معجزات العالم ومصائبنا

حسين عيسو

قرأ الإنسان الأوروبي تاريخ أسلافه بشكل جيد فانتقد أخطاءهم واستخدم عقله ليميَّز بين المصائب التي حلت بهم نتيجتها من جهة والانجازات الحقيقية من جهة أخرى , فتفادى الوقوع في نفس الأخطاء وراكم الانجازات ليبني عليها وبذا وصل الى ما وصل اليه اليوم من حضارة ورقي , فتوحدت دول كانت الى وقت قريب من ألد الأعداء وأصبح الإنسان يتنقل بين حدود الدول الأوربية بشكل أسهل كثيرا من التنقل داخل المحافظة الواحدة عندنا.

أمّا في شرقنا التعيس بعمومه ولأن الموروث يقول “أذكروا محاسن موتاكم” ولأن التاريخ كتبه أو صنعه أناس ماتوا فكله صدق وكله جميل ولا يجوز نقده حتى لا نزعج الأموات في قبورهم وقد أصبحوا رمادا , وبنتيجتها راكمنا المصائب ولم نستفد من الأخطاء القاتلة عبر الأزمان , والسبب هو أننا نفكر بقلوبنا لا بعقولنا.
الانسان الغربي فكر بعقله فصنع المعجزات , ونحن استخدمنا عواطفنا فانتقلنا من مصيبة الى أخرى , وبدلا من تراكم المعارف تراكمت عندنا المطالب كشعب مقهور أكثر من كل شعوب الشرق .

والسبب بالنسبة لنا ككرد مازلنا مستمرين في أخطائنا في الوقت الذي بدأت فيها الكثير من شعوب المنطقة الى نقد تاريخهم كالأتراك مثلاً .
انتقدت إحدى الندوات فتوالت الشتائم والاتهامات علي وما أزعجني ليست تلك الاتهامات لأني أؤمن بالنقد ونقد النقد ولأن العديد من الكتاب قرؤوا تساؤلاتي فكانت ردودهم واقعية وأكثر من كافية , لكن المحزن هو أن الذين اتهموني لم يقرؤوها , فقط أرادوا أو قيل لهم ردوا فكانت الردود , فمتى سنتعلم القراءة وليس ما يقال لنا !.
 منذ أعوام تعرض الكاتب المصري نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال وحين سأل القاضي المتهم عن سبب قيامه بتلك المحاولة أجاب “لأنو بيقولوا انو علماني” وحين سأله عن معنى العلمانية أجاب المتهم “بيقولوا انها كفر ولذلك حاولت قتله” ! أليس من الواجب علينا ككرد استخدام العقل بدل العواطف وردات الفعل , قال لي المطران متى روهم : أنتم ككرد يجب أن تتفاءلوا بالمستقبل , وحين سألته على أي أساس , أجاب : أنكم كشعب هندو أوروبي بدأتم تستخدمون الجزء الأوربي الخلاّق من عقولكم , فهل ما قاله ذلك الرجل كان صحيحا ! .

   
قبل أيام قليلة انتهى مؤتمر حزب “يكيتي الكردي” بقرارات منها قبولهم بالحكم الذاتي في كردستان سوريا , وكقرار صدر عن مؤتمر حزبي , خاصة وأن المؤتمرين أصدروه من داخل الوطن , علينا احترامه كما أن من حقنا انتقاده , وأقول فقط للأخوة المؤتمرين : هل وظيفة أحزابنا هو مراكمة المطالب دون فعل يذكر , ومع أني لا أقبل مقارنة وضعنا بأوضاع الكرد في كل من العراق وتركيا وايران لكني مضطر الى توجيه السؤال الى المؤتمرين متى توصل الزعيم مصطفى البارزاني الى المطالبة بالحكم الذاتي في العراق , وبعد عقدين من القتال توصل الزعيم أوجلان الى المطالبة بالحقوق الثقافية والقومية للكرد في تركيا , فهل وصلتم الى تلك المستويات , كنت أتمنى لو وصلت أحزابنا مجتمعة الى رفع مظلمة واحدة من المظالم التي تراكمت منذ الإحصاء الاستثنائي المشئوم ! .
منذ أعوام ونحن بانتظار “المرجعية” التي لم تصل , وكل اتهم الآخر بالعرقلة , لست في وارد اتهام أحد بالتسبب فيها , ثم المجلس السياسي الذي كان على وشك الولادة , وكما قيل لنا نحن غير الحزبيين , لكن المتأثرين بكل قرار يصدره أي حزب كردي سوري لأنها تمثلنا أيا كان رأينا فيها , قالوا أنها اطار تتحرك داخله جميع الأحزاب المنضوية تحت لوائه خاصة وأن الأحزاب التي وقعت عليه تمثل أغلب الأحزاب الكردية في سوريا , واستبشرنا خيرا بذلك , ونحن بالانتظار واذ بمؤتمر وطني للكرد في إحدى المضافات توقعت بداية أنه مؤتمر لإعلان المجلس السياسي لكن بعد تصفح الموضوع على المواقع الألكترونية تبين أنه مؤتمر وطني آخر غير ما انتظرناه , ومع ذلك قلنا لا يهم فليكن مؤتمران أو ثلاثة المهم أن يعمل الجميع ضمن اطار أو استراتيجيا موحدة , ثم كان مؤتمر يكيتي الذي أعتقد أنه خارج الإطار الذي كان المجلس السياسي سيتبناه كما قيل , والدليل أنه وبعد المؤتمر قرأنا على الانترنت بيانا أصدرته أربعة أحزاب كردية ضد حل حزب التجمع الديمقراطي في تركيا ومع أن الموضوع لا يتعلق بما قرره مؤتمر يكيتي لكن ما أعنيه هو أن بيانا يوقع عليه حزبان من داخل المجلس السياسي مع حزبين من خارجه ليس صدفة ويعني أن شرخا جديدا قد حصل , فأين أصبحنا اليوم ؟.
 اليوم وبعد أن وصلت أغلب أطياف المعارضة الوطنية السورية الى حقيقة أن سوريا كبلد متعدد القوميات والأديان والمذاهب وأن فكرة الدولة المدنية الحديثة دولة الحق والقانون التي لا تتبع أية فئة قومية أو دينية أو أيديولوجية هي الحل الواقعي والمنطقي للخروج من أزماتنا , وفي الوقت الذي ينشر على صفحات جريدة “الموقف الديمقراطي عدد 113 تشرين أول 2009 صفحة 4″ والتي يصدرها ” التجمع الوطني الديمقراطي” مقالات تتكلم عن سوريا كبلد تعددي تقول : (يتميز المجتمع السوري بتنوعه وغناه في انتماء أفراده بالمعنى القومي والديني والمذهبي الا أنه يجري إنكار هذه المكونات نظرا لهيمنة أيديولوجية حزب البعث……فالأكراد مثلا….يعانون من غياب التمثيل السياسي وفرض القيود الصارمة على حياتهم الاجتماعية والثقافية……وجاء المرسوم 49 ليزيد من وضع السوريين الأكراد سوءا……وكان السوريون الأكراد أكثر المتضررين …..).وفي صفحة 9 (توقف التجمع عند ذكرى الإحصاء الاستثنائي في محافظة الحسكة…..ورأى فيها مناسبة للتذكير بمعاناة ضحاياه الذين يقدرون بمئات الآلاف من المواطنين السوريين الأكراد……ومن هنا فان المصلحة الوطنية تقتضي “اعادة الجنسية لمن جرد منها” وحل مشكلة المكتومين الذين تكاثروا نتيجة منع تسجيل واقعات الزواج بين الضحايا وتثبيت الولادات…….), هذا ما جاء في جريدة الموقف الديمقراطي , أمّا حين صدرت قرارت مؤتمر يكيتي وانتقدها الأستاذ حسن عبد العظيم الناطق الرسمي باسم التجمع الوطني الديمقراطي تعرض الرجل الكبير للشتائم خاصة من الكرد المقيمين في البلدان الأوربية تلك البلدان العريقة في النقد ومن أولئك الأخوة الذين فضلوا الحياة أوربا على ما نحن فيه , للأسف شتموا المحامي حسن عبد العظيم دون أن ينتبهوا الى أنه زعيم لحزب قومي عربي , أليس من حقه نقد قرارات حزب قومي كردي , ورغم اختلافنا في الرأي معه لكن يجب أن نتذكر أنه ليس كرديا بل هو قومي عربي , طبعا تختلف رؤيته عما نراه , لكننا شركاء في هذا الوطن وشركاء في المعاناة من الاستبداد , لقد تم في لحظة واحدة نسيان أن الرجل السبعيني في العمر لم يتخلف يوما عن المرافعات أمام المحاكم للدفاع عن كل السوريين ولو أن أولئك الأخوة المقيمون في سويسرا وغيرها من بلدان أوربا الجميلة كانوا بيننا لعرفوا كم مرة عانى الرجل الكبير من السفر بين دمشق وقامشلو وبرفقة عدد من المحامين الوطنيين السوريين ليرافعوا أمام المحكمة العسكرية دفاعا عن محمد موسى سكرتير الحزب اليساري الكردي وغيره ممن يحالون الى تلك المحاكم كردا وعربا وغيرهم , فلو أن أولئك “المثقفين” وقبل كيل الشتائم قرؤوا عن هذا الرجل لما شتموه واكتفوا بما هم فيه من رغد العيش وتركوا “مكة لأهلها فهم أدرى بشعابها” لكن هذه احدى مصائبنا ككرد نعيش بين طرفين :  السلطة وأتباعها من جهة والذين لا يهمهم سوى نشر صورهم بجانب مقالة مهما كان نوعها.
تذكرني هذه المصائب بالأرمن في بداية القرن العشرين , فقد كان هنالك الخورينيون “اتباع خورين عاشقيان في نهاية القرن التاسع عشر والذي عينه السلطان عبد الحميد كاثوليكوسا على الأرمن بعد فصل كنيستهم عن ايتشميازدين ولذلك كان الرجل وأتباعه من المخلصين للسلطان عبد الحميد و”عدالته” الدموية , وفي المقابل كن الطاشناقيون وامتداداتهم في الخارج وتصريحاتهم النارية بما ينالونه من وعود أوربية , وسَّعوا حدود الدولة الأرمينية نتيجة تلك الوعود لتشمل أجزاء كبيرة من كردستان أيضا , وكأنهم قصدوا بذلك معاداة شعب مقهور مثلهم , وكان الرد من قبل الكرد قاسيا , ومن يقرأ أشعار صديق الدملوجي في تلك الأيام يستطيع معرفة ما سببوه من عداء لدى جيرانهم الكرد وحتى فقراء الترك , وبأخطائهم تلك حولوا شركاءهم الى أعداء , وهذا بشهادة المثقفين الأرمن أمثال شاهبازيان وغيره” فلم يتركوا أصدقاء لهم في الجوار , في تلك الفترة وقف المثقفون الأرمن “الحقيقيون” على الحياد ودون صوت خوفا على حياتهم من الخورينيين والسلطان من جهة والطاشناقيين  من جهة أخرى , ولم ينتبهوا الى أن الخوف من ذكر الحقائق هو الذي أدى بهم الى النهاية ليلة 24 نيسان 1915 .فهل هناك مثقفون كرد عندهم الجرأة في قول الحق وهل أن رفع سقف المطالب دون إمكانية تنفيذها هي في مصلحة الكرد والشعب السوري , أم أننا في بازار ومزايدات دون تفكير في العواقب وفي معاناة شعبنا نتيجة تراكم قرارات هي عبارة عن ردّات فعل مصدرها العواطف لا العقول , ألم يكن الأفضل التفكير في رفع المعاناة عن شعبنا وكسب الأصدقاء على ساحة الوطن , لا شتمهم ودفعهم بعيدا أليست هذه القرارات بعيدة عن العقل والواقع الذي تعيشه أحزابنا , أعرف أنني سوف أتعرض للمزيد من الشتائم خاصة من بعض الأخوة المقيمين في أوربا , ولكن نحن من يعاني وليسوا هم , نحن من نلامس كل يوم عذابات الأطفال ومعاناة الآباء الذين يكدون في سبيل تأمين لقمة العيش , أليس رفع سقف المطالب سببا في رفع سقف المظالم بعد خسارة كل قلم صديق , سؤال يبقى  برسم المثقفبن الكرد السوريين .
الحسكة في 18-12-2009
Hussein.isso@gmail.com  

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…