وهذا لا يعني أن العرب كانوا يعيشون بحبوحة العيش الرغيد، فكراً وثقافةً وتنميةً، على عهد “السلف الصالح” من السلاطين العثمانيين، الذين خطفوا الخلافة من العرب، ونقلوا عاصمتها من الحجاز إلى اسطنبول.
ولا يمكن بأيّ حال من الاحوال، إلقاء اللائمة على اقطاب جماعة “الاتحاد والترقّي” الطورانيّة، المتصهينة وحسب، بل ربما القمع والظلم اللاحق بالعرب وقتئذ، وصل لأوجه، في حقبة حكم أولئك الطغاة الدمويين.
ولو انصت الاتراك آنئذ لمطالب العرب المشروعة والمعقولة والمحقّة، لما اضطرّ العرب إلى الاستعانة بالانكليز “الكفّار”، كي ينقذونهم من بطش أخوانهم الأتراك “المسلمين”!.
ولما حدث ما حدث!.
والسؤال الآخر الذي يطرح نفسه هنا: لو “بلع العرب الموسَ على الحدّين” حسب المثل الشامي الدارج، وخنعوا، وارتضوا بالذلّ والهوان العثماني _ الطوراني آنئذ، ولم يستنجدوا بالانكليز، وبقوا راحزين تحت نير ذلك البؤس، ماذا كان حال العرب الآن؟! ولئن افتراض المحال ليس من المحال، لنتصوّر حال العرب، تحت حكم جماعة الاتحاد والترقّي حتّى أيّامنا هذه!؟.
لَعمري، إنْ لم يكن العرب، في عداد الشعوب المنقرضة، لكانوا الآن على مشارف الانقراض، لو بقي طغاة “الاتحاد والترقّي” قادةً للمنطقة.
ولننظر إلى العرب، الذين انصهروا في المجتمع التركي الآن، إذ يتذكّرون انَّهم كانوا عرب، لربما كان حال العرب في البلدان العربيّة، كحال العرب المنصهرين في تركيا، إنْ قبلوا الخنوع لإرادة “الاتحاد والترقّي”!.
والجدير بالذكر هنا، أن الظلم والقمع التركي للعرب، آنئذ، غدّى فيهم الشعور بالخصوصيّة والاستقلال، والتأسيس لوعي قومي عربي، عبر الارتداد للذات، صوناً للهويّة القوميّة والثقافيّة واللغويّة، وحتّى الدينيّة، المستهدفة من قبل الاتراك.
وخاصّة، بعد تقديم العرب كواكب الشهداء على أعواد مشانق جمال بشا السفّاح!.
هذه المجازر بحقّ النخب العربيّة، لم يعتذر عنها الاتراك حتّى الآن!.
ولا العرب يطالبوننهم بالاعتذار!!.
ونتيجة استعانة العرب بالانكليز ضدّ السلطنة، تشكّلت عبارات ومقولات تركيّة، تحوّلت إلى حِكم متدوالة حتّى الآن في الموروث الشعبي التركي.
وعلى سبيل المثال، لا الحصر: “عرب خاين ملّلت”..
تعني، العرب، الشعب الخائن.
“عرب جرب”، “لا أريد سكّر الشّام، ولا أحبّ رؤية وجه العرب”!.
وبعد تشكلّ الوعي القومي العربي، في مطالع العشرينات، بدأت نزعة التهافت تطغى على مسلكه، لجهة استلهام التجارب الغربيّة، اليساريّة منها واليمينيّة.
فانجرف قسم نحو الكتلة الشرقيّة، والاتحاد السوفياتي السابق، والتغنّي بمحاسن ومفاتن التجربة الاشتراكيّة، لدرجة الدوغما العمياء.
ووصل الأمر في فترة الستينات والسبعينات لدرجة، إذا كانت تمطر في موسكو، كان شيوعيو دمشق وبيروت وبغداد والقاهرة…، يحملون المظلاّت “الشماسي”!.
والمفارقة الكبرى تكمن في ان الشيوعيين والماركسيين الأوروبيين بدأوا محاولة مراجعة الذات ونقدها، ونقد الستالينيّة منذ منتصف الثلاثينات وحتّى منتصف الخمسينات، إلاّ أن اليساريين والشيوعيين العرب، كانوا منبهرين ومفتونين بالستالينيّة والتجريّة السوفياتيّة حدّ العبادة.
وكأنّهم _ أيّ اليساريين العرب _ تخلّوا عن الإسلام والمسيحيّة، واعتنقوا الماركسيّة ديناً!.
كما انجرف قسم آخر من المثقفين العرب الى العمل على بلورة ايديولوجيّة قوميّة عربيّة، تعاطت مع قضيّة الأقليّات في العالم العربي، بممارسات تتماهى في تطبيقاتها العمليّة مع ما كانت تفعله جماعة “الاتحاد والترقّي” بحقّ العرب والشعوب الاخرى من رعايا السلطنة العثمانيّة!.
فتشكّل نوع من الشذوذ القومي، العصبوي، الذي لا يمتّ بأيّة آصرة، بجوهر القيم والاخلاق العربيّة، ومكنونها الحضاري، ومخزونها التاريخي الأصيل.
وعليه، لم تُعلِ التيارات القوميّة العربيّة، بنسختيها البعثيّة والناصريّة، من شأن الأمّة العربيّة، بل لوثَّتها وقوَّضتها، وسارعت من انزلاقها نحو الحضيض والغيبوبة الحضاريّة، أو ما يمكن تسميه بالقطيعة مع العصر، استكمالاً لما بدأه العثمانيون، وواصله الاستعمار الفرنسي والبريطاني بحقّ الشعوب العربيّة!.
وبانيهار المشروع العلماني العربي، بنسختيه القوميّة واليساريّة، بدأ التهافت على الغرب مجدداً، من جهة، والتهافت على التيارات الإسلاميّة الراديكاليّة من جهة أخرى، كملاذ، ربما ينتشل الواقع العربي مما فيه!.
وفشلت تجارب الإسلام السياسي، في صيغها العنفيَّة والسلميّة في الوصول للسلطة، لأسباب، لسنا بصددها في هذا المقال.
لكن، نزعة الهتافت، بقيت محافظة على جذروتها.
فتارةً، تنجرف نحو التهليل والتطبيل للمشروع الخمينوي، وما يسمّى بـ”الثورة الإسلاميّة”، وبل تعاضد إيران في مسعاها لامتلاك سلاح نووي، وتعتبره سلاحاً لها، ولن يُستخدَم ضدّها.
وتارةُ تتهافت على اللبيراليّة الغربيّة وقيمها!.
والآن، تشهد الساحة السياسيّة والفكريّة والاعلاميّة حالة من التهافت المريع على التجربة التركيّة، حدّ الافتتان والاندهاش والانجذاب والغرام والعشق والهيام والغيبوبة!.
إذ لا يكاد يمرّ يوم، وإلاّ ترى تقارير تلفزيونيّة عديدة على قنوات التلفزة العربيّة، دأبها الترويج والتسويق للأنموج التركيّ، إلى جانب العديد من المقالات اليوميّة في الصحافة العربيّة التي تمجّد أردوغان وحزبه!.
كل ذلك، في مسعى “نمذجة تركيا” في العالم العربي والإسلامي، على حدّ تعبير الكاتب والباحث الكردي، الدكتور آزاد علي.
وإلى ذلك، ما كتبه فهمي هويدي، تحت عنوان “الصعود التركي ليس معجزة”، ونشر هذا المقال في صحيفتي “السفير” اللبنانيّة و”الخليج” الإماراتيّة في آن، يوم 15/12/2009.
والحقّ أن هويدي، مراراً، ما يسعى إلى تسويق والترويج للأنموذج التركي، في شخص أردوغان وحزبه.
والقارئ لمقال هويدي السالف الذكر، وارتكازاً على منسوب التسويق الذي يمارسه الكاتب لأردوغان وحزبه، وكأنَّه يريد ان يقدِّم لنا زعيم حزب العدالة والتنمية، على أنّه الخليفة الراشد عمر بن خطاب، على حدّ تعبير الزميل حسين جمّو!.
والحقّ، ألاّ أردوغان بعمر بن خطّاب، ولا فترة حكمه في تركيا، تشبه الخلافة الراشدة في التاريخ الإسلامي!، لأسباب كثيرة جدّاً، سآتي على ذكر بعضها.
لكن، ما يلفت الانتباه، أن المثقفين العرب، حين يكتبون عن تركيا واحوالها، لا تخلوا مقالاتهم من عبارات المدح الذاتي لأنفسهم، من قبيل: “جلست مع المسؤول الفلاني، قبل ان يصبح مسؤولاً”.
و”زرت المركز الفلاني”!.
و”تحدّثت مع الكاتب الفلاني”!.
و”تناولت الفطور أو الغداء أو العشاء مع المسؤول الفلاني في المكان الفلاني”…الخ!.
لفت انتباهي، أن مقالات الكتّاب العرب عن الشأن التركي، مع استثناءات قليلة جدّاً، تبدوا وكأنّها تنتمي لأدب الرحلات!.
حيث يكثرون في هذه المقالات من انطباعات السائح، غير الغائصة في العمق.
وكأنَّ مقلاتهم هي تحقيقات صحقيّة، وليس مقالات رأي! وعليه، شدّة الافتتان بتركيا، وحزب العدالة والتنمية، تنسي الكاتب العربي عيوب ومثالب وأخطاء واطماع هذا الحزب وزعيمه!.
“إن ما تحقق في الداخل من نجاحات كان الأسس الذي انطلقت عنه واتكأت عليه الإنجازات المتلاحقة التي تحققت في الخارج”.
بهذه العبارة، يخلّص هويدي تفسيره للتجربة التركيّة، في مقاله السالف.
وللتأكيد عى فكرته، استجمع هويدي الكثير من الاحصائيّات والأرقام، حول أداء حكومة حزب العدالة والتنميّة والبلديّات التي يسيطر عليها، وبذل مجهوداً كبيراً في هذا السياق.
ولكنّ، يا ليته لو كشف عن أرقام أخرى، تدلّ على أنّ عدد العطالين عن العمل تجاوز 2 مليون شخص!.
وإنّ هنالك محاولة إخفاء تبعات الأزمة الاقتصاديّة العالميّة على وضع الاقتصادي التركي!.
ويا حبذا لو عرّج هويدي على منظّمات حقوق الانسان التركيّة، ليرى أرقام الذين تعرّضوا للتعذيب في السجون والمعتقلات.
وعدد المدنيين والنساء والاطفال الأكراد الذين قتلوا على أيدي الجيش وقوى الامن التركي، خلال فترة حزب العدالة والتنمية، وزعيم الحزب يتباكى على اطفال غزّة، واطفال الأكراد يقتلون امام عينيه!.
وحسب آخر تقرير لمنظمة حقوق الإنسان التركيّة، إن عدد الاطفال الذين تمّ محاكمتهم وسجنهم بتهم سياسية منذ مجيء أردوغان للسلطة، تجاوز 3 آلاف طفل كردي!.
ومن شهر آذار الماضي، تمّ اعتقال اكثر من 800 من قيادات وكوادر حزب المجتمع الديمقراطي الكردي المنحلّ.
ومنذ شهر آذار قُتِلَ أكثر من 80 من مقاتلي حزب العمال الكردستاني، والكثير من الجنود الاتراك!.
وتمّ حظر حزب المجتمع الدبمقراطي الكردي بقرار من المحكمة الدستوريّة التركيّة يوم 11/12/2009، على علم ودراية وامر من اردوغان نفسه!.
لن ينخدع الرأي العام الكرديّ بتصريحات أردوغان “المنددة” بقر الحظر!.
وعليه، أيّ تحسّن داخلي يتحدّث عنه هويدي!؟.
لا يكفي النظر من بعيد الى تركيا.
المرور بها، مرور السائح، لا يكفي لإعطاء تقييم حقيقي موضوعي وعلمي لواقع الحال الداخليّة في تركيا.
ينبغي الغوص عميقاً في تفاصيل المشهد الداخلي، في مسعى فهم حيثياته وتفاعلاته ومكابداته!.
ما كتبه هويدي عن امجاد وفتوح اردوغان، لا تختلف كثيراً عمّا كان ولا زال يُدبّج في محاسن ومفاتن حكم صدّام حسين، وحافظ الاسد، ومعمّر القذافي وأحمدي نجاد…، وكأنّ ما حققوه لشعوب بلدانهم من مدارس ومستوصفات وشوارع وجسور وأنفاق وخدمات هي هبة ومنّة ومنحة، تكرّمَ بها الزعيم على شعبه، وليست واجبات يميليها عليهم الالتزام بخدمة الوطن والمواطنين!.
يحيلني مقال هويدي، ومن وافقه الشنّ في التطبيل والتهليل لاردوغان الى جملة مأثروة قالها نيلسون مانديلا، حين رفض جائزة اتاتورك التي منحتها تركيا له في مطلع التسعينات، إذ قال: “من أراد منكم معرفة حقيقة تركيا، فليكن كرديَّاً، ولو لنصف ساعة”!.
وعليه، الواقع الداخلي، لا زال شديد الالتهاب، ومثخن بالجراح الغائرة، وأردوغان متورّط فيها، من أخمص قدميه حتّى أرنبتي أذنيه.
ومسألة انفتاحه على الاكراد، صارت كذبة ممجوجة، صدّقها الاكراد، وصقّف لها بعض المثقفين العرب!.
هذه الكذبة، سقطت في اوّل امتحان جدّي وحقيقي وعملي، كشف زيف مزاعم اردوغان.
وهي حظر حزب المجتمع الديمقراطي الكردي DTP بقرار من المحكمة الدستوريّة العليا في تركيا، يوم 11/12/2009.
ولن تفيد مساعي غسل اردوغان من هذه اللطخة، وتبرئة ذمّته منها.
لقد أخذ أردوغان الضوء الاخضر من واشنطن، في لقائه الاخير مع أوباما كي يحظر الحزب الكردي.
ويمكن القول: ان انفتاح اردوغان على اكراد العراق هو مطلب اميركي، حققه اردوغان، وقبض ثمنه من كيس اكراد تركيا.
يعني، وافقت واشنطن في اطلاق يد أردوغان والعسكر في الملفّ الكردي التركي، شريطة أن تنفتح أنقرة على اكراد العراق.
بالاضافة الى تنازلات أخرى قدّمها أردوغان لاوباما، إن في العراق او افغانستان!.
الانجاز الاهم والابرز الذي حققه اردوغان في العالم العربي، هو حصوله على كتلة كبيرة من الكتّاب والصحفيين العرب الذين يمدحونه، قياماً وقعوداً، ويزيدون من تسليس الاختراق العثماني الجديد للعالم العربي!.
ولا احد من هؤلاء الكتّاب، يتساءل: لماذا ولد حزب العدالة والتنمية بعد احداث 11 ايلول سنة 2001، بأقلّ من سنة؟!.
وكيف اكتسح هذا الحزب المنقلب على زعيمه اربكان، شيخ الاسلام السياسي في تركيا، فور ولادته، للانتخابات البرلمانيّة في تركيا، قبل أن يرى الناس إنجازاته؟!.
ولماذا لا يفكّر العرب، ولو مجرّد تفكير، أن العدالة والتنمية، طبخة أمريكيّة، اختارت لها واشنطن مطلبخ تركي، استناداً على معطيات كثيرة، منها دور تركيا في التاريخ والحضارة الاسلامية، كي تكون هذه الطبخة أنموذج مناهض لما طبخته في مطبخها الافغاني من حركات راديكاليّة، انقلبت على واشنطن؟!.
يعني، مثلما كانت واشنطن وراء كل الانقلابات في تركيا، ومثلما كان للهيود، والحركة الماسونيّة والصهيونيّة، الدور العميق والبارز في تركيا، منذ السلطنة وحتّى يومنا، لماذا نستبعد بصمات تل أبيب وواشنطن على ميلاد العدالة والتنمية وتغلغله الهريب في الجسد العربي والإسلامي؟!.
كيف للعرب أن يصدِّقوا كلام أردوغان عن اطفال غزّة في دافوس، والطيران الإسرائيلي الذي قصفهم كان يتدرّب في سماء مدينة قونية التركيّة!.
واعتقد أن حملات التراشق بالتصريحات بين انقرة وتل ابيب مؤخّراً، هي لزيادة منسوب التغلغل التركي في الجسم العربي المنهك، وإقناع العرب إن اردوغان جاد في دفاعه عن قضايا العرب!.
وكي يصدّقوا أقواله، ويتعامون عن افعاله!.
لماذا يتهافت الوعي العربي على الاقوال لا الافعال؟!.
لماذا لا يفسّر المثّقف العربي أن رفض أنقرة لمشاركة تل أبيب في مناورات “نسر الاناضول”، لم يكن تضامناً مع الفلسطينيين، بقدر ما ان الحدث متزامن مع التوقيع على الاتفاقيّة الاستراتيجيّة بين سورية وتركيا؟!.
أوليس من الغباء ان توافق تركيا على مشاركة اسرائيل في تلك المناورات وهي توقّع على اتفاقيّة استراتيجيّة مع سورية؟!.
وفي حفل التوقيع تلك الاتقافيّة، غمس وزير الخارجيّة التركي احمد داوود اوغلو، في كلمه، مفردات من قاموس القوميين العرب، إذ قال: “هذه الحدود مصطنعة.
ونحن نريد إزالتها”.
ولم يسأل مثقف عربي واحد، هذا “العثماني الجديد”: ماذا تقصد من إزالة الحدود؟ هل تريد ضمّ سورية إلى تركيا، ام العكس؟!.
مما لا شكّ فيه، أن فريق “الاتحاديين الجدد”، يعرفون كيف وماذا تحبّ الاذن العربيّة سماعه!.
يكفي تصريح واحد من اردوغان ان يلهب الشارع العربي، بنخبه وعجره وبجره!.
وحين يُظهر محاسن حزب العدالة والتنمية للعرب، ويعتبرها تجربة ناجزة، هل يعرف هويدي شيء عن القروض الممنوحة لصهر اردوغان، كي يشتري جريدة “الصباح” وقناة تلفزيونيّة تركيّة؟.
هل يعرف شيء عن الفساد في العدالة والتنمية، وحادثة وقف “دنيز فانري”، التي قاتل اردوغان، كي يغطّي عليها؟!.
لماذا لا يتساءل: أين ذهبت وعود اردوغان بصرف 13 مليار دولار في مشاريع التنمية جنوب شرق تركيا، حيث الغالبيّة الكرديّة؟!.
هل يعرف هويدي ان العدالة والتنمية هو خليط من القوميين والإسلاميين الاتراك، والاكراد المتبرِّئين من هويّتهم؟!.
لماذا لا يتساءل هويدي: إلى أين وصلت قضيّة مقتل الكاتب الارمني هرانت دينك؟!.
لماذا لا تطالب حكومة اردوغان، ان يشمل محاكمة شبكة أرغاناكون، الجرائم التي اقترفتها هذه العصابة بحق الاكراد؟.
فبحسب أحد الفارّين من هذه المنظمة الارهابيّة، ويدعى تونجاي غوناي، ويقيم الآن في كندا، انهم قتلوا اكثر من 17 الف مدني كردي، منذ 1991 ولغاية 2007؟!.
الكاتب العزيز فهمي هويدي، وفي مسعى إحالة ما حققته حكومة العدالة والتنمية، لخلفيّته الإسلاميّة، وتفنيد جدوى النظام العلماني، نجده يقول: “أن أكثر النظم العلمانية في العالم العربي هي أقلها ديمقراطية…”!.
لماذا لا ينظر هويدي إلى جدوى النظام العلماني، والعمق الديمقراطي فيه، إلاّ من خلال التجارب العربيّة الفاشلة؟!، ولا يتناول العلمانيّة الناجحة، خارج إطار العالم العربي؟!.
ولعلّ ما كتبه الأستاذ محمد نور الدين في “الخليج”، في نفس اليوم، 15/12/2009، تحت عنوان: “تركيا والمأزق الكردي المستدام”، يعطي إجابة كافية لهويدي، ان صفر من المشاكل مع دول الجوار، ينبغي ان يسبقه صفر في المشاكل في الداخل.
فمن لا يتصالح مع أهل بيته، بشكل جادّ وحقيقي وصميمي، دون لفّ أو دوران او تحايل او تخاذل، بشكل عملي ودستوري وجذري، لا يمكن ان يتصالح مع الآخرين.
وربما الأجدى القول: إنَّ العرب، والقوميين منهم، يحنّون إلى المناخ العثماني، حين ينظرون الى واقع نظمهم وبلدانهم.
وإذا استنجد العرب بالغرب، للخلاص من العثمانيين القدامى، وحصل ما حصل، ودفعوا ضريبة ذلك الخلاص.
فبمن سيستنجدون إذا ظهرت بطانة العثمانيين أو الاتحاديين الجدد؟!.
وما هي حجم الضرائب التي سيدفعونها للمخلِّص الجديد، هذه المرّة؟.
كاتب كردي سوري
Shengo76@hotmail.com