مذكرة الدفاع للمناضل المعتقل مصطفى جمعة: (سكرتير حزب الاتحاد الشعبي الكردي سابقاً) وعضو اللجنة السياسية لحزب آزادي حالياً, والقائم بأعمال السكرتير.

مقام محكمة الجنايات الثانية – دمشق – الموقّرة
من مقدّمه : مصطفى بكر بن جمعة والدته حورة؛ تولّد 1949 ؛ الموقوف في سجن عدرا المركزي..
سيدي القاضي..:
1 – في الاتهامات الموجّهة لي :
بداية أشير إلى أنّ المواد التي نحاكم بموجبها وخاصةً المادتان 285 – 298 هي مواد لا تنطبق على وضعنا البتة وذلك للأسباب التالية :

آ – هاتان المادتان من قانون العقوبات العام ترتبطان بزمن الحرب ومفاعيلهما كذلك, وحيث أنّ الدستور السوري المؤقّت لعام 1973 نصّ على أنّ حالة الحرب يشترط أن يعلنها رئيس الجمهورية في وسائل الإعلام, وذلك طبقاً لنص المادتين ( 100 – 101 ) من الدستور؛ الأمر الذي لم يحصل مما يجعل التكييف القانوني لحالة الحرب غير قائمة, ولا يجوز بالتالي اتهامنا بمفاعيل المادتين السابقتين على أساس حالة الحرب.
ب – يصبح التكييف القانوني لمفاعيل المادتين السابقتين بحقّنا واتهامنا بهما غير دستوري, وباطلاً حكماً.
جـ – كلنا نعلم أنّ القرار السياسي للدولة هو السلام, وهو الذي يأتي عبر المفاوضات, وقد جرى هذا الأمر سابقاً طبقاً لمبدأ” الأرض مقابل السلام” وجرى أيضاً قبل سنة بشكل غير مباشر عبر الوسيط التركي في تركيا بين دولتنا وإسرائيل؛ مما يفسّر ذلك أنّ اتهامنا على خلفية حالة الحرب غير صحيح وغير قانوني وغير دستوري.
د – وحيث أنّ مواد الدستور في باب الحريات من المادة “29 – 38 ” هي لصالح الحريات العامة, وتنصّ على أنّه” لا يجوز تحرّي أحداً أو توقيفه إلاّ بعد صدور قرار قضائي مبرم” وهو أمر لم يحصل ويحول دون اعتقالي ومحاكمتي المسبقة؛ فإن ما جرى من اعتقال وتوقيف بالنسبة لي يخالف مواد الدستور وغير مبرر أيضاً لعدم قيامي بأي جرم.
هـ – وبناء عليه وحيث أنّني لا أنتمي إلى جمعية سرية تهدف إلى ” إضعاف الشعور القومي , إيقاظ النعرات الطائفية والعنصرية وإثارة الفتنة وإثارة الحرب الأهلية وتغيير كيان الدولة وأوضاع المجتمع الأساسية عن طريق الأعمال الإرهابية ” بل أعمل في حزبٍ سياسي معلن ومعروف لدى السلطات السياسية والأمنية, واشغل فيه موقع نائب سكرتير الحزب, وننتهج سياسة وطنية لا غبار عليها في الالتزام بمصالح شعبنا والوحدة الوطنية, ولم نقم بأي عملٍ تخريبي أو إساءة إلى المصالح العليا لبلدنا أو إثارة القلاقل أو الفوضى أو الفتنة أو ممارسة الإرهاب؛ حيث ينطلق حزبنا – حزب آزادي الكردي في سوريا – من مبادئه الوطنية البناءة والأصيلة في التآخي والأخوة والتآلف بعيداً عن العنصرية وإثارة النعرات بين مكونات الشعب السوري, وهو معروف بنهجه الديمقراطي السلمي, وبتعاطفه السياسي الواضح مع معظم القوى والأحزاب السياسية في البلد, من أحزاب ” الجبهة الوطنية التقدمية” أو من خارجها؛ لذا فإنّ التهمة الموجّهة لي لا سند دستوري لها لسلمية وديمقراطية نهج حزبنا كما أسلفت, وهي بالتالي تهمة كيدية ساقتها جهة أمنية ( الأمن العسكري ) بررت بها اعتقالنا وحجز حريتنا, ومن ثمّ إحالتنا إلى النيابة العامة في دمشق والتي أوقفتنا وأودعتنا سجن عدرا المركزي.
2 – في طريقة اعتقالي : دعيت إلى فرع الأمن العسكري في دمشق رقم 235 ( فرع فلسطين ) وأتيت  من حلب تلقائياً بتاريخ 8/1/2009 وحققوا معي, وعلمت وقتها بأنّ هناك ادعاء بأنّي سلّمت كميةً من جرائد حزبنا لزميلي سعدون, فنفيت ذلك, وأنّه لم يحصل ذلك أبداً رغم أنّي أتحمّل كامل مسؤوليتي السياسية عن الحزب والجريدة, وخلال يومين من التحقيقات تركوني لسبيلي؛ إلا أنهم أوقفوني في اليوم الثالث بالرغم من عدم ثبات مسؤوليتي في تسليم زميلي سعدون الجرائد, وأثناء توقيفي في الفرع لمدّة شهر كامل وعدّة استجوابات؛ تمّ عمل ضبط نظامي رسمي بتاريخ 29/1/2009 ووقعت عليه؛ أريد هنا تنوير المحكمة الكريمة بأنّ هذا الضبط لا يتضمّن أي بند عن الجريدة وعن تسليمي لها لسعدون؛ علماً أنّها هي سبب استدعائي للفرع 235 وسبب توقيفي هناك, وأتمنّى على المحكمة أن تطلب نسخة عن هذا الضبط لأنّها تبرئني تماماً وتظهر مدى الكيدية والانتقائية والمزاجية في اعتقالي, وأشير هنا إلى أنّ توقيفي في ذات الفرع إن كان بسبب اعترافي بحزبيتي فقط؛ فإنّ هذا الأمر لا يستوجب كل هذه الفترة الطويلة في السجن؛ خاصّة وأنني كمسؤول أوّل في الحزب, ومعرف لدى الجهات السياسية والأمنية, وغالباً ما نستدعى كباقي المسؤولين في الأحزاب الكردية الأخرى بهذه الصفة  للنقاش ثمّ نعود إلى بيوتنا كوننا لسنا أحزاباً محظورين, وذلك لغياب قانون للأحزاب في سوريا ينظّم الحياة السياسية في البلد.
3– في حيثيات محاكمتي : أعتبر أنّ محاكمتي هي محاكمة سياسية تستند إلى خلفية سياسية وترتبط بموقف حزبنا وتوجّهاته ومطالباته ونضاله من أجل القضية الكردية وقضايا حقوق الإنسان والديمقراطية والحريات العامة؛ حيث يبدو أنّ هذا الأمر يزعج الجهات المسؤولة فتوعز باعتقالنا أمنياً, ولهذا فإنّ اعتقالي لم يحصل نتيجة لإصدار مذكّرة من النيابة العامة بحقي قبل توقيفي في الفرع235 هذا أولاً, وثانياً جاء اعتقالي لدى هذا الفرع  لنفس الخلفية السياسية, ومن ثمّ تمّ تحويلي وزملائي إلى النيابة العامة مع مذكّرة من الفرع تتضمّن نفس الاتهامات المساقة بحقّنا والتي نحاكم بموجبها الآن, وهي اتهامات قاسية لتبرير الاعتقال والمحاكمة ليس إلاّ.
إنّ حزب آزادي الكردي في سوريا؛ حزب وطني ديمقراطي بمنهجية عمل سلمي وعلاقات سياسية علنية وواضحة مع القوى والأحزاب الأخرى العربية منها والكردية على السواء, ومعروف لدى هذه الأحزاب بواقعية طرحه السياسي وموضوعية في الدعوة إلى حل مسائل الوضع الداخلي, وحل قضية الشعب الكردي في سوريا حلاً ديمقراطياً عادلاً وسلمياً بعيداً عن التطرّف والعبثية وإثارة النعرات الطائفية.
إنّ قضية الشعب الكردي في سوريا تكتسب أهمية فائقة في هذه المرحلة, وحلّها تصبح ضرورة واقعية انسجاماً مع مقتضيات الشراكة الواسعة مع الاتحاد الأوربي والتي تجري التحضيرات للتوقيع عليها لاحقاً, وكذلك مع مستوى التطورات السياسية والتقدّم البشري, ووفق التوجهات السياسية التي تقدمها دولتنا عبر وسائل الإعلام والآراء السياسية, وعلاقاتها مع الخارج بالنسبة إلى قضايا الشعوب الأخرى, والمشاكل الدولية, ومسائل حقوق الإنسان في العالم, وهي الموقعة على كافة المواثيق والعهود الدولية؛ فحريٌ بها أن تباشر بحلّ هذه القضية داخلياً أولاً؛ بدأًً بالاعتراف الدستوري بوجود الشعب الكردي في سوريا كقومية ثانية في البلاد, وفتح حوار حضاري مع قادة الحركة الكردية وصولاً إلى حلّها حلاً ديمقراطياً يعزّز التعايش والتآخي والوحدة الوطنية.
ليس من شكٍّ أنّ مستقبل بلدنا وتطوّره وتقدّمه واستقراره أمرٌ يرتبط بجهود كافة أبنائه, ولنا جميعاً مصلحة أكيدة في العيش المشترك والحياة الكريمة؛ إلاّ أنّ سوريا لها خصوصية التنوّع الثقافي والتعدّدية القومية؛ حيث تقتضي تلك الحالة الاعتراف بهذه التعدّدية, وبمكونات الشعب السوري من الكرد والأقليات الأخرى أيضاً, وإشراكها في السلطة وفي العملية السياسية, ولكن الذي يحصل هو عكس ذلك تماماً؛ فمنذ عقود تنتهج سياسة شوفينية حيال الوضع الكردي, وتتجلّى صورها في استثنائية القوانين والإجراءات والتعاميم التي تطبّق في المناطق الكردية, ويحدث التمييز والظلم والإجحاف بحق أبناء الشعب الكردي, وفي هذا السياق سأورد بعضاً من هذه الحالات التي تحوّلت مع مرور الزمن إلى مآسٍ حقيقية :
1 – في عام 1962 أجري إحصاء استثنائي في محافظة الجزيرة – صفة الاستثنائية هنا تفسيرٌ لموقف سياسي مسبق من جانب السلطة – جرّد بموجبه عشرات الآلاف من العوائل الكردية من حق الجنسية السورية, والتي كان الكرد يتمتّعون بها, ويمكن لأي منا أن يتصوّر مدى الحيف والمعاناة التي لحقت بالمجردين وحياتهم القانونية والاجتماعية والاقتصادية.
2 – تمّ نقل الآلاف من الأخوة المواطنين العرب من محافظتي حلب والرقّة عام 1973, و اسكنوا في المناطق الكردية في الجزيرة على طول الحدود التركية- السورية وحتّى العراقية من خطّة تهدف إلى تغيير الطابع الديمغرافي لهذه المنطقة.
3 – جرى تعريب واسع للمناطق الكردية في محافظات الجزيرة وحلب والرقّة؛ حيث تمّ استبدال أسماء آلاف القرى والبلدات الكردية بأسماء عربية, وذلك أيضاً من ضمن سياسة شوفينية ترمي إلى محو معالم وشواهد مناطقنا الكردية وحضارتنا وتاريخنا وثقافتنا.
4 – صدر بتاريخ العاشر من أيلول 2008 المرسوم 49 الخاص بالعقارات في المناطق الحدودية, ورغم أنّ المرسوم يخص كل الحدود السورية مع جيرانها؛ إلاّ أنّ هذا المرسوم دمّر البنية الاقتصادية والاجتماعية في المناطق الكردية وحدها – حيث في المناطق الحدودية الأخرى يستطيع الناس الحصول على الرخصة الحدودية – فتوقفت كافة عمليات البيع والشراء بسبب عدم إمكانية الحصول على الرخصة الحدودية التي تحتاج إلى موافقة عدّة وزارات وجهات أمنية, وللدلالة على هذه التعقيدات فإنه في محافظة حلب  وحدها هناك الآن أكثر من أربعة آلاف معاملة من بينها ستون معاملة لمعاصر الزيتون في عفرين لم يستطع أصحابها الحصول على الرخصة الحدودية.

أتساءل هنا؛ لماذا امتدت المناطق الحدودية المشمولة بالمرسوم 49 والمرسوم التنفيذي 338 حتّى مسافة خمسين كيلو متراً وأكثر..؟ ألا يشير ذلك أنّ المرسوم في كنهه استهدف الكرد فقط؟؟
لا يخفى على أحد أنّ الشعب الكردي قد عانى طوال السنين الماضية الاضطهاد والظلم, ولا بدّ بعد كلّ هذه المعاناة من إيجاد حل ديمقراطي لقضيته يزيل عنه المعاناة ويوصله إلى التمتّع بحقوقه القومية؛ من سياسية وثقافية واجتماعية في إطار وحدة البلد.
يهمني هنا وفي نهاية دفاعي هذا أن أشير إلى  المقابلتين الصحفيتين اللتين أجرتهما صحيفتا ” نيوز ويك الأمريكية” و” السفير اللبنانية” نهاية آذار الماضي مع السيد رئيس الجمهورية؛ حيث أشار سيادته فيهما إلى الكثير من المحطات الأساسية من بينها أربع مسائل مهمّة جدّاً :
1 – السماح بوجود المعارضة في البرلمان.
2 – إعطاء حريّات أوسع للإعلام والصحافة.
3 – إنشاء مجلس للشيوخ.
 4 – إصدار قانون للأحزاب.
 أي أنّ القيادة السياسية واعية لما يحتاج إليه الوضع من إصلاحات وحريات وأجزاء ديمقراطية, وهي تؤكّد أيضاً وجهة نظرنا ومطالباتنا في هذه المجالات وغيرها …آملين التحقيق.

مع فائق احترامي؛ نزيل سجن عدرا المركزي: مصطفى جمعة بكر

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إبراهيم اليوسف منذ سقوط النظام المجرم في 8 كانون الأول 2024 وتحول السلطة إلى السيد أحمد الشرع، بات السوريون، سواء أكان ذلك في العاصمة دمشق أو المدن الكبرى والصغرى، يتطلعون إلى مرحلة جديدة يتخلصون فيها من الظلم والاستبداد. حيث سنوات طويلة من مكابدات المعذبين في سجون الطاغية الأسد وأبيه كانت كفيلة بتدمير أرواح مئات الآلاف. بعض السجناء أمضوا…

شكري بكر هذا الموضوع مطروح للمناقشة قد يؤدي بنا للوصول إلى إقامة نظام يختلف عما سبقونا من سلاطين وحكام وممالك وما نحن عليه الآن حيث التشتت والإنقسام وتبعثر الجهود الفكرية والسياسية والإقتصادية والعمل نحو إقامة مجتمع خال من كل أشكال الصراع وإلغاء العسكرة أرضا وفضاءا التي تهدر 80% من الإقتصاد العالمي ، إن تغلبنا على هذا التسلح يمكن…

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…