ثم تأتي المواد التالية، فتكمل شروط صون كرامة الفرد، وحقوقه، وتوفير الأمن، ومنع الاسترقاق، أو استعباد أي فرد، وعدم تعرض أي إنسان للتعذيب أو الحط من كرامته…
إن مثل هذه الحقوق التي يتضمنها الإعلان العالمي، نفتقدها – للأسف – في عالمنا العربي، حتى أصبحنا نسمع هنا وهناك بوفاة إنسان ما تحت التعذيب، دون أن تكفل له التشريعات اللازمة باعتباره الشخصية القانونية كما يصرح بذلك الإعلان نفسه، الحماية اللازمة، ليدفع عن نفسه مثل هذا الأذى، ويلجأ إلى القانون لحمايته بالتالي، أو إلى القضاء لينصفه، كما يقر بذلك الإعلان في مواده الثامنة والتاسعة والعاشرة..
إن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان يضمن للفرد الكثير من الحقوق، ويجنبه كثيرا من التعديات والتجاوزات… فالمتهم بريء حتى تثبت انتهاكه لحقوق الآخرين وبالتالي إدانته، والحكم يأتي بعد أن يمثل الفرد أمام قضاء نزيه يوفر له الضمانات للدفاع عن نفسه…
إن الإعلان يجيز للفرد حرية التنقل، ومغادرة بلاده، والبحث عن ملاذ آمن في بلد آخر هربا من الملاحقة والاضطهاد، ومن حقه بالتالي التمتع بجنسية بلد ما، فلا يحق لأية جهة أن تنتزع منه الجنسية تعسفا… كما إن الإعلان يبيح للفرد حق التملك، ويمنع بالتالي تجريده تعسفا من ملكه، فضلا عن هذا وذاك فالإعلان يعطي للفرد حق الانضمام إلى أية جمعية أو تنظيم، أهلي مدني، أو سياسي بمطلق الحرية والرغبة دون قسر أو إرغام..
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، يرى ضرورة إيجاد فرص العمل للفرد بأجر عادل ومجز، وحمايته من البطالة، بغية تأمين نمط من العيش بعيدا عن العوز والفاقة، وتوفير ما يلزم لإتاحة الفرص في التعليم… وقد حذّر البيان في ختام مواده جميع المعنيين بذريعة أي تأويل، من النزوع إلى هدم الحقوق والحريات الواردة في الإعلان…
-2-
إذا ما انطلق واحدنا من الواقع العربي، وهو يستعرض مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، فسوف يجد نفسه، أمام واقع آخر، واقع مغاير، أمام مفارقة كبيرة، بين المبتغى في الإعلان والواقع العربي المعيش، حتى يخيّل لواحدنا أن الإعلان يرصد واقعا مثاليا يبتكره خيال الإنسان لا عقله؛ فما زالت النظم العربية بعيدة عن التعايش مع مبادئ أساسية في حياة البشر والدول، كالحرية والمساواة وإرساء أسس العدالة، لأن الشرط الأول الذي تقتضيه هذه المبادئ هو عدم حصر السلطة في حزب ما مثلا، أو حكرها من قبل جهة واحدة، لكن أنظمتنا العربية- كما قلنا- بعيدة عن هكذا مناخات من الديمقراطية،
فلطالما السلطة الحاكمة هي التي ترعى القوانين، فكثيرا ما تقوم بصياغتها من جديد، وتأويلها وتفسيرها بما يضمن لها التحكم والسيطرة والاستمرارية، وبالتالي نسف تلك الحقوق والمبادئ التي يشهّرها الإعلان…
إن التجاوزات القائمة من قبل النظم العربية لا يمكن حصرها في مجال ما، فما زال تعذيب المعتقل الأمر المنكر والفظيع ممارسا من قبل غالبية السلطات العربية الحاكمة، ويشهد على ذلك ضحايا التعذيب حتى الموت، فضلا عن الاعتقال الكيفي، وزج العشرات في أقبية السجون دونما محاكمة، أو على أحسن تقدير محاكمة صورية، كما أن الحجز على حرية الفرد، ومنعه من السفر، وسحب جواز سفره.من الممارسات الاعتيادية، وأيضا محظور على مختلف الأحزاب والتنظيمات حق التظاهر السلمي، ولو كان في سبيل مسألة قومية أو وطنية، فالشعب هنا ليس مصدر السلطات، بل محكوم هو بإسار سلطة جائرة تحكم عنوة، فلا تسمح السلطات بالتعددية على صعيد الأحزاب والتنظيمات، وبالتالي لا تعددية في الآراء، كحق التعبير خلال حشد جماهيري، أو تجمع سلمي، أو حتى على صعيد نشر الصحف.
فضلا عن حالات أخرى عديدة…
ولقد كرّمنا بني آدم… فهل هذا ترف الحياة، أم ضرورة أولية.؟وهل توفير ذلك يستعصي على النظم ..!؟ سؤال لن تستجيب له النظم الشمولية، لكن يبقى هذا مضمار النضال السياسي لكل المناضلين..