صناعة الأحزاب وحلها؟

كفاح محمود كريم
 
    إعلان تركيا متمثلة بمحكمتها العليا حل حزب المجتمع الديمقراطي الذي يشغل نوابه 21 مقعدا من أصل 550، وشطب وإلغاء عضوية زعيم الحزب أحمد تورك ونائبه إيسال توغولك وتخيير الأعضاء الباقين بين الاستقالة من الحزب والاستمرار في البرلمان أو تقديم استقالاتهم الإجبارية من مجلس النواب التركي، طبعا ودائما الأسباب الموجبة هي التعاون مع المتمردين أو المخربين الذين يهددون استقلال البلاد؟

    تذكرنا مثل هذه القرارات بما كان يحصل هنا في العراق أيام حكم حزب البعث ورئيسيه البكر وصدام في عملية تصنيع الأحزاب أو حلها، ويبدو إنها سمة مشتركة بين كل الأنظمة الشمولية أو العنصرية في العالم بصرف النظر عن نسبة أو كمية فيتامين الديمقراطية الموجودة في دماء هذه الأنظمة فهناك دوما مضادات قوية لذلك الفيتامين تتواجد في الوقت المناسب لاتخاذ مثل هذه القرارات في الهجوم والإبادة.

    ففي منتصف السبعينات من القرن الماضي وحينما حان موعد استحقاقات بعض من التطبيقات الديمقراطية لتنفيذ اتفاقية 11 آذار لعام 1970م بين الحكومة المركزية في بغداد وقيادة الحركة التحررية الكوردية آنذاك، بدأت الحكومة المركزية وأجهزتها في اختلاق مشاكل وتعقيدات وشراء ذمم كوادر عاملة في الطرف الثاني انتهت بإصدار قانون من طرف واحد لما أطلق عليه في حينه قانون الحكم الذاتي بعد أن نجح في صناعة واستنساخ أحزاب لا تملك حتى أسمائها من خلال عملية اختراق بائسة لبعض المفاصل الهشة في الحركة والحزب بعد عام 1973م.

    ومن خلال تلك العملية سارع إلى تشكيل جبهة لتلك الأحزاب أطلق عليها (الجبهة الوطنية والقومية التقدمية) التي من المفترض أن تضم كل الفعاليات السياسية في تحالف ضد الاستعمار والرجعية والامبريالية كما كانت تثقف أجهزة الإعلام وتدعي الحكومة وحزبها القائد، وسرعان ما اضمحلت تلك الأحزاب ولم يبقَ من جبهة النظام إلا مقرها العام ومعاشات موظفيها وبعض من البروتوكولات مع مجموعة من ما يشابه تلك الجبهة في أوربا الشرقية التي تبخرت هي الأخرى مع أحزابها المستنسخة حينما أصبح الاتحاد السوفييتي مجموعة من الدول المستقلة؟.


     في تركيا كانت الأخبار الواردة منذ فترة ليست بقصيرة تؤشر حراكا باتجاه القضية الكردية هناك وتطورا في الرؤية وبزاوية نظر تختلف إلى حد ما عن تلك الزوايا التي ينظر منها العسكر والجندرمة وملحقاتهم من الأحزاب المصابة بالستكماتزم السياسي التي تدير نافورة الدماء مع الكرد وحزب العمال الكردستاني منذ ما يقرب من ربع قرن، دون تحقيق أي هدف أو نصر عسكري أو سياسي إلا أفواج من القتلى والمعاقين.


     يتمنى الكثير من محبي تركيا والنظام الديمقراطي فيها سواء من كان من مواطنيها أو من أصدقائها أن تزال وتندثر بقايا هذه الثقافة التي لا تليق بدولة تروم اللحاق بمجموعة الدول الأكثر رقيا في العالم بل ولتصبح عضوا في نادي الحضارة والتقدم الاجتماعي والإنساني والاقتصادي، وان الاستمرار بهكذا سلوكيات سيساعد على نمو التطرف (الفعل ورد الفعل) مما يؤخر برامجها الاقتصادية والتحديثية، ولعل في درس العراق عبرة كبيرة في ما يتعلق بتعامل الأنظمة منذ تأسيس الدولة العراقية وحتى سقوط نموذجها البعثي في نيسان 2003م مع الشعب العراقي عموما والكرد بشكل خاص وما آلت إليه تلك السياسة من تدمير للبلاد وقواها العسكرية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية وما صاحب ذلك من فشل ذريع في كل مناحي الحياة، حيث فشلت كل تلك المحاولات والأساليب في سحق القوى السياسية المعارضة سواء بحلها أو زج أعضائها ومؤيديها في السجون والمعتقلات كما حصل للشيوعيين العراقيين وأعضاء حزب الدعوة والمجلس الأعلى وبقية الوطنيين والديمقراطيين العراقيين، أو كما حصل في جرائم الإبادة الجماعية للسكان في كوردستان العراق في الأنفال سيئة الصيت وحملات الإبادة بالأسلحة الكيماوية وعمليات التقتيل المنظم لكوادر الأحزاب الكردستانية إضافة إلى ترحيل مئات الآلاف من السكان الأصليين من قراهم ومدنهم كما حصل في محافظات الموصل وكركوك وديالى وبغداد.
     كل تلك السياسات التي امتدت لعشرات السنين وراح ضحيتها مئات الآلاف من خيرة أبناء العراق وكوردستان لم تنجح بكل ما استخدم فيها من مليارات الدولارات في المجال الأمني أو العسكري أو الاقتصادي، من أن تنهي قضية الشعب أو تسحق قواه السياسية سواء بالتقتيل أو الاعتقال أو الحل أو استنساخ البدائل الهزيلة، ولذلك نرى إن المسافة بين استانبول والاتحاد الأوربي ستكون أقصر بكثير لو اختصرت القوى الفاعلة في الحكم الطريق إلى حل حضاري للمسألة الكردية كما فعل العراقيون في تجربتهم الرائدة، لا بحل الأحزاب المعارضة وفصل ناشطيها أو شن حملات عسكرية فعلها النظام السابق وغيره ولم تؤد بهم وبالبلاد إلا إلى الدمار وضياع الأمن والسلام.

kmkinfo@gmail.com

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest
0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

شادي حاجي في السنوات الأخيرة، بات من الصعب تجاهل التحوّل المتسارع في نبرة الخطاب العام حول العالم . فالعنصرية والكراهية والتحريض عليهما لم تعودا مجرّد ظواهر هامشية تتسلل من أطراف المجتمع، بل بدأت تتحول، في أكثر الدول ديمقراطية ولم يعد ينحصر في دول الشرق الأوسط ( سوريا . لبنان – العراق – تركيا – ايران وو .. نموذجاً ) وحدها…

ياسر بادلي ليس اختيارُ الرئيس العراقيّ السابق، برهم صالح، مفوّضاً سامياً لشؤون اللاجئين حدثاً عابراً يمرّ على أطراف الأخبار؛ بل هو لحظةٌ ينهضُ فيها تاريخُ شعبٍ كامل ليشهد أن الأمم التي صُنعت من الألم تستطيع أن تكتب للإنسانيّة فصلاً جديداً من الرجاء. فالمسألة ليست منصباً جديداً فحسب… إنه اعترافٌ عالميّ بأنّ الكورد، الذين حملوا قروناً من الاضطهاد والتهجير، ما زالوا…

المحامي عبدالرحمن محمد   تتواصل فصول المسرحية التركية وسياساتها القذرة في الانكار والنفي للوجود التاريخي للشعب الكوردي على ارضه كوردستان، ومحاولاتها المستمرة لالغاء ومحو كلمتي كورد وكوردستان بوصفهما عنوانا للهوية القومية الكوردية والوطنية الكوردستانية من القاموس السياسي والحقوقي والجغرافي الدولي، سواء على جغرافيا كوردستان او على مستوى العالم. تارة يتم ذلك بحجة وذريعة الدين (الاسلام)، وتارة اخرى باسم الاندماج والاخوة،…

  إبراهيم اليوسف وصلتني صباح اليوم رسالة من شاعرة سورية قالت فيها إنها طالما رأتني وطنياً لكنها تجدني أخرج عن ذلك، أحياناً. رددت عليها: صديقتي، وما الذي بدر مني بما يجعلك ترين وطنيتي منقوصة؟ قالت: أنت من أوائل الناس الذين وقفوا ضد ظلم نظام البعث والأسد. قلت لها: ألا ترينني الآن أقف أيضاً ضد ظلم السلطة المفروضة- إقليمياً ودولياً لا…