إن الانتخابات في مجال المؤسسات الأخرى كنقابات العمال والمحامين والمعلمين والأطباء وسواها، أكثر نظافة وقبولا من الانتخابات البرلمانية، رغم ما يشوبها من شائبات الواقع اللبناني، لأن هؤلاء يدسون أنوفهم في كل شيء، ولا يدعون مؤسسة بحالها، وبأن تعيش حالة من المنافسة الشريفة…
الدعوة للنسبية في الانتخابات البرلمانية..
ثمة طرح ضعيف وخجول لا يؤبه له، حتى لا ينظر إليه ولا يناقش فيه – بالرغم من أهميته كما نرى يظهر بين فينة وأخرى من قبل بعض المحللين السياسيين في لبنان، هذا الطرح يدعو إلى أن تجري الانتخابات على قاعدة النسبية من حيث النتيجة..
ولتوضيح الفكرة نسوق المثال التالي: لو أن قائمتين لطائفة واحدة ما (سنة شيعة مسيحية دروز… إلخ) خاضتا الانتخابات في التنافس على عشرة مقاعد في محلة ما، ولنفترض جدلا أن إحدى القائمتين حصلت على 60 بالمئة من الأصوات، والثانية حصلت على 40 بالمئة من أصوات المقترعين، فحسب القانون المعمول به في لبنان، فإن الذي يحصل على نسبة 60 بالمئة يفوز بالمقاعد العشرة جميعها، في حين إن الذي يحصل على 40 بالمئة يخرج من المنافسة خالي الوفاض خاسرا دون أن يحصل ولو على مقعد واحد يتيم، وهذا برأيي إجحاف وغبن بحق الطرف الخاسر، أما لو طبق قانون النسبية، لحاز فريق الأكثرية على ستة مقاعد والأقلية على أربعة مقاعد، وهنا تخف وطأة الفارق، وحالة الاستئثار بالسلطة من قبل الأقطاب المتصارعة، وتضعف سطوة الأباطرة، لأن الفريق الذي كان يهمّش على الدوام أصبحت له كلمته والتي لا بد أن تسمع وتؤخذ بالحسبان.وهذا الفريق سيتكون من كافة الأطياف والشرائح وكل ما يتميز به لبنان من مسميات وتلوينات، كفسيفساء جميل، وهو بالتالي سوف يتصدى للقضايا الاجتماعية، لأنه لا يأتي لا من خلفية تكتليه أو طائفية، فما رصيده سوى هذا الدعم الجماهيري والصوت الذي اختاره ممثلا عنه، وأولاه الثقة، وحتى لا يخذله في المرة القادمة، وهنا أيضا يبرز دور المستفتين كقوة في خلخلة بنيان الأباطرة، وإضعاف دورهم، ليختفوا بالتالي في غضون عقود قليلة…
البرلمان اللبناني مكوّن كما هو معلوم ومتفق عليه، من 128 مئة وثمانية وعشرين نائبا، يتقاسمهم بالمناصفة المسلمون والمسيحيون، لكل طرف 64 أربعة وستون نائبا..
فعندما تعتمد النسبية في الانتخابات، لا بد أن يظهر فريق جديد قوي، بل ربما من أقوى الفرق منفردة، ولسوف يبرز دورهم في رص اللحمة الوطنية، وفي إضعاف الروح الطائفية والمناطقية، بل أكثر من ذلك فهم سوف يتصدون للضغوطات الخارجية وتدخلاتها، لأنهم مدينون للداخل بالولاء، الداخل الذي اختارهم، وليس الولاء للخارج وفق صفقات ومصالح متبادلة..
ورؤى سياسية ربما تتوافق وتنسجم في ظرف، وتتعارض في ظروف أخرى..
إن من يريد من اللبنانيين إنقاذ لبنان، من هذه الحالة، من هذا المأزق، عليه أولا أن يتنازل عن أنانيته فيما إذا كان رئيس كتلة برلمانية، أو زعيم كتلة في طائفة ما، لكن التخلي عن الأنانية بهذا الطرح، هو ضرب من العروض المثالية لا أعتقد بها..
لأن لا أحد يتنازل عن (حقوقه) التي شرّعها للأسف قانون البلاد..
بالمقابل علينا أن ننوه من أن قانون النسبية لن تمد لبنان بصيغ سحرية لتجاوز الحالة الراهنة، لكن يمكن اعتباره مدخلا صحيحا وسليما كإحدى الوصفات في المعالجة..
في لبنان لا دور للأحزاب السياسية، والتي ربما تناضل بنهج سلمي دعائي، لأن الاستقطاب الطائفي يحول دون ذلك، فالواقع السياسي يكرس الإقطاعيات السياسية، والزعامات، يقودها أباطرة القرن الواحد والعشرين، ويضعف هذا الواقع السياسي بالتالي الأحزاب والقوى الأخرى المدنية، حيث تتم التحالفات على أساس مصالح كل كتلة أو زعيم، بغض النظر عن مقتضيات المصلحة العامة للبلاد والمواطنين على العموم..
ومن هنا علينا أن لا نستهين عندما يطرح بعض القلة قانون النسبية كشكل بديل عمّا هو سار في قانون الانتخابات البرلمانية في لبنان، ويعود سبب ضعف الدعوة لقانون النسبية إلى سيطرة الزعامات الطائفية، التي تتغذى وتستفيد وتغتني وتعقد الصفقات مع الداخل والخارج لإدامة هذا الواقع، وبالتالي ديمومة سيطرتها وزعامتها، لأنه يدرك جيدا بتغيير هذا الواقع تكون نهاية كل هؤلاء، أو إضعافهم على أقل تقدير، لهذا السبب تأتي أهمية الانتخابات على قاعدة النسبية، وبرأيي سوف يكون له تأثيره الأكيد، وربما أتت أكله في غضون العقود القليلة المقبلة في حال السير به وتطبيقه…