رداً على مقالة عوني فرسخ.. نحو قراءة جديدة لإشكالية الأقليات في العالم العربي

إبراهيم يوسف
elyousef@gmail.com

يلاحظ ثمة اهتمام لابأس به، من قبل العديدين من الكتاب والمفكرين والباحثين العرب بما تسمى بـ “إشكالية الأقليات في العالم العربي” ولعل سبب ذلك، هو أن الكثير من هذه الأقليات الموجودة، باتت تجاهر بردود فعلها، وتذمرها تجاه ما يمارس بحقها من سياسات بعض الأنظمة في العالم العربي التي ترمي إلى طمس هويتها، وخصوصيتها، بل أن بعضاً آخر منها راح يخطط لتذويب هؤلاء في –البوتقة القومية- العربية، ولما يزل.
ولعل المتابع لأوضاع من يسمون بـ “الأقليات” في العالم العربي، يجد أن هناك من بينهم من تجاوز حالة التذمر، وعدم الرضى بالواقع، بل ترجم ردود فعله ببعض أشكال مواجهة السياسات الممارسة بحقه، من خلال إنشاء أحزاب،وتنظيمات سياسية، مطالبة بحقوقها المشروعة، وفق المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

وكان اعتصام الملا مصطفى البارزاني بجبال كردستان العراق في ستينيات القرن الماضي، وإعلانه الكفاح المسلح، أحد أشكال ترجمة الدفاع عن حقوق الشعب الكردي في العراق، وهم ممن اصطلح على تسميتهم بـ “الأقليات”.


 
تدقيق المصطلح:
لقد كنت من هؤلاء الذين بادروا بالنداء لتدقيق مصطلح “الأقليات” في العالم العربي، وذلك لعدم صلاحية مفهوم الأقلية في حالات مشخصة كثيرة، ومن بينها حالة الكرد الذين يعيشون عبر آلاف السنين في مناطق سكناهم، التي تم إلحاقها بالخرائط المشكلة، لاحقاً، وفق إرادة القوى العظمى، وكان من نتائجها إخراج الكردي من –الجغرافيا- بحسب تعبير المفكر الكردي إبراهيم محمود، رغم رسوخهم في التاريخ، وفي الحاضر.
وحقيقة، إن حالة الكرد في مناطق وجودهم في العراق، سوريا، بل وفي إيران وتركيا، لايمكن إدراجها ضمن  مفهوم الأقلية، لأن هؤلاء الكرد هم الأكثرية في مناطق تواجدهم، وسكناهم، فحسب، وهو ما انتبهت إليه بعض الأنظمة في المنطقة، فلجأت إلى سياسات الإفقار، والتهجير، والإضطهاد، بحق الكرد، ليتم تطبيق هذا المصطلح بحقهم، على الطريقة البروكروستية!
وإذا كان الأرمني في لبنان، قد لاذ بهذا المكان، هرباً من السياسات الطورانية بحقه، فإن الكردي في العراق وسوريا لايعد أقلوياً، وإن الكردي –في العراق- ظهر حريصاً على العراق الفيدرالي الموحد، وإن كان –نفسه- في سوريا يدعو إلى شراكة حقيقية في الوطن- بل وضمن سقف الوطن السوري- في ظل حرمانه من أبسط الحقوق السياسية، والثقافية، مؤكداً في كل مرة أن سوريا وطنه النهائي، وهو ماتركز عليه كافة الأحزاب الكردية السياسية التي تمثل وجدان وضمير ثاني أكبر قومية في سوريا، تشكل 16% من عدد السكان، وإن كان هناك من نسي نتيجة الظروف السياسية لغته القومية.


وإذا كان الكثير من المفكرين والباحثين والمثقفين العرب، ومن بينهم الأستاذ عوني فرسخ، كما كتب في جريدة الخليج عدد الجمعة – 6 نوفمبر 2009- يرون أن استقلال الأقليات يصب في خدمة القوى العظمى والإقليمية(؟؟)، فإن هذا ما يدعو –في الوقت نفسه- إلى معالجة الإشكالية الكبرى القائمة في هذا المجال، ليس من خلال الاستمرار في ممارسة الإضطهاد، والقمع، بحق الأصوات التي ترتفع من بين ما يسمون بـ” الأقليات”، مطالبة برفع الغبن والظلم والاستبداد بحقها، بل بإزالة أسباب هذا الشعور، خاصة وإن التجربة الطويلة، أكدت، أن “الوصفة” المتبعة من قبل تلك الأنظمة السياسية، مع “ملف” الأقليات أكدت أنها معطوبة، غير ناجعة، وتزيد الطين بلة، بل إنها تعرقل عملية التطور والبناء الوطنيين، من خلال اعتمادها على عقلية ماضوية غير مجدية البتة، لأن هذه العقلية –تحديداً- هي التي تخدم أجندات الدول العظمى، والإقليمية في آن واحد.
 
مهمات لابد منها أمام المثقف العربي:
إن مهمة كبرى جداً، ملقاة على عاتق المثقف العربي، أينما كان، من أجل إعادة قراءة “إشكالية الأقليات” القومية، على أضواء واقع وجودها الوطني، وأهميتها، خاصة إزاء  بعض وسائل الإعلام التي تنفث سمومها، وتعزف في كل مرة على وتر أحد أطراف المعادلة ذات العلاقة بـ “الأقليات” بغرض إذكاء التوتر، وتشويه صورة كل طرف عند الآخر، وهي لعبة جد خطيرة، لابدّ من فهمها على أكمل وجه، وإن كان للأسف بعض النخب العربية، ينخرط في –اللعبة- كما يرسم له، دون معرفة فحوى الأبعاد الموجودة، والتصرف بحكمة ومسؤولية في هذا المجال.
*  كاتب كردي سوري
 
————-
راجع مقال عوني فرسخ “إشكاليات الأقليات في الواقع العربي- جريدة الخليج- 6 نوفمبر 2009- العدد 1128- ص 14 “رأي ودراسات”
المقال أيضاً تم الاعتذار عن نشره بسبب اختلاف الرأي
 
 – بعد ساعات من شتيمة الرئيس الموريتاني المدوية للبيشمركة الكورد، تم تبادل برقيات التهنئة والشكر بين الرئيس الموريتاني نفسه والسيد جلال الطلباني… شكراً جلال الطلباني…! 
– عدد كبير من الأصدقاء والصديقات الكتاب والكاتبات صححوا لي ترجمة – مركة- في بيشمركة التي وردت في مقالي السابق بأنها تعني: الموت شكراً لكل هؤلاء كل باسمه

شارك المقال :

0 0 votes
Article Rating
Subscribe
نبّهني عن
guest


0 Comments
Oldest
Newest Most Voted
Inline Feedbacks
View all comments
اقرأ أيضاً ...

خالد جميل محمد جسّدت مؤسسة البارزاني الخيرية تلك القاعدة التي تنصّ على أن العمل هو ما يَمنحُ الأقوالَ قيمتَها لا العكس؛ فقد أثبتت للكُرد وغير الكُرد أنها خيرُ حضن للمحتاجين إلى المساعدات والمعونات والرعاية المادية والمعنوية، ومن ذلك أنها كانت في مقدمة الجهات التي استقبلَت كُرْدَ رۆژاڤایێ کُردستان (كُردستان سوريا)، فعلاً وقولاً، وقدّمت لهم الكثير مما كانوا يحتاجونه في أحلك…

ريزان شيخموس بعد سقوط نظام بشار الأسد، تدخل سوريا فصلًا جديدًا من تاريخها المعاصر، عنوانه الانتقال نحو دولة عادلة تتّسع لكلّ مكوّناتها، وتؤسّس لعقد اجتماعي جديد يعكس تطلعات السوريين وآلامهم وتضحياتهم. ومع تشكيل إدارة انتقالية، يُفتح الباب أمام كتابة دستور يُعبّر عن التعدد القومي والديني والثقافي في سوريا، ويضمن مشاركة الجميع في صياغة مستقبل البلاد، لا كضيوف على مائدة الوطن،…

كلستان بشير الرسول شهدت مدينة قامشلو، في السادس والعشرين من نيسان 2025، حدثا تاريخيا هاما، وهو انعقاد الكونفرانس الوطني الكوردي الذي انتظره الشعب الكوردي بفارغ الصبر، والذي كان يرى فيه “سفينة النجاة” التي سترسو به إلى برّ الأمان. إن هذا الشعب شعبٌ مضحٍّ ومتفانٍ من أجل قضيته الكردية، وقد عانى من أجلها، ولعقود من الزمن، الكثير الكثير من أصناف الظلم…

إبراهيم اليوسف ما إن بدأ وهج الثورة السورية يخفت، بل ما إن بدأت هذه الثورة تُحرَف، وتُسرق، وتُستخدم أداة لسرقة وطن، حتى تكشّف الخيط الرفيع بين الحلم والانكسار، بين نشيد الكرامة ورصاص التناحر. إذ لم يُجهَض مشروع الدولة فحسب، بل تم وأده تحت ركام الفصائل والرايات المتعددة، التي استبدلت مفردة “الوطن” بـ”الحيّ”، و”الهوية الوطنية” بـ”الطائفة”، و”الشعب” بـ”المكوّن”. لقد تحولت الطائفة…