هل تتجه تركيا لحل القضية الكردية؟

مسعود عكو

سنون طويلة مرت على الصراع التركي الكردي، سنون امتزجت بالدم وعشرات الآلاف من القتلى، سنون شهدت متغيرات دولية وإقليمية من شأنها رسم خارطة جديدة للعالم في الغرب والشرق، السنون التي شهدت انهيار الاتحاد السوفيتي وجدار برلين والمعسكرات الإشتراكية.

انتجت لضرورة مصالح دول العالم، مجموعة أحلاف وتكتلات جديدة ابتعدت قليلاً عن الفكر الإيديولوجي فأعادت رسم الأحلاف لتكون أقرب إلى الدينية والطائفية، ناهيك عن الغارقين في أحلام معاداة الإمبريالية والرجعية، بالرغم من الاصطفافات الجديدة للكون.
هذه السنون لم تكن أقسى من العقود الطويلة من الصراع التركي مع القوميات والأقليات التي تجاورها أو التي يقبع كيانها على أرضها، فلن يشهد الكون أبشع من الجرائم التي ارتكبت بحق الأرمن وتصفيتهم في إبادة جماعية على أيدي العثمانيين الأتراك، كما أن مجازر مثل مجزرة ديرسم لن تنسى من ذاكرة الأكراد ولو بعد قرون.

لكن كل من الأتراك والقوميات الأخرى عليهم إعادة رسم الوطن الكبير الذي يجب أن يحتويهم جمعياً، رغم أن من حق تلك القوميات تقرير مصيرها، إلا أن توجه العالم نحو تكريس مفهوم المواطن العالمي، من شأنه أن يشجع دولاً كتركيا والعراق وإيران وسورية ذات القوميات والشعوب المختلفة إلى تأسيس شراكات حقيقية بين شعوبها، أساسها احترام إنسانية الإنسان وحقه في الحرية والكرامة والعدالة، بغض النظر عن خلفيته القومية أو الدينية أو الطائفية.

إن المتابع للشأن التركي هذه الأيام، سيرى بكل تأكيد الجهود التي يقوم بها حزب العدالة والتمنية المتمثل بشخصي رئيس الجمهورية التركية عبد الله غل ورئيس وزرائه رجب طيب أردوغان، الجهود الرامية لحل القضية الكردية في البلاد من خلال طرحها على مجلس الأمة، الأمر الذي يجابه بالرفض والانتقاد وحتى التخوين من قبل أحزاب تركيا القومية، كحزب الشعب الجمهوري بزعامة دينيز بايكال بالرغم من يساريته، وحزب الحركة القومية بزعامة دولت بهجلي المتشدد حتى العنصرية، الرافضين حتى مجرد الاعتراف بتعدد القوميات في البلاد ومن بينها القومية الكردية ثاني أكبر القوميات بعد التركية.

إن الاعتراف الرسمي من قبل الحكومة التركية برئاسة أردوغان ذي الميول الإسلامية بتعدد قومياتها وأقلياتها، ودعوتها بأحقية هذه القوميات باستخدام لغاتها وثقافاتها، لمؤشر على ضرب الإرث الكمالي للجمهورية القومية التركية، الإرث الذي ظل القوميون والجنرالات متمسكين به على مر عقود الجمهورية.

كما أن الاعتراف لدليل على سعي جاد لحكومة العدالة والتمنية لحل معضلة هذه القوميات والكردية على رأسها، إلا أن هذه الحلول التي يطلقها أردوغان لم تصل إلى حد أن تكون مشروعاً حقيقياً من شأنه إنهاء الصراع العسكري بين مقاتلي حزب العمال الكردستانيPKK  “كريلا” والجيش التركي، إضافة إلى إطلاق سراح قائده عبد الله أوجلان، بالرغم من فك العزلة والفردية عن سجنه.

طبقاً لمواقف حزب العمال الكردستانيPKK  وحزب المجتمع الديمقراطي بقيادة أحمد تورك إن المشروع الأردوغاني لا يمثل حلاً حقيقياً لشعب يعيش على أرضه التاريخية ونال الويلات من آلة العسكر لعقود، حرق ونهب وقتل واغتصاب وارتكاب أبشع الجرائم بحق الأكراد، أقله أن تعترف الدولة بجرائهما وتعويض الأضرار الملحقة بهذا الشعب.

يسعى حزب العدالة والتمنية إلى تغيير كيان الدولة التركية وإعادة مأسستها وفق سياسة الحزب ذي الميول الليبرالية ذات الصبغة الإسلامية.

حيث أن تركيا الامبراطورية تطرق أبواب الشرق من خلال التحركات الدبلوماسية التي تقوم بها هنا وهناك، كما أن إطلاق المشروع الأردوغاني لحل القضية الكردية في ذكرى وفاة أتاتورك الأب الروحي للجمهورية التركية في العاشر من نوفمبر الجاري، وزيارة وزير الخارجية التركي لأربيل مؤخراً ولقاءه برئيس الإقليم مسعود بارزاني، إنما يدل على جدية سعي العدالة والتمنية إلى إلغاء العلمانية الكمالية، ضاربين بقيم كمال أتاتورتك عرض الحائط من خلال الاعتراف بالأكراد وبحقوقهم السياسية والثقافية، حيث قمع أتاتورك الأكراد مرتكباً مجازر بحقهم، في حين يسعى أردوغان إلى التفاوض معهم.

لقد نجح حزب العدالة والتنمية في إعادة فرض سيطرة عثمانية جديدة على الشرق القريب لتركيا، قد يكون في مواجه المد الإيراني ذي الصبغة الصفوية.

ولعل الموقف الذي اتخذه أردوغان في ملتقى دافوس العالمي الصيف المنصرم في مواجهة الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريز بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة، يبدي للعيان مدى الاهتمام التركي بالشأن الفلسطيني، في عملية إحياء المجد السلطاني بوصفها حامية الإرث الإسلامي وأخر الإمبراطوريات الإسلامية، بالرغم من المعاهدات المشتركة بين تركيا وإسرائيل، إلا أن البابوية العثمانية الإسلامية، بغض النظر عن ربطات الأعناق التي يضعها الرئيس ورئيس وزراءه، تفرض على أردوغان الموقف الذي اتخذه في المنتدى الاقتصادي العالمي.

إضافة إلى أنها رسالة تعبر عن مدى الحرص التركي على مصالح الشعب الفلسطيني كجزء من الأمة الإسلامية، ويشير إلى الاهتمام التركي بالقضايا الإقليمية.

إن سعي تركيا لإيجاد حل للقضية الكردية يشوبه الكثير من الالتباس والغموض، والخشية تكمن أن يكون التقدم في هذا المجال أن يكون فقط صنيع حكومة العدالة والتمنية، أي بتغيير الحكومة الحالية وترأس القوميين الأتراك رئاسة الحكومة قد يعيد الجميع إلى المربع الأول، الأمر الواضح في المحادثات الإسرائيلية الفلسطينية والتي تعاد إلى الصفر بمجرد انتخاب حكومة جديدة.

سيسعى أردوغان جاهداً إلى تحقيق المزيد من الإصلاحات والتقدم في المسار الكردي، ولن يكتفي بإطلاق قناتين تلفزيونية وإذاعية رسمية باللغة الكردية TRT6 مدعومة من الحكومة أو بناء جامعات والسماح بتدريس اللغة والأدب الكرديين، بل سيلجئ أردوغان إلى المزيد كي يحصد أصوات الناخبين الأكراد في كردستان تركيا، مما يحتم بأنه سيواجه بعنف من قبل القوميين، كما أن المخاوف كثيرة من تدخل الجنرالات العسكرية في وقف هذه التغييرات، قائمة بانقلاب ضد حكومة العدالة والتمنية، والتاريخ رصد الكثير من هذه الانقلابات في تركيا.

حينها سيقطع الشك باليقين أنه لا حلول تركية للقضية الكردية.

والخشية أن يكون كل ما بناه أردوغان وحكومته بيوتاً من الرمل، فكم تدوم الرمال؟

شارك المقال :

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اقرأ أيضاً ...

إياد أبو شقرا عودة إلى الموضوع السوري، لا بد من القول، إن قلة منا كانت تتوقّع قبل شهر ما نحن فيه اليوم. إذ إن طيّ صفحة 54 سنة خلال أقل من أسبوعين إنجازٌ ضخم بكل ما في الكلمة من معنى. سهولة إسقاط نظام الأسد، وسرعة تداعيه، أدهشتا حتماً حتى أكثر المتفائلين بالتغيير المرجوّ. إلا أنني أزعم، بعدما تولّت قيادة العمليات…

طارق الحميد منذ فرار بشار الأسد، في 8 ديسمبر (كانون الأول)، إلى روسيا، وهناك سيل من النقد والمطالبات للحكام الجدد، وتحديداً أحمد الشرع. والقصة ليست بجدوى ذلك من عدمه، بل إن جل تلك الانتقادات لا تستند إلى حقائق. وسأناقش بعضاً منها هنا، وهي «غيض من فيض». مثلاً، كان يقال إن لا حل عسكرياً بسوريا، بينما سقط الأسد في 12 يوماً…

خليل مصطفى مِنْ أقوال الشيخ الدكتور أحمد عبده عوض (أُستاذ جامعي وداعية إسلامي): ( الطَّلَبُ يحتاجُ إلى طَالِب ، والطَّالِبُ يحتاجُ إلى إرادة قادرة على تحقيق حاجات كثيرة ). مقدمة: 1 ــ لا يختلف عاقلان على أن شعوب الأُمَّة السُّورية قد لاقت من حكام دولتهم (طيلة 70 عاماً الماضية) من مرارات الظلم والجور والتَّعسف والحرمان، ما لم تتلقاه شعوب أية…

أحمد خليف الشباب السوري اليوم يحمل على عاتقه مسؤولية بناء المستقبل، بعد أن أصبح الوطن على أعتاب مرحلة جديدة من التغيير والإصلاح. جيل الثورة، الذي واجه تحديات الحرب وتحمل أعباءها، ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو شريك أساسي في صنع هذا المستقبل، سواء في السياسة أو في الاقتصاد. الحكومة الجديدة، التي تسعى جاهدة لفتح أبواب التغيير وإعادة بناء الوطن…