ما جدوى رفع سقف الأهداف في ظل تأزم الحركة الكردية؟

رودوست برزنجي

مما لا شكّ فيه أنّ الكرد شعبٌ عريق، وتاريخه متوغلٌ في القدم، وأنّ كردستان (وطن الكرد) قد قسّم عبر التاريخ، وفق اتفاقيات دولية، وألحقت أجزاؤه الأربعة بدولٍ أربع، وأنّ من حقّ الكرد أن يكون لهم دولتهم أسوة بباقي دول المنطقة؛ لكن المفترض شيْ والواقع شيء آخر.

معظم الأحزاب الكردية في سوريا تطرح في مقدمة برامجها السياسية هذه الرؤية؛ لكنّ أهدافها المرحلية تأتي في إطار الاعتراف الدستوري بالكرد في سوريا كقومية لها خصوصياتها؛ ورفع الظلم عن كاهل الشعب الكردي، والحريات الديمقراطية، وحقوق الكرد الوطنية ضمن إطار وحدة البلاد.
وقد سبق أن طرح الحزب الديمقراطي الكردي في سوريا في بداية تأسيسه؛ شعار تحرير وتوحيد كردستان ، الأمر الذي كان له الأثر السلبي الكبير، في واقع الكرد في سوريا بعد ذلك.

 
كما طرح حزب الاتحاد الشعبي بقيادة الأستاذ صلاح بدر الدين ، شعار حق تقرير المصير للشعب الكردي في سوريا، وطرح حزب يكيتي منذ فترة ، شعار الحكم الذاتي للشعب الكردي في سوريا.
 والسؤال الذي يطرح نفسه :
 أي الأهداف هي الأقرب إلى واقع الشعب الكردي ، والمرحلة السياسية التي تمر بها سوريا ، وواقع الحركة الكردية.؟
إنّ المتتبع لواقع الكرد في سوريا، وواقع الحركة الكردية بأحزابها المشتتة ، يدرك أنّ الحركة غير مهيأة الآن للقيام بأي دور فاعل على الساحة السياسية الكردية في سوريا؛ فالأحزاب الكردية التي زاد عددها على ستة عشر حزباً ، منها  أحزاب صغيرة جداً لا يتجاوز عدد الأفراد المنضوين تحت مظلتها العشرات.
كما أن الحركة الكردية في سوريا لم تستطع حتى الآن، الاستحواذ على ثقة جماهيرها بها ، نظراً لضعفها وتشرذمها، بالإضافة إلى الواقع السياسي في سوريا، والذي يتمثل بوجود الشريك العربي الذي تغذّى على الفكر القومي ، فنام واستفاق على الحلم العربي الذي لم يتحقق ، وتثقف بثقافة حزب البعث العربي الاشتراكي لأكثر من خمسين عاماً؛ والذي رفع شعار الأمة العربية الواحدة ذات الرسالة الخالدة، والخطأ الكبير الذي وقعت فيه الأحزاب الكردية في عدم التواصل مع الشارع العربي السوري؛ وإقناعه بعدالة القضية الكردية.
فبقيت القضية الكردية أسيرة المناطق الكردية، وأضحت قضيةً تخصّ الكرد فقط دون العرب.
ولكن وكما يقول المثل: أن تصل متأخراً خيرٌ من أن لا تصل
 فقد خرجت القضية الكردية خلال السنوات القليلة الماضية من قمقمها، بفعل الأحداث المؤلمة التي حدثت في القامشلي عام 2004 ، وبفضل جهد الأحزاب الكردية، التي أدركت حقيقة أن حل القضية الكردية يكون في دمشق، وليس في القامشلي أو هولير ، فتبنى إعلان دمشق القضية الكردية كقضية وطنية، وإنّ أي تغيير في سوريا سيبقى مبتوراً دون حل تلك القضية.
في إعلان دمشق والذي هو نموذج صغير للمجتمع السوري، على اختلاف ألوانه (الكردي- العربي – الآشوري-  المسلم- المسيحي- القومي- المعتدل ……) يكون من الصعوبة بمكان، أن تجعل الجميع يفكرون كما تفكر، ويؤمنون بما تؤمن، ويتقبلون ما تراه أنت أنه أبسط حقوقك، فلا بدّ أن تكون قادراً وبحسب الظروف السياسية الراهنة ، وضمن إمكانياتك ، ودون الانسياق وراء العاطفة والمصالح الضيقة ، على السعي وراء الممكن وليس وراء ما يجب أن يكون
إنّ شعار حل القضية الكردية في سوريا حلاً ديمقراطياً عادلا، والذي تبناه إعلان دمشق، ووافقت عليه الأحزاب الكردية المشاركة فيه ، و رفضته بعض الأحزاب الكردية الأخرى، كان شعاراً واقعياً اقتضاه واقع الحال السوري بتنويعاته كما أسلفنا سابقاً
ولو طرحه النظام فإنني أعتقد جازماً، أنّ كلّ الأحزاب وبدون استثناء كانت سترحب به وتقبله.
إنّ رفع وتيرة النضال لا يكمن أبداً برفع سقف الأهداف، ولكن بتطوير الذات، وزيادة الإمكانات، وتوسيع القاعدة الجماهيرية ، والاستحواذ على ثقة الجماهير، ووقوفها إلى جانبك،  بالإضافة إلى وجود الظرف السياسي الملائم .
قرأت منذ أيام البيان الذي أصدره حزب يكيتي (الكردستاني) منظمة أوربا، والذي يؤكد أن الحزب ملتزم بالقرارات التي صدرت عن المؤتمر السادس، في تغيير اسم الحزب من كردي إلى كردستاني، وتبني شعار الحكم الذاتي في كردستان سوريا.
وبرأيي، فإنّ هذه التغييرات ليس لها مبرراتها، فلا شيء قد تبدل في واقع الحزب منذ مؤتمره الخامس، بل أن الحزب أصيب بانتكاسات تنظيمية عديدة ، بالإضافة لكونه أحد أحزاب الحركة الكردية المتفرقة ، كما أنه لا يملك حجماً أو مدّاً جماهيرياً واسعاً يبرر له رفع سقف أهدافه.
أعتقد أنّ حزب يكيتي لم يكن موفقاً في طرحه هذا ، وكان الأجدر به في هذه المرحلة ومن خلال مؤتمره، التركيز على مواطن الخلل التنظيمي، ومحاولة إصلاح أخطاء المرحلة الماضية ، وإعادة منظمة أوربا إلى جسد الحزب، كما كان عليه مناقشة المشاريع المطروحة، والجهود الرامية من أجل رص صفوف الحركة الكردية في سوريا.
إنّ من الخطأ الشديد مقارنة هذا التغيير وهذه القرارات بما حدث مع الأحزاب الكردية في كردستان العراق؛ فالحزبين الرئيسيين هناك، لم يرفعا سقف الأهداف من الحكم الذاتي إلى الفيدرالية، إلا بعد تغير الظروف السياسية على الأرض، وبعد إقناع المعارضة العراقية بمعظم فصائلها بعدالة وأحقية هذا الطرح .
لقد طرح حزب العمال الكردستاني ولفترة طويلة شعار تحرير كردستان، لكنه تراجع عنه أخيراً إلى شعارات تتراوح بين الحقوق السياسية والثقافية، على الرغم  أن الحزب المذكور يمتلك إمكانيات جيدة وتأييداً جماهيريا واسعاً ، لكن وتبعاً للواقع السياسي، أدرك الحزب عدم واقعية الطرح فتراجع عنه.
هناك أمر آخر يستحق منا التوقف حياله، وهو طريقة تفكير الكثيرين من إخوتنا الكرد في أوربا ، فهم ينسون بسرعة كبيرة الواقع السوري، فهناك يرفعون العلم الكردستاني في كل مناسبة،     ويصرحون للإعلام بضرورة تحرير كردستان سوريا، وينتقدون عدم تحرك الشعب السوري ، والغريب في الأمر، أن بعض المنتمين إلى الحركة الكردية في سوريا يشاركونهم في ذلك !
يذكرني هذا الأمر بنكتة سمعتها منذ زمن تقول: في أحد الأيام سافر شاب من القامشلي إلى حلب ، لأمرٍ ما، وبقي في حلب لمدة ساعتين فقط، ثم عاد إلى القامشلي، وفي طريقه لمنزله صادف شقيقه الأصغر، فصفعه على وجهه قائلاً له: (في أي صفٍ دراسيٍ أصبحت الآن)؟
إنهم ربما لا يدركون أنّ رفع العلم السوري، والذي هو علم كل السوريين كرداً وعرباً وآشوريين هو ما يجب أن يكون في كل المناسبات، وإنّ رفع العلم الكردستاني له مدلولاته التي لا تخدم قضيتنا في سوريا، وإننا في سوريا لا نطالب بالانفصال ، ولا نسمي مناطقنا بكردستان الغربية
الكل يجمع في الداخل ، بأنّ حل القضية الكردية في سوريا  يكون ضمن إطار الدولة السورية ، التي يرفرف فوقها العلم السوري ، فلماذا إذاً هذه الأطروحات ، التي لا تنسجم مع واقع الداخل السوري.
لقد أصبح همّ الإنسان في كل العالم ، هو العيش بكرامة وأمن وطمأنينة ، والنظام الديمقراطي (إذا ما تحقق) يضمن لنا في سوريا تلك القيم والحاجات.

يبقى إمكانية حل قضيتنا الكردية في سوريا مرهوناً بالتغيير الديمقراطي السلمي الذي يضمن لنا كامل حقوقنا وبتعاون شركائنا العرب معنا وفي حدود الدولة الوطنية السورية وتحت ظل العلم السوري ومن خلال نظام ديمقراطي يضمن لنا المساواة التامة مع غيرنا مع تقدير خصوصيتنا القومية فنحن أولاً وأخيراً شركاء في هذا الوطن الذي اسمه (سوريا)

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…