أطرافه , من حيث الشعارات و المواقف , و أمزجة قياداته , و إرتباطات كل منها بجهة معينة , و نأتي في مرحلة لاحقة للحديث عن جدوى التكتلات و الأطر السياسية , في إحداث أي تغيير أو إصلاح , خاصة إذا كانت لا تمتلك رؤية سياسية واضحة , و تشخيص صائب , و مقاربة صحيحة , للقضايا التي تناضل من أجلها , فضلاً عن إفتقاد مكوناتها و مفرداتها لإرادة التغيير , و القرار المسؤول , الضروري لفعل شئ أو أي شئ , لصالح الجمهور التواق لرؤية جديد في ساحتها.

31/12 /2009

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

أكد الرئيس مسعود بارزاني ، أن إقليم كوردستان قد حقق فخرا كبيرا بوصوله إلى مرحلة انتخاب نظام حكمه، معتبرا ذلك انتصارا ومنجزا عظيمين.

وقال بارزاني في كلمة له خلال مهرجان انتخابي ضخم في مدينة أربيل اليوم الثلاثاء ، إلى أن الانتخابات كانت مقررة قبل عامين، إلا أن بعض الأطراف وضعت عراقيل أمام العملية، مما أدى إلى…

شوان زنكَنة

قدّم حزبُ العدالة والتنمية مشروعَ قانون من 12 مادة، يتضمن تعديلاتٍ في قانون أصول الضرائب، تهدف إلى رفع حجم واردات صندوق الصناعات العسكرية، وبموجب هذه التعديلات، تمَّ فرضُ ضرائب على بطاقات الائتمان، ومعاملات كُتّاب العدل، ومعاملات الطابو، وكافة ضرائب الختم، وتهدف الحكومةُ من هذه التعديلات استحصالَ ضرائب مقدارها حوالي 80 مليار ليرة سنويا.. وسيتمّ العملُ بهذه…

صبحي ساله يي

إستناداً إلى المعطيات السياسية الحالية في إقليم كوردستان، يمكن القول أن العلاقات بين الأحزاب والقوى السياسية الكوردستانية مرّت بتغيرات كبيرة ومحطات عديدة، والخلافات الحادة التي تراها اليوم لم تبدأ مع بداية الحملة الإنتخابية لبرلمان كوردستان، ولن تنتهي يوم الإقتراع أو بعد إعلان نتائج الانتخابات أو حتى رؤية المخرجات النهائية للعملية الانتخابية وتشكيل حكومة…

دلدار بدرخان

حتى الأمس القريب كانت كتاباتي تركز على القضية الكوردية في سوريا بشكل عام دون أن أخصصها لمنطقة معينة، لكنني أدركت مؤخراً أن عفرين تمر بمرحلة مصيرية تهدد وجودها، فكان من الطبيعي أن أجعلها أولوية لدي ، وعندما فعلت ذلك لم يتردد البعض في اتهامي بإثارة النزعة المناطقية، وكأن تسليط الضوء على معاناة عفرين وشعبها…