وبناءاً على ما تقدم، وعلى ضوء واقع الحركة الكردية الموصوف بغياب مركز للقرار الكردي، وفي ظل الأجواء المحتقنة أو المشوبة بعدم الثقة، التي خلقتهـا السياسـة الشوفينية بين الكرد وشركائهم من المكوّنات الأخرى، فإن من المبكّر الحديث عن انفتاح على القضية الكردية من قبل السلطة، وهو ما تؤكده الوقائع والممارسات على الأرض، فالانفتاح يحتاج على الأقل إلى نوايا حسنة على شكل إشارات، في حين لا تزال فيه السلطة تمعن في سياسة التشدّد الأمني، وإصدار المزيد من المراسيم والقوانين التي تزيد من تعقيدات الحل الديمقراطي لهذه القضية، وتراهن أصلاً على طمسها، وعلى التعامل معها كقضية أمنية، وتحصرها حتى الآن بقضية (منح الجنسية ) لمن جرّد منها بموجب إحصاء 1962 ، وتربط هذا المنح بتعهدات الكف عن طلب غيره من الحقوق.
وليس من المستبعد مستقبلاً أن يحلّ المرسوم 49 وتطبيقاته محل مشروع الإحصاء في سقف عطاءات هذه السلطة بخصوص القضية الكردية.
ومن هنا، فإن ترويج مقولة الانفتاح عليها هو ضرب من الوهم، ولا يصلح إلا كغطاء للتهرّب من استحقاقات الحل الديمقراطي، الذي يتطلب وجود قوة ضاغطة يمكن توفيرها من خلال وحدة الموقف الوطني الكردي بالدرجة الأولى ودعمه بأوسع تضامن وطني سوري، وهذا يقودنا إلى الداخل الحركي الكردي الذي لم يوفق حتى الآن في إنهاء حالة التشتت وإيجاد ممثلية كردية تكون بمثابة مرجعية، ويعود ذلك إلى ضعف إرادة التلاقي من جهة، وضحالة الثقافة والوعي الديمقراطي وتجاهل متطلّبات العمل المشترك، من جهة أخرى، فالجميع يرفض واقع التشتّت ويطالب بضرورات التوحّد، لكن البعض يدعو إلى الالتقاء على برنامج سياسي خاص به، ووفق آلية تنسجم مع مصالحه الحزبية، في حين أن تلك المتطلّبات تعني الالتقاء عند قواسم الحد الأدنى المشترك، كما يعني أن يجد الجميع نفسه وقناعاته في التحضير لتلك الممثليّة المنشودة، التي نعتبرها منقوصة بغياب الفعاليات الثقافية والاجتماعية المستقلة، والتي باتت تضطلع بدور هام في مجتمعنا الكردي، وأن من الخطأ احتكار التنظيمات الحزبية، رغم أهميتها، للعمل السياسي الذي ينبغي أن يصبح شأناً عاماً، خاصة بعد أن باتت سياسة الاضطهاد، وآثار المشاريع العنصرية، وسياسة القمع والمنع، تعم كل فئات المجتمع.
لذلك فإن البحث عن آلية لتنظيم العلاقة، ليس فقط بين الأحزاب الكردية مجتمعة، بل كذلك بينها وبين تلك الفعاليات، سيكون من شأنه تحويل السياسة إلى فعالية مجتمعية، بدلاً من حصرها داخل الأطر الحزبية …
انطلاقا من هذا الفهم، فقد ساهمنا في صياغة مشروع المؤتمر الوطني الكردي، الذي سيتم إطلاقه قريباً، والذي لن ندّعي احتكار الدعوة لانعقاده، لأنه حظي بالأساس، كمشرع، من قبل غالبية أطراف الحركة الكردية، وسيكون كل شيء فيه قابلاً للنقاش والتعديل، اعتباراً من الرؤية السياسية المشتركة، إلى الآليات التنظيمية، وصولاً إلى كيفية اختيار ممثلي الفعاليات الى المؤتمر الوطني، الذي يفترض به أن يتمخض عن برنامج سياسي، قد يتباين، في بعض بنوده، مع سياسة حزبنا، وعن مجلس منتخب، قد لا يحظى ممثلو حزبنا بشرف العضوية فيه، لكن في حينه ستكون لنا جميعاً مرجعية تعبّر عن إرادتنا، وتتحدث بإسمنا، وفي حينه أيضا ستكون لنا جهة مخوّلة بالحوار بالنيابة عن شعبنا، تمكّنه من المساهمة في عملية التغيير الديمقراطي السلمي في إطار مرجعية وطنية سورية لا تقل ضروراتها، عن المرجعية الكردية المنشودة التي تعبّر عن أهدافنا القومية الخاصة، والتي ستبقى مطلوبة وممكنة التحقيق، رغم الفتور الذي يحيط بالجهود الرامية لبنائها الآن، لأنها بالنهاية مشروع وطني، قد تكون عناصره وشروطه الضرورية غير مكتملة بعد، أو أن خطة عمله لا زالت بحاجة للمزيد من الإنضاج.
لكنه في كل الأحوال سيظل هدفاً ثابتاً ودائماً للحراك الكردي، لأنه ضرورة نضالية، من شأنها إكساب حركتنا الاحترام المطلوب،ومنحها القدرة اللازمة على الفعل النضالي.
ونراهن في ذلك على نمو وتزايد الوعي لدى شعبنا وحركته الوطنية، وعلى تصاعد إرادة الوحدة والتلاقي التي تتناسب طرداً مع التطور الحضاري والسياسي للشعوب، ومع قدرتها على تجاوز تناقضاتها ورفع مستوى طموحاتها الخاصة بنفس الوقت.
في حين أن لنا أيضاً طموحات وطنية عامة تتطلب الانخراط في النضال الديمقراطي العام، والبحث عن آليات تنظّم العمل المشترك مع بقية القوى الوطنية الديمقراطية السورية.
ونعتبر أن إعلان دمشق يمثل الإطار الأنسب الذي يعبّر عن الحد الأدنى المطلوب لتطلعات شعبنا السوري ، والذي جاء أصلاً بعد أن يئست القوى المؤتلفة فيه من إمكانية إقدام السلطة على التغيير وعجزها عن القيام بإصلاحات ملموسة، بما في ذلك العجز عن إيجاد حل ديمقراطي عادل للقضية الكردية، الذي تم تثبيته في الوثيقة الأساسية للإعلان، وهو –أي الإعلان- بحاجة إلى حركة شعبنا لمواصلة مسيرته نحو التغيير الديمقراطي، خاصة بعد أن أثبتت المعارضة السورية، من خلاله لأول مرة في تاريخها، قدرتها على تنظيم الصفوف والاعتماد على الإمكانات الذاتية الوطنية، بعيداً عن وعود السلطة وعن الاستقواء بالخارج، وأثبتت كذلك قدرتها على تفهّم الجوهر الوطني الديمقراطي لطبيعة القضية الكردية وعدالتها، بعد أن ظلت العديد من تلك الأطراف التي ظلت محاصرة بالأحكام العرفية لعقود من الزمن، تتعامل مع الشأن الكردي بالتشكيك والسلبية، كما أن القضية الكردية بحاجة الى حلفائها الوطنيين الطبيعيين، داخل الإعلان وخارجه، لإدراجها ضمن القضايا الوطنية التي تحتاج لحلول عادلة وعاجلة، خاصة بعد أن أثبتت التجربة أن الشروط الموضوعية المحيطة، باتت تلعب دورا مهماً ومتقدماً في إنعاش الآمال السياسية، وتنشيط الحراك الديمقراطي.
أخيراً، ولأننا نقف أمام مهمة وطنية كبيرة، فمن الطبيعي أن تكون الصعوبات أيضاً بنفس المستوى، ولن يكون بالإمكان تذليلها إلا بتعاون الجميع، والكف عن المهاترات،وزرع الثقة المتبادلة التي تعتبر شرطاً أساسياً في إنجاح هذه المهمة، التي من شأنها التمهيد لحوار جاد ومسؤول، بعيداً عن التسويف والمماطلة.
* الجريدة المركزية لحزب الوحدة الديمقراطي الكردي في سوريا(يكيتي)–العدد (195) تشرين1-2009م