اشتملت على رؤية الأحزاب المتواجدة على الساحة الكردية من خلال ممثليها وبعد معرفة رؤى ومواقف عدد منهم فإذا بحكاية مشابهة من التراث الكردي تحضر إلى الذاكرة وإليكم فحواها أولاً ومن ثم نتابع الحديث. في مكان ما والزمان موعد الحصاد.
في الصباح اعدوا العدة وذهبوا إلى الحقل وفي ذات المكان كانت هناك أرنبة تعيش مع صغارها في جحر بين حقل الشعير وعندما سمع الصغار أصواتهم هرعوا مذعورين إلى أمهم وخائفين عما سوف تؤول إليه الأمور وسألوها ماذا يفعلوا فقالت الأم لا تخافوا لننتظر ولا زال أمامنا يوم أو يومين حتى يصلوا إلى المكان الذي نحن فيه وحينها نتصرف ونغادر الحقل خفية.
نظر الملا مع أولاده إلى الحقل فبدا أمام ناظريهم وكأنه بحر بمساحته لا حقلاً صغيرا فخرت عزيمتهم بسبب تعود أجسامهم إلى الكسل وعدم الغيرة والأكثر من هذا هو أن الجميع غير مقتنع بما هو آت من أجله بل جاؤوا خشية من الانتقاد والكلام والقيام بمناورة ملفتة خشية من قول القيل والقال من أهل القرية فخلقوا لأنفسهم حجج وأعذار عن سبق إصرار وترصد وصار كل واحد يدلي بدلوه ويطرح أفكاراً تضعف العزائم وتهبط الهمم للهروب من المسؤولية وتفلسفوا على طريقة القروي المعهودة واختلفوا حول كيفية توزيع العمل فيما بينهم والأرنبة مع صغارها تسرق الكلام عما يدور بين الملا وأولاده من حوار فقال أحدهم لنبدأ بالحصاد من الجهة الشرقية كونها قد استوت أكثر من غيرها وقال الآخر كلا ولماذا لا نبدأ من الغرب وبعد أن قال الكل حجته وأدلى بدلوه لم يقتنعوا وتناقشوا حتى الضحى إلى أن لفحت الحرارة بـ…… ولم يصلوا إلى حل فقال الوالد لقد جعنا هاتوا الطعام لنأكل (الزوادة) ونرجع إلى البيت وفي الصباح سنحسم أمرنا فقالت الأرنبة لصغارها لنبقى هذا اليوم وإلى الغد سنحسم أمرنا أيضاً وفي اليوم التالي جاؤوا من جديد واحتد النقاش أكثر من اليوم السابق فقال أحدهم لنبدأ بالحصاد من جهة الشمال واعترض عليه الآخر ولماذا لا يكون من الجنوب وهكذا تناقشوا إلى وقت الضحى حتى لفحت بهم حرارة الجو كما في اليوم السابق فقرروا الرجوع إلى البيت ليستأنفوا العمل غدا وقالت الصغار لأمهم ما العمل ولماذا لا نغادر الحقل ولم يبق للغد من أمر يناقشوه فقد أشبعت المسالة كلاماً ونقاشاً فقالت الأم سننتظر إلى الغد لنرى وفي اليوم التالي جاء الجمع وتناقشوا من جديد وزادت وتيرة النقاش والمجادلة فلم يصلوا إلى حل بسبب تكاسلهم وعدم إيمانهم بالعمل ما دام هناك من أهل القرية يقدم لهم أسباب معيشتهم فجاء والدهم بفكرة أفلاطونية وطرحها على أولاده وقال لقد تأخرنا على الحصاد وبات من الصعوبة اللحاق بحصده كونه قد يبس كثيرا ونحن لسنا في حاجة إلى هذا المحصول فما رأيكم يا أولاد أن نحرق الحقل ونتخلص منه فوافق الجميع وحينها قالت الأرنبة لأولادها ها اهربوا وأنقذوا بجلودكم لقد صدقوا هذه المرة وسوف يفعلوه ….
إن أمرا مشابها للحكاية السابقة قد وقع وحصل وسلك طريقا مشابها لسلوك الملا وأولاده مجموعة النخب الكردية بكل فئاتها من سياسيين ومثقفين ونخب اجتماعية عندما هدموا كل ما بني في السابق من جهود المناضلين وربما توصلوا إلى قناعة أن أفضل السبل لضياع المسؤولية هو السير في الاتجاه المعاكس ووضع اللوم على الظروف الموضوعية وهذا أسهل السبل للتخلص من حمل الأمانة والتفرغ للزعامة وتعلم الحلاقة برؤوس اليتامى والفقراء.
ما يستنبط من هذه الحكاية الشعبية ومن غيرها من الحكايات الحقيقية التي جرت أحداثها في الواقع المعاش حقيقة مرة تلازم الشعب الكردي منذ زمن وليس بالأمر الجديد وذلك بابتلائه برجال ليسوا أهلا للعهدة والأمانة وقد أثبت الجميع تلك التهمة على أنفسهم وفي كل مناسبة و منذ سنوات خلت فلم يشهر بهم أحد ولم يقلل من قيمتم إلا منذ زمن قريب عندما باتت وسائل التعبير متاحة بل هم الآن قد وصفوا أنفسهم بأنفسهم وألقوا التهم بالجملة على بعضهم البعض بشكل مباشر وخفي وعبروا عما بداخلهم بصراحة بدء من فقدان الثقة المفرطة بين الكل و تشتت الأفكار والرؤى حول الهدف وغياب البرنامج السياسي والطريقة المدلسة التي يفكر بها الجميع حول رسم خطط مستقبلية ناهيك عن الفرقة والتشتت والضعف المزمن.
اليوم بالرغم من اعتقادنا الأكيد على الأقل في المدى المنظور بأنه لا جدوى في الحديث عن موضوع المجلس السياسي والمرجعية و قد أشبعت المسألة كلاماً سابقاً ـوبعد أن استمعنا وقرأنا وما لاحت من مؤشرات ودلالات غير مشجعة عما أدلى بها كل السادة خلال حديثهم من رؤى وتصريحات وتحليل للواقع الذي يعيشونه وابتكارهم معوقات أمام أية محاولة جادة حيث وضعوا العربة أمام الحصان وولوا الدبر.
فما كان يرضى به هذا لا يرضاه ذاك وما يفكر به فلان مرفوض عند الآخر وثبتت الرؤية بالدليل القاطع أن لا خير في مسعى من يقترب من المسألة الكردايتي بروح المكيدة والتضليل والتآمر ولا أمل يلوح في الأفق المنظور أن تجتمع تلك الأحزاب مرة أخرى في إطار برنامج مشترك كما كانت عند تأسيسها الأول قبل أن ينفلق الواحد ويصبح فلقتان والاثنان إلى أربعة فلقات وهكذا في متوالية حسابية قل نظيرها في تاريخ الحركات السياسية في العالم وبالشكل الذي حصل أو ما بعد ذلك الزمن.
ما يجعل المرء يواكب حالة هذا الحراك السياسي الراهن في عمومياته كوننا أفراد نعيش تبعاته عما ما يجري من حولنا وتؤثر فينا بقدر ما يكون الحركة باتجاه السلب أو الإيجاب في مختلف جوانب الحياة.
من خلال ما دار من حديث وتحليل للوضع القائم لم يبشر أحدهم بأن فرج أو انفراج قريب سوف يحصل ليطمئن الناس ولو بشكل ضلالي لتزيد قليلا من المعنويات الهابطة بل تحدث الجميع بصراحة وهذا ما يشكرون عليه من توضيح بأن لا إطار جامع من خلالنا وهذا أول موقف صريح يسمع منهم ولا عمل بشكل جدي في هذا الاتجاه المأمول وفضل جميع المتحدثين تعقيد المسألة بدلا من حللتها على قاعدة (صعب المسألة وأجعلها مستحيلة الحل سوف يضيع الفاعل ويعفى من المسؤولية) أو كما يقول الكرد في أمثالهم dirêjke wî gêjke على هذا المنطق بقي الكلام كلاماً وما أكثره فهل يشترى بثمن ؟ وترك الملف للزمن ولجولة قادمة وسلم مصيره للمجهول تحت ذرائع وحجج سخيفة باسم الفكر واختلاف الرؤى وقد اعترف كل القادة الحزبيين خلال الريبورتاج ـ الاعتراف سيد الأدلة ـ بأنهم ليسوا جاهزين لأي عمل حقيقي الآن وقد شهد شاهد من قومهم ولم يدعي أحد من كل هؤلاء بأنه ناطق باسم الكرد واعترفوا بشكل مبطن وفي أكثر من مكان أنهم لا يمثلون سوى أنفسهم ومصالحهم الحزبية فقط وفي مقدمتها الحفاظ على موقعهم الشخصي وقد هرب الجميع من قبول ممثلي الشعب والرأي العام باسم المستقلين في اجتماعاتهم وتبرؤوا أو التشاور معهم لأي أمر تخصهم وهذا هو اعتراف آخر منهم بأنهم ليسوا أحزاب جماهيرية وليسوا بحاجة للجماهير أصلاً وقد انتهى عصر الأحزاب الجماهيرية في قاموسهم السياسي وهذا ما ينطق به الواقع حيث فقد الجميع قواعدهم الشعبية حتى بات البعض منها في عداد المنقرضين في بعض المناطق في ذات الوقت لم يصرح أحدهم بشكل مباشر بندمه واعتذر عما اقترف من ذنب تقدم أو تأخر أو طلب العفو والسماح من الشعب الكردي على أفعال سيئة مرتكبة أو أنه سوف يبدي ندمه لاحقاً عما اقترف من موبقات وكبائر بالحق العام ناهيك عن حقوق التاريخ والأمة والآن يسعى الجميع من دون كلل وملل وكأن شيئاً لم يحصل ومن خلال الصحافة بطرح مواقف ورؤى وخطط تضليلية للبقاء في الموقع والتنظير بعقلية خشبية بعيداً عن كل تفهم للواقع وإضفاء الشرعية على الوجود بشكله القديم من خلال الحديث الطعن والتشهير بمن يقترب من دائرتهم الطوطمية أو الحديث عن مشاريعهم الوهمية والنظرية التي ليست لها مقدمات ومقومات حقيقية لكي تخرج إلى الحياة.
ما خرج إلى السطح في الأيام الماضية من رؤى متخلفة تخشى أصحابها أن تخرب أعشاشها من رياح النقد الكثيف في الصميم وفي عملية يشتم منها رائحة كريهة معتقدين أن في استطاعتهم إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء ويشغلوا الرأي العام بقليل من الكلام المجرد والإنشائي ووقف الأقلام الناقدة والمتمردة عن الكتابة وسد المنافذ أمامها ليبقى الشعب الكردي يستمع إلى الخطاب الخرف والتقليدي الذي بات يكرهه ويهرب منه جملة وتفصيلاً في سعي تكتيكي وتمويه على خيبتهم.
كان هناك سؤال يطرح نفسه ويدور في رأس كل عاقل في كل مناسبة ومن قبل مفاده لماذا لا يتحد الكرد ليصبحوا أكثر تماسكا وتضامنا من خلال مركز قرار واحد وهو أفضل من مركزين أو ثلاثة كون القضية التي نشأت من أجلها الأحزاب هي ذاتها ولم تتغير وليست هناك من معوقات ما دامت النيات سليمة والهدف واحد ولكن ثبتت الرؤية وبالدليل القاطع بعد أن تطايرت الطرابيش وبانت الرؤوس الجرباء بأن القضية ما زالت واحدة ولكن النيات والأهداف قد تغيرت من خلال تقديم الخاص على العام والفردية على الوعي الجمعي والتحزب على الكل وتبين بأن كل ما هو موجود من حركة منظورة أمام الأعين هي لأفراد تتحرك حسب المزاج والهوى والدعاية الشخصية في ظروف غامضة ومشبوهة ينسفون كل شيء يعترض طريق مجدهم الشخصي فلو كانت هناك أدنى حركة خلاقة لكان الحال أفضل عما هو عليه ومجنون وغبي من يصدق غير ذلك.
لذا لم يعد الوجه الأسود يحتاج إلى هباب أكثر مما هو مهبب حتى صار كل شيء شاذ طبيعي واعتيادي ومهما انتقد أحدهم الوضع وكتب وشهر ودعا وتوسل وشتم ومسح وقذف ومدح واستغاث وطلب النجدة وقبل أيادي واللحى وأحترم واحتقر فلا روح ولا حس ولا خبر وكل شيء بات حكم الموت والعدم وكأنك تخاطب نفسك وكل ما تقوله وتتحدث به يرد ويرجع عليك كالصفعة أوكأنك في واد عميق فيه صدى لا يؤثر في أحدهم لا الكلام الحلو والمهذب ولا المذموم والقبيح ويبدو أن الإحساس بالمسؤولية قد فقد وأصبح سمك الجلود ثخينة لا تخترقها رصاصة بندقية البرنو فما على الكرد أن يستغفروا لإلههم إن كان ما يزال حيا ويطلبوا منه اللطف لا رد القضاء على مصيبتهم ممن سلم لهم العهدة والأمانة .
x.kalo59@hotmail.de